تباين أداء العملة والأسهم في تركيا تبايناً هو الأكبر في ربع قرن، إذ يستجيب المستثمرون المحليون والأجانب بطريقة مختلفة إلى عودة الدولة للسياسات التقليدية.
هبطت الليرة إلى مستويات قياسية بعد أن جاءت زيادة الفائدة الأولى في عامين من قبل البنك المركزي دون التوقُّعات، وبعد أن أوقفت السلطات تدخلاتها دفاعاً عن العملة.
في الوقت نفسه، سجلت الأسهم ارتفاعات جديدة على خلفية استخدام المواطنين لها كمخزن للقيمة مع اقتراب معدل التضخم من 40%.
هذه التحركات المتباينة حولت العلاقة الطردية التاريخية بين فئتي الأصول إلى علاقة عكسية هي الكبرى منذ 1999.
الأسهم وسيلة للتحوط من التضخم
قال إيمري أكاكماك، المستشار الأول لدى "إيست كابيتال إنترناشونال"، ويقيم في دبي: "في ظل انخفاض أسعار الأسهم لأدنى مستوى على الإطلاق تقريباً؛ يجد المستثمرون المحليون سبباً وجيهاً للتحول إليها باعتبارها الوسيلة الأسرع للحماية من التضخم مستقبلاً… وبالنسبة للأجانب؛ تكمن الفكرة في أن تصبح العملة المحلية ضعيفة بما يكفي حتى يتمكنوا من الرهان على احتمال مراجعة الأرباح وأسعار الأصول بالزيادة".
نزيف الليرة المستمر يهدد ببقاء التضخم المرتفع في تركيا
تعيد تركيا التفكير في سياساتها الاقتصادية بعد أن أعادت انتخابات مايو الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الحكم، ويدعم هذا التحول الفريق الاقتصادي الجديد الذي يضم وزير الخزانة والمالية، محمد شيمشك، ومحافظة البنك المركزي، حفيظة غاية أركان، وإن كانا يؤيدان التحول التدريجي.
رفع صنّاع السياسة النقدية الشهر الماضي سعر الريبو بمقدار 650 نقطة أساس في انفصالٍ عن معتقدات أردوغان غير التقليدية المتمثلة في الحفاظ على انخفاض تكاليف الاقتراض في وجه التضخم المرتفع.
هبطت الليرة 23% أمام الدولار منذ الاقتراع في 28 مايو، فيما صعد مؤشر الأسهم 32% في الفترة نفسها، وهبط معامل الارتباط المتحرك لمدة 120 يوماً بين فئتي الأصول إلى سالب 0.3.
انحسار التدخل لدعم الليرة
لسنوات، تأثرت السياسة النقدية في تركيا بنظرية أردوغان المتمثلة في أنَّ أسعار الفائدة الأعلى ترفع التضخم، ونتيجة لذلك؛ تقلصت تكاليف الاقتراض لمستويات اعتبرتها الأسواق فضفاضة للغاية، مما أشعل موجات بيع متكررة لليرة، تدخلت البنوك الحكومية في أغلبها للدفاع عن العملة.
لكن انحسر هذا النهج بعد أن عيّن الرئيس التركي مصرفيين سابقين في "وول ستريت" لإدارة الشؤون المالية للدولة، مما عزز الآمال بعودتها لسياسات اقتصادية ونقدية تقليدية أكثر. أصبح الدعم الحكومي للعملة محدوداً وعلى فترات متباعدة.
بنوك تركيا الحكومية تستأنف دعم الليرة مع تعمق نزيف العملة
مع ذلك؛ قد يكون النموذج الجديد سلاحاً ذا حدين، فبينما قد يساعد رفع أسعار الفائدة في الدفاع عن الليرة؛ فإنَّ عدم تدفق الدولار بطريقة منتظمة يجعل العملة التركية أكثر عرضة لموجات البيع، وهو ما يهدد بدوره بإذكاء التضخم، وهذا هو سبب لجوء المستثمرين الأتراك إلى الأسهم مجدداً كأداة تحوط ضد التضخم، بعد لجوئهم لهذا الاتجاه في 2022.
قال بوراك إشيار، مدير الأبحاث في "آي سي بي سي تركي إنفستمنت" (ICBC Turkey Investment) في إسطنبول: "عدد الشركات التي تأثرت إيجابياً من ضعف قيمة العملة مثل قطاع التصدير والطيران، ومن ارتفاع التضخم مثل قطاع التجزئة، لها ثقل كبير في سوق الأسهم وهي تدفع المؤشر للصعود".