انفتحت شهية المستثمرين مجدداً على الاستثمار في وول ستريت، مثلما كان الوضع قبل حملة التشديد النقدي الأخيرة من بنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث تجاوزوا المخاوف التي أرقتهم على مدار الـ15 شهر الماضية.
ارتفع مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" للأسبوع الخامس على التوالي، وهو الآن أعلى مما كان عليه في 16 مارس 2022، حينما شرع "الفيدرالي" في أقوى حملة لرفع أسعار الفائدة منذ أربعة عقود.
والأسهم الأميركية ليست المستفيدة الوحيدة من هذا الصعود، حيث اقتربت مؤشرات رئيسية أخرى عديدة بداية من الدولار وحتى تقلبات السندات وسوق صناديق الأسهم من المستويات التي كانت عليها قبل رفع أسعار الفائدة بنحو 500 نقطة أساس.
محركات جديدة للسوق
في السابق كانت الأسواق مرتبطة بجهود الاحتياطي الفيدرالي للتحكم في النمو الاقتصادي والتضخم، لكنها تركز الآن على وضع الميزانيات العمومية للشركات وإمكانية حدوث زيادات في نفقات رأس المال، مع استعداد الشركات لطفرة في الأسهم بفضل هوس الذكاء الاصطناعي.
انخفضت مساهمة الاقتصاد الكلي في أسواق الأسهم إلى 71 من 83% منذ مارس، وهو أكبر انخفاض في ثلاثة أشهر منذ 2009، وفقاً لــ"سيتي غروب".
قال جوناثان ماكاي، رئيس توزيع المنصات في "شرودرز" (Schroders): "من المحتمل تراجع تأثير بنك الاحتياطي الفيدرالي خلال الأشهر الستة إلى الاثني عشر المقبلة مقارنة بما كان عليه مؤخراً.. فالدوافع العالمية والمحركات الأساسية الأخرى ستضطلع بدور أكبر، وسط احتمالات شروع الاحتياطي الفيدرالي في فترة توقف عن رفع أسعار الفائدة".
مع إشارة الاحتياطي الفيدرالي إلى اقتراب نهاية رفع أسعار الفائدة، يتوقع مستثمرو الخزانة هدوء التقلبات، بعدما عانوا بعضاً من أكبر تقلبات العائدات اليومية منذ سنوات. ومن المتوقع أن تستعيد الجغرافيا السياسية والقوة الاقتصادية للصين مكانتها البارزة في قطاع الاستثمار.
قالت فيونا سينكوتا، كبيرة محللي السوق في "سيتي إندكس" (City Index): "لقد علمنا سابقاً أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة لأن التضخم مرتفع للغاية.. الآن، سيعتمد الأمر أكثر على البيانات".
الأسواق تجتذب المستثمرين مجدداً
ارتفعت الأسواق بشكل ملحوظ في النصف الأول من 2023، مما أقنع المستثمرين بالتخلي عن تحفظهم والعودة بقوة إلى النشاط مجدداً، كما دفع ذلك بعض من أكثر المراهنين على هبوط الأسهم في وول ستريت إلى تغيير استراتيجيتهم. وتحول مقياس "دويتشه بنك" المجمع للأسهم إلى الارتفاع لأول مرة منذ أكثر من 16 شهراً، مما أعادها إلى مستويات ما قبل بداية دورة رفع الفائدة.
كما تراجعت التقلبات في السندات والأسهم: فمؤشر "إنتركونتيننتال بنك أوف أميركا ميرل لينش- موف" (ICE BofA MOVE) لتقلبات الأسعار المتوقعة لسندات الحكومة الأميركية بالقرب من المستوى المنخفض بشدة الذي كان عليه قبل حملة التشديد النقدي، في حين أن مؤشر بورصة شيكاغو للخيارات (سي بي أو إي) لتقلبات الأسهم يحوم حول مستويات 2020.
أيضاً تراجعت قوة الدولار المدعومة بمعدلات الفائدة المرتفعة، إذ يجري تداول مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري قرب مستويات أبريل 2022، بانخفاض 10% عن ارتفاعه القياسي.
وكان أداء "ستاندرد أند بورز 500" يوم اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأخير الأضعف في مثل هذا اليوم منذ عامين، إذ لم يرتفع على نحو يذكر. وكانت هذه أول مرة في 11 اجتماع توقف فيها اللجنة مؤقتاً رفع أسعار الفائدة، كما صعدت أيضاً توقعات تكاليف الاقتراض إلى 5.6% في 2023، ما يعني زيادة سعر الفائدة بمقدار ربع أو نصف نقطة قبل نهاية هذا العام.
انكماش يلوح في الأفق
أما الأسواق فتعلقت بكل كلمة قالها مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي العام الماضي.
فالسوق الصاعدة تواجه كذلك احتمالات حدوث ركود في الولايات المتحدة في غضون عام نسبتها 65%، وفقاً لخبراء اقتصاد. كما أثار انهيار أربعة بنوك إقليمية وانعكاس عائد منحنى سندات الخزانة الأميركية شبح الانكماش الاقتصادي.
ويتوقع بوب ميشيل، المحلل المخضرم في وول ستريت، حدوث ركود بحلول نهاية العام سيجبر الاحتياطي الفيدرالي على التحول إلى سياسة التيسير النقدي.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن الاقتصاد الأميركي تحمّل حملة رفع أسعار الفائدة في ظل مرونة أسواق العمل وقوة ميزانيات الشركات في الغالب. ومن بين أكبر المراهنين على هبوط السوق، رفع الخبراء الاستراتيجيون في "بنك أوف أميركا" توقعاتهم للأسهم الأميركية وأصبحوا أكثر تفاؤلاً إزاء الآفاق الاقتصادية، وتوقعوا حدوث "انكماش في وقت لاحق وأكثر اعتدالاً".
لكن بيتر شاتويل، رئيس التداول العالمي في استراتيجيات الاقتصاد الكلي بشركة "ميزوهو إنترناشونال" (Mizuho International )، غير مقتنع بأن الاقتصاد أو الأسواق يمكن أن تقاوم تأثير السياسة النقدية الأكثر تشدداً لفترة طويلة. وحذّر من الأمر بقوله: "مسيرة الارتفاع تناسب الدخول في سوق هابطة، وليس صاعدة. فارتفاع الأسعار يستند إلى أساس ضعيف، وعرضة لزيادة أسعار الفائدة على المدى المتوسط".
وسواء كانت السوق الصاعدة حقيقيةً أم لا، فهي تجذب المستثمرين. وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، بلغت التدفقات العالمية الوافدة على صناديق الأسهم الأميركية 38 مليار دولار، في أقوى دفعة للتدفقات على فئة الأصول منذ أكتوبر، وفقاً لبيانات "بنك أوف أميركا"، التي نقلها عن مؤسسة "إي بي إف آر غلوبال" (EPFR Global).
قال إيمانويل كاو، رئيس استراتيجية الأسهم الأوروبية في "باركليز": "يبدو أن المستثمرين اعترفوا بخطأ موقفهم أخيراً وبدأوا في مسايرة ركب ارتفاع الأسهم.. فطالما استمر التصدي للركود في الولايات المتحدة؛ نعتقد أن الأسهم ستتمكن من مواصلة الارتفاع".