شهدت أكبر سوق للسندات في العالم يوماً من الانتكاسات، مع تقليص سندات الخزانة الأميركية ارتفاعها الأسبوعي بعد أن عززت بيانات اقتصادية قوية الرأي القائل بأن ادعاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الانتصار على التضخم ربما يكون سابقاً للأوان.
في نهاية أسبوع تميز بالتفاؤل بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي أصبح أقرب إلى إنهاء دورة رفع أسعار الفائدة، أظهر تقرير أن ثقة المستهلك ارتفعت إلى أعلى مستوى لها في عامين تقريباً- بينما ارتفعت توقعات الأسعار على المدى القصير.
جاء رد فعل سوق السندات فورياً، مع تحمل الجزء الأمامي لمنحنى العائد بالولايات المتحدة وطأة عمليات البيع. وسجلت الأسهم خسائر طفيفة إذ أشار المستثمرون إلى عملية "تماسك" بعد موجة صعود دفعت مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" إلى تسجيل أفضل أسبوع له منذ منتصف يونيو.
قال دون ريسميلر، أحد الشركاء المؤسسين في شركة "ستراتيغاس" (Strategas): "حتى الآن لا يبدو أن المهمة قد أُنجزت"، في إشارة إلى البيانات الاقتصادية. وأضاف: "لا يزال المتغير الأكثر أهمية في الإنفاق الاستهلاكي هو التوظيف، الذي ما زال قوياً. غير أن سوق العمل التي تعاني نقصاً في معروض الأيدي العاملة في الولايات المتحدة ضرورية أيضاً في حساب التضخم على المدى الطويل".
ارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين، الذي يتسم بحساسية خاصة لتحركات البنك المركزي الوشيكة، 14 نقطة أساس إلى 4.77%، في تناقض صارخ مع انخفاض أسعار العائد خلال الأيام القليلة الماضية. سجل الدولار مكاسب طفيفة، مقلصاً أكبر تراجع أسبوعي شهده منذ نوفمبر.
نتائج أعمال البنوك
قام المستثمرون بفحص نتائج أعمال بنوك "جيه بي مورغان تشيس" و"ويلز فارغو" و"سيتي غروب"، التي تجاوزت بسهولة تقديرات المحللين المنخفضة. ارتفع سهم "يونايتد هيلث غروب" حيث هدّأت الأرباح المخاوف من التكاليف الطبية الجامحة. تراجع سهم شركة "إيه تي أند تي" إلى أدنى مستوى له منذ 29 عاماً وسط مخاوف متزايدة بشأن ارتفاع التكاليف المحتملة لعملاقة الاتصالات.
يرفع محللو قطاع الأسهم من توقعاتهم للأرباح على مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" في العام المقبل بشكل أسرع مما يخفضونها، مما دفع مؤشراً مهماً يتتبع وتيرة مراجعات المحللين إلى الانطلاق من أدنى مستوى له في نوفمبر.
بعد أن وصل إلى سالب 70% في أواخر العام الماضي، فإن هذا المؤشر -الذي يركز على الأرباح المستقبلية للسهم على مدى 12 شهراً- أقرب إلى المنطقة الإيجابية عند سالب 28%، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ إنتليجنس". وقد تم وصف هذا المؤشر بأنه مقياس مستقبلي لتوقعات الأرباح، مما يدعم فكرة تحقيق الأسهم مكاسب على مدى العام المقبل.
البيانات الاقتصادية الأميركية جاءت مشجعة، وتحسن احتمال أن يهبط الاقتصاد هبوطاً سلساً مع كل نقطة بيانات تظهر المرونة، وفقاً لسوليتا مارسيلي من مكتب الاستثمار الرئيسي في بنك "يو بي إس". ومع ذلك، فإنها تحافظ على تفضيلها للسندات عالية الجودة على الأسهم لثلاثة أسباب.
أشارت مارسيلي إلى أن "الأخبار الجيدة المتعلقة بالاقتصاد الكلي وضعت في الحسبان فعلاً في حركة مؤشر ستاندرد أند بورز 500، وفي النصف الثاني، نتوقع بيئة يستمر فيها تراجع معدل التضخم، غير أن نمو الاقتصاد الأميركي سوف يتباطأ أيضاً. هذا الوضع جيد للسندات، ولكن بشكل عام ليس الأسهم. ثالثاً، إن حجم الأثر الآجل غير المؤكد للزيادات السابقة في أسعار الفائدة يعني أن كلاً من الركود وخطأ سياسة الاحتياطي الفيدرالي لا يزالان من المخاطر المحتملة".
تفاؤل السوق لن يستمر
يقول مايكل هارتنت من "بنك أوف أميركا"، الذي تبنى موقفاً تشاؤمياً صحيحاً من الأسهم العام الماضي، إن تفاؤل السوق بأن نشاط الاقتصاد لن يصبح بالغ السخونة ولا شديد الفتور من غير المرجح أن يستمر.
كتب المحلل الاستراتيجي: "الاعتدال هو ما يحكم الأصول الخطرة في الوقت الحالي"، لكن من المرجح أن يشهد النصف الثاني ارتفاع تضخم أسعار المستهلك وتشديد السياسة النقدية. "نحن نتوقع بيعاً في الأصول الخطرة في أواخر أغسطس أو أوائل سبتمبر ونلاحظ أن نطاقاً واسعاً وكبيراً للتداول الذي يتأثر بعوامل طويلة الأجل لا يزال هو الحالة الافتراضية".
من جانبهم، يواصل مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي توخي الحذر.
في وقت متأخر من يوم الخميس، قال عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر إنه يتوقع زيادتين أخريين في أسعار الفائدة هذا العام لخفض التضخم إلى هدف 2%، رغم أن ظهور مزيد من البيانات الجيدة حول الأسعار قد يلغي الحاجة إلى رفع الفائدة للمرة الثانية. وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو أوستان غولسبي لشبكة فوكس نيوز إن بيانات أسعار المستهلك الأخيرة كانت "واعدة"، رغم أن التضخم لا يزال أعلى من الهدف.
الحديث بلهجة حذرة
بالنسبة لكريشنا غوها من شركة "إيفركور" (Evercore)، لا ينبغي أن نتفاجأ بأن صانعي السياسة في بنك الاحتياطي الفيدرالي -حتى المسؤولين الأقل تشدداً– يتحدثون بلهجة حذرة.
وأضاف غوها: "هذا يخدم غرض الاحتفاظ بخيار -حتى لو كان الآن خياراً غير وارد- لرفع سعر الفائدة مرة ثانية في أواخر العام إذا جاءت البيانات فجأة في الاتجاه الصعودي. وهي أيضاً طريقة لمنع توقعات خفض أسعار الفائدة في السوق من الانتشار أكثر مما ينبغي".
أظهرت رهانات عقود المقايضة توقعات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي من شبه المؤكد أن يرفع سعر الفائدة المعياري بمقدار 25 نقطة أساس أخرى عندما يجتمع في وقت لاحق من هذا الشهر، مع احتمال يقارب الثلث بأن يقوم البنك المركزي بخطوة أخرى من هذا القبيل قبل إيقاف دورته التقشفية.
على صعيد آخر، شهد مؤشر عملات الأسواق الناشئة أفضل أسبوع له منذ يناير. وحقق النفط ثالث تقدم أسبوعي له، لكن أسعاره انخفضت يوم الجمعة حيث أقدم المستثمرون على جني الأرباح وشكّل المتوسط المتحرك للسلعة لمدة 200 يوم مرة أخرى عائقاً أمام مزيد من ارتفاع الأسعار.
