يأمل عشاق العملات المشفَّرة في أن يؤدي حدث يأتي مرة واحدة كل 4 سنوات، ويعيد كتابة الرمز الأساسي لأكبر عملة مشفَّرة في العالم، إلى تمديد مسيرة صعود السوق الحالية. لكن هذا الحدث يهدد في الوقت نفسه بوضع المسمار الأخير في نعش بعض معدني "بتكوين".
برغم أنَّ هذا الحدث يُطلق عليه اسم "التنصيف"، وهو اسم ينذر بالشؤم لبعض المعدّنين، فقد تبعته تاريخياً ارتفاعات كبيرة في سعر "بتكوين". وشهدت آخر ثلاث مرات منه في 2012 و2016 و2020 قفزة في الرمز المميز تقريباً بنسب 8450 و290 و560% في العام التالي، كما تظهر بيانات "بلومبرغ". بعدما دشّن مبرمج أو مجموعة من مبرمجي الكمبيوتر "بتكوين" في 2009 بواسطة تحت اسم مستعار "ساتوشي ناكاموتو" (Satoshi Nakamoto).
التنصيف يخفض أرباح المُعدَنين
التنصيف، مثلما يشير الاسم، يقلّص نصف كمية "بتكوين" التي يمكن لكل مُعدّن أن يكسبها مقابل التحقق من صحة المعاملات على سلسلة الكتل "بلوكتشين" (blockchain) للأصول الرقمية باستخدام أجهزة كمبيوتر متخصصة كثيفة استهلاك الطاقة. سيخفض التنصيف التالي، المقرر في أبريل 2024، أرباح المُعدّنين إلى 3.125 "بتكوين" لكل كتلة - أو 94438 دولاراً- من 6.25 حالياً أو 188876 دولاراً.
ينظر مؤيدو العملات المشفَّرة إلى تقليص المعروض على أنَّه يساعد في الحفاظ على قيمة "بتكوين" على المدى الطويل، أو على الأقل لحين الوصول إلى الحد الأقصى لعدد الرموز التي يمكن تعدينها -والبالغ 21 مليوناً- بحلول 2140. وحتى الآن، تمكّن مُعدّنو العملات المشفَّرة من تعويض الخسارة في الإيرادات عندما تُخفّض المكافآت، وذلك بفضل الارتفاع في سعر "بتكوين" بعد كل تنصيف، بالإضافة إلى التطورات التكنولوجية التي حسّنت كفاءة منصات التعدين الخاصة بهم.
لكنَّ اقتصاديات التعدين قبل التنصيف التالي تبدو مقلقة أكثر من سابقاتها.
يتوقَّع جاران ميلرود، محلل تعدين العملات المشفَّرة في "هاشريت إندكس" (Hashrate Index)، أنَّ "نحو نصف المُعدّنين سيعانون نظراً لقلة كفاءة عمليات التعدين لديهم وزيادة تكاليفها".
ويشير إلى سعر تعادل الكهرباء لآلة التعدين الأكثر شيوعاً، والذي من المتوقَّع أن ينخفض إلى ستة سنتات لكل كيلوواط/ساعة من 12 سنتاً بعد التنصيف. وقال ميليرو إنَّ نحو 40% من المُعدّنين ما زالوا يتحملون تكاليف تشغيل أعلى من ذلك لكل كيلوواط/ساعة. وأضاف أنَّ المُعدّنين الذين تزيد تكاليف تشغيلهم عن 8 سنتات لكل كيلوواط/ساعة سيجدون صعوبة في البقاء، وكذلك بالنسبة إلى المُعدّنين الأصغر الذين لا يديرون منصات تعدين خاصة بهم، ولكنَّهم يستعينون بأخرى خارجية.
أضاف ولفي تشاو، رئيس الأبحاث في "ذا ماينر ماغ" (TheMinerMag)، ذراع الأبحاث في شركة "بلوكس بريدج" (BlocksBridge) لاستشارات التعدين: "إذا احتسبت كل شيء؛ فإنَّ التكلفة الإجمالية لبعض المُعدّنين أعلى بكثير من سعر (بتكوين) الحالي. صافي الأرباح سيتحول إلى سلبي للعديد من المُعدّنين الذين تشوب عملياتهم قلة الكفاءة".
بتكوين ارتفعت 80% في 2023
ارتفع سعر "بتكوين" بأكثر من 80% هذا العام إلى نحو 30 ألف دولار، برغم أنَّ السعر ما يزال أقل من نصف الرقم القياسي البالغ 69 ألف دولار تقريباً الذي وصلت إليه العملة المشفَّرة في أواخر 2021. في الوقت نفسه، ارتفعت تكاليف المُعدّنين مع زيادة أسعار الكهرباء، وأصبحت أعباء الديون غير مستدامة للعديد منهم.
ترزح صناعة التعدين العالمية تحت عبء ديون من 4.5 إلى 6 مليارات دولار- انخفاضاً من 8 مليارات في 2022- بما في ذلك الديون الكبيرة، والقروض المضمونة بواسطة منصات التعدين، والقروض المدعومة من "بتكوين"، وفقاً لتقديرات إيثان فيرا، كبير مسؤولي العمليات في شركة "لوكسر تكنولوجيز" (Luxor Technologies) لخدمات تعدين العملات المشفَّرة.
كما بلغت القروض غير المسددة لـ12 شركة تعدين عامة كبرى مثل "ماراثون ديجيتال هولدنغز" (Marathon Digital Holdings) و"رايت بلاتفورمز" (Riot Platforms) نحو ملياري دولار في نهاية الربع الأول، انخفاضاً من 2.3 مليار في الربع السابق، بحسب بيانات "هاشريت إندكس".
ترجع موجة الاقتراض في جانب منها إلى هجرة المُعدّنين إلى أميركا الشمالية من الصين بعد حظر الدولة الشيوعية التعدين المحلي في أواخر 2021. وقال تشاو: "من الأمور التي افتقدها المُعدّنون هو عدم إمكانية الوصول إلى سوق رأس المال. كما أنَّ تمويل الديون متاح أكثر بكثير في الولايات المتحدة".
كما قلّصت المنافسة المتزايدة بين مُعدّني "بتكوين" هوامش الربح. أظهرت بيانات من "بي تي سي دوت كوم" (btc.com) أنَّ صعوبة التعدين، وهي مقياس لقوة الحوسبة لتعدين "بتكوين"، وصلت إلى مستوى قياسي في يونيو. قال كيفن تشانغ، نائب الرئيس الأول لاستراتيجية التعدين في شركة "فاوندري" (Foundry) لتعدين العملات المشفَّرة والمملوكة لشركة "ديجيتال كارانسي غروب" (Digital Currency Group) ذات الوزن الثقيل في الصناعة إنَّه يجب ارتفاع سعر "بتكوين" إلى 50-60 ألف دولار العام المقبل؛ لكي يحافظ المُعدّنون على هوامش الربح نفسها بعد التنصيف.
عودة الرياح المعاكسة
برغم أنَّ المُعدّنين تنفسوا الصعداء لفترة وجيزة في وقت سابق من هذا العام مع ارتفاع سعر "بتكوين" بعد شتاء تشفير طويل وانخفاض تكاليف الكهرباء؛ عاودت أسعار الكهرباء الارتفاع. كما تشهد تكساس، وهي مركز رئيسي للعملات الرقمية، بالفعل موجة حرارة مبكرة.
يتخذ مُعدّنو "بتكوين" إجراءات لحماية أنفسهم قبل التنصيف، مثل تأمين أسعار الطاقة، وتعزيز أموال التحوط من المصاعب، أو ما تعرف باسم "صناديق الحرب"، وتقليص الاستثمارات.
وقال تشانغ: "ومع اقتراب التنصيف؛ يستعد المُعدّنون بمحاولة أن يكونوا أكثر وعياً بتكاليف الطاقة الخاصة بهم، وتأمين الأسعار مقدماً من مزوّديها".
دخلت شركة "هات 8 ماينينغ" (Hut 8 Mining Corp) في تسهيل ائتماني حجمه 50 مليون دولار الشهر الماضي مع وحدة تابعة لـ"كوين بيس غلوبال" (Coinbase Global) للمساعدة في الحفاظ على رصيدها من "بتكوين" قبل التنصيف. ويقول تيفاني وانغ، المدير التنفيذي لشركة لوتا يوتا (Lotta Yotta) لتعدين "بتكوين" ومقرها تكساس، إنَّ الشركة تعمل على تعزيز التدفق النقدي لمدة ستة أشهر مع تقليص الاستثمارات استعداداً للتنصيف.
قال وانغ في رسالة نصية: "خلال النصف الأول من العام، تكون المخاطر عالية"، في إشارة إلى الاستثمار الإضافي في منشآت تعدين (بتكوين). من الأفضل الاحتفاظ ببعض الأموال في الحساب لمواصلة عمل الشركة".
ارتفاع تكلفة الإنتاج
من المتوقَّع في النهاية أن يُضاعف التنصيف تكلفة إنتاج "بتكوين" إلى نحو 40 ألف دولار، كما كتب المحللون الاستراتيجيون في "جيه بي مورغان تشيس آند كو" بقيادة نيكولاوس بانغيرتزوغلو في مذكرة في أول يونيو.
فتكلفة إنتاج وحدة "بتكوين" واحدة تراوحت بين نحو 7200 و18900 دولار في الربع الأول عبر مجموعة من 14 من شركات تعدين العملات المشفَّرة المُدرجة في البورصة، وفق بيانات "ذا ماينر ماغ".
قال تشاو إنَّ التكاليف المحسوبة لا تشمل النفقات الرئيسية الأخرى مثل مدفوعات فوائد الديون، أو تعويضات الإدارة أو التسويق.
واختتم وانغ: "يجب أن يكون الجميع مستعدين. لسوء الحظ؛ ستلفظ السوق الكثير من المُعدّنين في نهاية المطاف".
