تنتظر بفارغ الصبر سوق السندات التي ترغب في الارتفاع الضوء الأخضر من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأسبوع المقبل إذ تواصل قوة الاقتصاد تقويض الاستثمارات التي تراهن على الصعود.
تقدمت سندات الخزانة خلال الأسابيع الأخيرة، ما قلص عوائد السندات الحساسة لأسعار الفائدة الأساسية لمدة سنتين بنحو 30 نقطة أساس مقارنة بذروة السنة الجارية عند 5.12% بلغتها 6 يوليو الحالي، إذ تزداد الرهانات على اقتراب صناع السياسة النقدية من إنهاء عمليات رفع أسعار الفائدة الأكثر قوة على مدى عقود في ظل بوادر لتباطؤ التضخم.
أسعار الفائدة
في الوقت الحالي، مع الأخذ بعين الاعتبار زيادة ربع نقطة في اجتماع 26 يوليو الجاري، فإن سوق عقود المقايضات تتوقع فقط احتمالية واحدة من كل ثلاث لحدوث عملية رفع لأسعار الفائدة بوقت لاحق من هذه السنة، ما يُعد تراجعاً عن نسبة 50% بوقت مبكر من الشهر الحالي. في غضون ذلك، يوسع مديرو الصناديق استثماراتهم بسندات الخزانة طويلة الأجل، إذ يتوقعون تثبيت البنك المركزي الأميركي لأسعار الفائدة بعد صعوها لأعلى مستوياتها منذ 2001، على أن يبدأ تقليصها السنة المقبلة.
في حين أن الأسواق تتجهز لتباطؤ معدلات التضخم، فإن هذه النتيجة غير مؤكدة تماماً. لا يقتصر الأمر على قوة سوق العمل، ولكن قطاع الإسكان أيضاً على ما يبدو أنه امتص تأثير تشديد السياسة النقدية السريع من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بمقدار 500 نقطة أساس. بالإضافة لذلك، أسفرت جهود البنك المركزي لحماية القطاع المصرفي عبر ظروف مالية تيسيرية، ما يدل على أن وجود تقدير لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لحدوث رفع لأسعار الفائدة مرتين العام الجاري ما تزال مسألة مطروحة بصورة كبيرة.
أوضح غريغوري فارانيلو، رئيس وحدة تداول المنتجات المرتبطة بالفائدة الأميركية والاستراتيجية في شركة "أمريفيت سيكيوريتيز" (AmeriVet Securities): "تعتقد السوق أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يقترب من إنهاء دورة رفع أسعار الفائدة، ولكن إذا استمرت قوة البيانات الاقتصادية بين شهري يوليو وسبتمبر، فينبغي لسوق السندات أن تتوقع زيادة أخرى. وبالنسبة لجيرم باول رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، ما يزال يربط إنهاء تشديد السياسة النقدية بتراجع التضخم فيما تعرقل الظروف المالية حدوث ذلك. ليس هناك سبب للاعتقاد بأن موقف بنك الاحتياطي الفيدرالي خلال يونيو الماضي من وجود جولتي رفع أخريين قد تغير".
تخفيف السياسية النقدية
من المرجح تناول باول لخيار الإبقاء على رفع أسعار الفائدة لمرة أخرى ضمن نقاط حديثه بمؤتمره الصحفي. فيما يرى جاك ماكنتاير من شركة "برانديواين غلوبال إنفستمنت مانجمنت"، أنه من الممكن أن يميل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي لتيسير السياسية النقدية.
تابع: "سيصبح التعرف على الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي عملية مثيرة للاهتمام، فهل تظهر أحدث البيانات بعض تباطؤ الاقتصاد والتضخم، أم أنهم يريدون الاستمرار في الميل لتشديد السياسية النقدية"؟ أضاف أن الشك يساوره في أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سينتقل من وقف رفع أسعار الفائدة –خلال يونيو الماضي- إلى تخفيف مقدار الزيادة الشهر الحالي.
في ظل الموقف الراهن، من المتوقع أن تزيد اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة نطاق سعر الفائدة الأساسي ليترواح من 5.25% إلى 5.5% عند اجتماعها خلال الأسبوع. بالإضافة لذلك، توجد توقعات بالسوق بعملية رفع مقدارها 9 نقاط أساس فقط، ما يبرز مدى استبعادها لحدوث زيادة أخرى.
يضع هذا الأمر المستثمرين أمام مفاجأة إذا زادت قوة سوق العمل وبقي التضخم مرتفعاً خلال الشهرين المقبلين، وهو نمط هيمن على استراتيجيات العمل خلال العام الجاري.
عوائد السندات
أخفقت الرهانات على حدوث كساد اقتصادي خلال يناير الماضي ورفعت البيانات القوية العوائد بصورة كبيرة حيث حققت سندات الخزانة لأجل سنتين 5% تقريباً. بعد ذلك، أدت حالات إفلاس مصارف أميركية خلال مارس لتراجع السندات لأجل سنتين إلى ما دون 4%. وفي الآونة الأخيرة، مع انحسار أخطار تفشي العدوى بالقطاع، ارتفعت العائدات مرة ثانية في ظل توقعات سوق عمل قوية وإقرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي زيادات إضافية لأسعار الفائدة، إلا أنها تراجعت مع تراجع الضغوط التضخمية.
أكد جورج كاترامبون، رئيس وحدة الدخل الثابت في شركة "دي دبليو إس أميركاس" (DWS Americas)، التي تحظى بمراكز استثمارية متوازنة: "كانت المراكز الاستثمارية هشة العام الجاري، وجاءت أغلبيتها على الجانب الخطأ من الرهانات، وينبغي لك الحذر عندما يقترب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من إنهاء دورة رفع الفائدة. ستعاني العقود المستقبلية المرتبطة بقرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي من اضطرابات خلال الفترة الراهنة وحتى سبتمبر المقبل".
قلص المضاربون الأسبوع الجاري حيازاتهم من العقود المستقبلية للسندات لأجل سنتين في ظل مؤشرات على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يستمر في تثبيت سعر الفائدة لمدة طويلة بعد يوليو الحالي، وعوضاً عن ذلك، عززوا رهانات على نظيراتها من فئة استحقاق 5 و10 أعوام. تراجعت العقود المفتوحة للعقود المستقبلية لسندات الخزانة الأميركية لأجل سنتين بمقدار 75 ألف عقد خلال الأسبوع المنتهي الخميس الماضي، ما يُعد أكبر هبوط خلال 4 أيام منذ مايو الماضي.
بيانات مؤثرة
قد تضطر عملية تشديد مفاجأة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية الأسبوع الجاري، المضاربين لإعادة النظر في رهاناتهم، ونفس الأمر بالنسبة لتأثير إصدارات البيانات حول مؤشرات التضخم المختلفة. في حين أنه من المتوقع أن تكشف البيانات عن تراجع نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية خال شهر يونيو الماضي لمعدل سنوي 4.2%، إلا أن ذلك سيبقى متجاوزاً لضعف هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بالأجل البعيد.
تُعد قوة سوق العمل حالياً وتوقعات الأجور مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لمستثمري السندات.
أوضحت غوربيت غيل، محللة الاقتصاد الكلي العالمي بوحدة الدخل الثابت في "غولدمان ساكس أسيت مانجمنت" (Goldman Sachs Asset Management) التي قلصت التعرض لسندات الخزانة الأميركية ذات آجال الاستحقاق الطويلة: "سوق العمل القوية تكبح نطاق تراجع العائدات. والسيناريو المنطقي تماماً هي أن يوليو سيشهد آخر صعود لأسعار الفائدة في دورة التشديد النقدي الحالية، لكن توجد حالة من عدم اليقين".