هجوم روسيا على الموانئ والسفن الأوكرانية في البحر الأسود سوف يدفع أوكرانيا إلى تصدير كميات هائلة من الحبوب عبر الأنهار والطرق البرية والسكك الحديدية، وكلها سبل محفوفة بالمخاطر.
فبعد انسحابها من اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود الأسبوع الماضي، أعلنت روسيا أن كل السفن المتجهة إلى الموانئ الأوكرانية ستعتبر سفناً حربية. ونتيجة لذلك، ومع اقتراب موسم الحصاد، لن يتمكن المزارعون الأوكرانيون بعد الآن من الاعتماد على الطريق الذي سبق استخدامها لنقل ما يقارب نصف المحاصيل في الموسم الماضي.
يفاقم ذلك من الضغوط الواقعة على أسواق الغذاء العالمية، ويمثل ضربة قاصمة إلى أحد أكبر مصادر إيرادات أوكرانيا.
تحديات لوجستية
كان البحر الأسود، من الناحية التاريخية، طريقاً للأغلبية العظمى من صادرات الحبوب الأوكرانية إلى الخارج، وساعد على تحول البلاد إلى واحدة من أكبر الموردين في العالم. وتعطيل عمل الموانئ سيقلل من قدرة أوكرانيا التصديرية الشهرية من نحو 7 أو 8 ملايين طن إلى ما يقارب 4 ملايين طن بحد أقصى، وفقاً لتقديرات ألكسندر ماري، كبير المحللين لدى "أغريتل" (Agritel)، ذراع التحليلات الزراعية لشركة "أرغوس ميديا" (Argus Media).
يزيد ذلك من مجموعة المشكلات اللوجستية. فقد أثارت الأنباء مخاوف متجددة حيال تضخم أسعار الغذاء عالمياً، وتفاقم الضغوط المالية على المزارعين الأوكرانيين.
تعطيل الموانئ المطلة على البحر الأسود سيضطر الدولة أيضاً إلى زيادة اعتمادها على الطرق الأطول مسافة والأعلى تكلفة إلى الأسواق العالمية، وأبرزها هو نهر الدانوب. لكن موجة الحر المنتشرة في جنوب أوروبا أدت إلى انخفاض منسوب المياه في الأنهار، وإعاقة القدرة على التصدير، ما سيفاقم صعوبة تصدير الحبوب.
تواجه الطرق البرية أيضاً تحديات تتمثل في حقيقة أن دول شرق أوروبا تواصل مقاومة تدفقات المحاصيل القادمة من أوكرانيا لصالح المزارعين المحليين، الذين احتجوا لأن الواردات الأوكرانية تشكل خطراً على مصدر رزقهم.
الجفاف يعصف بأنهار أوروبا
من بين تلك الخيارات، "سيُعتمد على موانئ نهر الدانوب بشكل مكثف" بوجه خاص، وفقاً لما قاله مايكل ماغدوفيتس، المحلل الأول بمصرف "رابو بنك" (Rabobank) في حوار عبر الهاتف. قفز حجم المحاصيل المنقولة عبر النهر من نحو 1.4 مليون طن إلى مليوني طن شهرياً في العام الماضي. وفي مايو ويونيو، ورغم اجتياز تلك الشحنات لممر البحر الأسود، أبطأت عمليات التفتيش تدفق حركة السفن.
عند وصولها إلى نهر الدانوب، يمكن نقل الحبوب مباشرة إلى المشترين القريبين، أو شحنها إلى مراكز مثل كونستانتا في رومانيا، حيث تُحمّل على سفن أكبر تنطلق في رحلات أطول. قال ماغدوفيتس: "مع ذلك فهناك مشكلة، فنظراً لأن السفن الكبيرة لا يمكنها الإبحار في النهر، فعليك حشد اللوجستيات في هذا الممر الصغير للغاية".
لكن موجة الحر التي تضرب جنوب أوروبا ستعقد المشكلة.
ففي رومانيا، انخفض منسوب المياه 40% عن متوسط المنسوب في يوليو بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وفقاً للمعهد الوطني لإدارة المياه في رومانيا. ما يزال هذا المنسوب أعلى بكثير عن أدنى منسوب في عقدين، والذي حدث في العام الماضي، لكن قد يحدث مزيد من الانخفاض في الأسبوع المقبل.
قال أندريه بالاسويو، وسيط تجارة الحبوب، ومقره في كونستانتا: "المشكلة أيضاً أن منسوب المياه في الدانوب ينخفض يوماً بعد يوم بسبب الجفاف. لذا؛ لا يمكن تحميل الناقلات بكامل حمولتها من القمح".
شروط روسية للعودة إلى اتفاق الحبوب
ستمثل السكك الحديدية والطرق البرية أيضاً عاملاً رئيسياً. فرغم استمرار دول شرق أوروبا في معارضة شراء الحبوب الأوكرانية، ما تزال الدول تسمح بنقل الحبوب عبر حدودها لإجراء عمليات التسليم. مع ذلك، فحجم الحبوب المنقولة عبر السكك الحديدية أو الطرق البرية تراجع، عندما بدأ تأجج التوترات السياسية.
يستخدم التجار الطرق البديلة بالفعل. لكن السؤال الآن هو إلى متى ستبقى تلك الطرق هي الخيار الوحيد، وما إذا كان يمكن عقد صفقة جديدة لنقل الحبوب عبر البحر الأسود أم لا، حسب سيرغي فيوفيلوف، الرئيس التنفيذي لشركة "أوكر أغرو كونسلت" (UkrArgoConsult) للأبحاث.
قالت روسيا إنها راغبة في العودة إلى الاتفاقية عند تلبية شروطها. إذ طالبت لشهور بإعادة ربط أحد بنوكها الزراعية بنظام "سويفت" (SWIFT) الدولي للمدفوعات، وقدمت مطالب أخرى بخصوص اللوجستيات والتأمين. فُصلت البنوك الروسية عن نظام "سويفت" بعد الغزو الشامل لأوكرانيا.
أوكرانيا عازمة على زيادة صادراتها
قال ستيفان دوجاريك، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في إحاطة صحفية يوم الخميس: "إن التهديدات المتعلقة بالتصدير في الأسبوع الجاري تُبعدنا عن الجهود الرامية إلى إعادة فتح الممر البحري".
قالت أوكرانيا إنها تعتزم زيادة قدرتها التصديرية عبر الطرق البديلة، رغم أن ذلك قد يستغرق بعض الوقت. قدّر وزير البنية التحتية بالدولة أن نهر الدانوب وحده قد ينقل ما بين 23 و25 مليون طن من صادرات المواد الغذائية في العام الجاري، ما يقارب نصف صادرات البلد السنوية من الحبوب قبل الحرب. كما تعهدت "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (USAID) بالمساعدة على تعزيز القدرة التصديرية.
بينما شكل النهر والطرق البرية حبل نجاة اقتصادي، سيكون لها في الفترة الحالية تأثير أكبر على إمدادات الحبوب العالمية، وستكون عاملاً أساسياً في المساعدة على خفض أسعار الغذاء المتصاعدة. حسب رومان سلاستون، رئيس نادي الأعمال الزراعية الأوكراني: "الأرجح أن الطرق البديلة لن تكفي، لكنها ستغطي معظم الاحتياجات".
