يبدو أن المستثمرين مستعدون لضخ الأموال في سوق النحاس بطريقة لم يسبق لها مثيل خلال الأعوام القليلة المقبلة مع زيادة استخداماته في قطاعي السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، حسب مصرف "سيتي غروب".
هبطت الأسعار خلال الشهور الأخيرة جراء ضعف الطلب من القطاعات التقليدية مثل البناء والسلع الاستهلاكية، حيث يعتبر المعدن الصناعي الأساسي مؤشراً لقوة النشاط الاقتصادي العالمي بدرجة كبيرة، حتى إن المراهنين بثقة كبيرة على صعود النحاس على غرار مصرف "غولدمان ساكس غروب" كانوا يتعاملون بحذر شديد، معترفين بخطئهم في توقع زيادة كبيرة للأسعار العام الجاري.
لكن النحاس يبرُز سريعاً باعتباره السلعة المفضلة للمستثمرين الساعين للاستثمار في عملية تحول الطاقة، ومن المرجح أن يضخوا أموالاً سريعة بمجرد أن تبدأ توقعات النمو العالمي المتشائمة في التحسن، حسب ماكس لايتون، المدير العام لوحدة السلع الأساسية بـ"سيتي غروب" للسلع خلال مقابلة معه.
هوس الشراء
سيفتح ذلك الطريق لهوس الشراء في ظل سيل من طلبات شركات صناعة السيارات وشركات تشغيل شبكات الكهرباء. يتوقع المصرف أن زيادة مخصصات المستثمرين الذين يتتبعون المؤشرات وصناديق التحوط قد تسهم بتدعيم صافي الاستثمارات التي تتخذ مراكز شرائية بسوق النحاس إلى 4 ملايين طن تقريباً مع حلول 2025، ما يعبر بطريقة هائلة عن الثقة بوجود اتجاه هبوطي حالياً. سيكون ذلك مساوياً خُمس حجم المعروض العالمي تقريباً وضعف مستوى ذروة سابقة خلال 2021.
مع بدء زيادة الاستخدام، يمكن أن تزداد مراكز الاستثمار الشرائية جراء نشاط عمليات التحوط المتصاعدة من قبل شركات تصنيع السيارات بمليون طن أخرى، ما سيجلب كميات هائلة من الأموال لأسواق العقود المستقبلية تماماً كما بدأ ارتفاع حجم الطلب متجاوزاً المعروض بالقطاع الحقيقي. أوضح "سيتي" أن ذلك سيساعد على بلوغ النحاس مستوى قياسياً.
أكّد لايتون في اتصال عبر الهاتف من لندن: "إذا أردت ممارسة تجارة إزالة الكربون من السلع الأساسية، فإن السلعة الوحيدة سهلة التداول فعلاً هي النحاس، وهي الأكثر قابلية للتجارة بالنسبة لأي دولة" ويحظى النحاس بخصائص فريدة يمكن أن تجعل طفرة صعود النفط خلال 2008 تبدو كأنها مسألة هينة".
توصيات
يوصي المصرف المستثمرين والمستهلكين ببدء عمليات الشراء قريباً في حين تحافظ ظروف الاقتصاد الكلي المتدهورة على الأسعار عند 8300 دولار للطن تقريباً. بين "سيتي" أن النحاس قد ينخفض أكثر على المدى القصير، لكن ينبغي له أن يبدأ بالصعود في غضون فترة من 6 إلى 12 شهراً، متخطياً 15 ألف دولار تقريباً خلال 2025 في ظل السيناريو أكثر تفاؤلاً.
بلغ النحاس مستوى قياسياً عند 11 ألف دولار تقريباً مع أوائل 2022، إذ قلص صعود الطلب خلال وباء كورونا من مخزونات القطاع للغاية وأججت الحرب في أوكرانيا المخاوف إزاء الإمدادات الروسية. في أثناء فترة الصعود، توقع "غولدمان ساكس غروب" وشركتا "بلاك روك"و"ترافيغورا غروب" ارتفاع الأسعار بدرجة هائلة بسبب ثورة الطاقة الخضراء، لكن حتى الآن جرى موازنة ذلك بدرجة أكبر عن طريق ضعف التعافي في الصين بعد انتهاء الإغلاق الاقتصادي، والركود بالقطاع الصناعي في أوروبا وزيادة أسعار الفائدة.
تضررت الثقة حتى إن المستثمرين في المحصلة النهائية غيروا رهانهم إلى توقع هبوط النحاس للمرة الأولى منذ 3 أعوام في بورصة لندن للمعادن. رغم ذلك أثبت المعدن المهمّ قدرته على الصمود بصورة أفضل كثيراً من بعض السلع الأخرى ذات الاستخدامات الصناعية على غرار الزنك أو النفط خلال السنة الحالية، وأكد لايتون أن المستثمرين كانوا سيراهنون على هبوطه أكثر كثيراً لولا التوقعات المتفائلة للطلب على المدى البعيد.
تجني شركات تعدين النحاس فعلاً هوامش أرباح قوية من الأسعار الفورية حالياً، لكن صدرت تحذيرات واسعة من أن القطاع لن يلبي بدرجة كبيرة الإمدادات الإضافية الضرورية في ظل تسارع عملية تحول الطاقة. مع بدء زيادة الأسعار، يتوقع "سيتي" أن يجري البحث بقوة عن بدائل بعيدة عن النحاس للقطاعات التقليدية -على غرار السلع الاستهلاكية ومكيفات الهواء– واستعمال أكثر جدوى اقتصادية للنحاس في المركبات الكهربائية وتوليد الكهرباء. لكن المصرف لا يزال يتوقع فجوة لم يسبق لها مثيل بين حجم الطلب والمعروض من المناجم خلال فترة من 5 إلى 10 أعوام مقبلة.
بطاريات السيارات
اضطُرّت شركات تصنيع السيارات مع صعود أسعار معادن البطاريات إلى الابتعاد جزئيّاً عن المعادن النادرة والمتقلبة مثل الكوبالت لصالح الحديد والموادّ الأخرى الأشدّ وفرة على مدى الأعوام القليلة الماضية. لكن النحاس -لا يُستخدم بالبطارية نفسها ولكنه ينقل الطاقة من الخلايا لمحرك السيارة الكهربائية– غير معرَّض لتلك الأنواع من التحولات في التركيبة الكيماوية للبطاريات. أوضح لايتون أن قابلية التداول الأكبر للنحاس ستجذب أيضاً استثمارات أكبر كثيراً مقارنة بمعادن البطاريات الأخرى على غرار الليثيوم والنيكل.
أشار "سيتي غروب" في تقرير يوم الاثنين إلى أن الخطر الأساسي في الأجل البعيد على النحاس هو أن المواد فائقة التوصيل الجديدة الأكثر كفاءة من حيث التكلفة تشكّل تحدياً لمكانته المتفوقة كموصل كهربائي.
في نفس الوقت، يعتقد "سيتي" أن طلب شركات تصنيع السيارات والمستهلكين الآخرين سيتجاوز بطريقة متزايدة ما توفره السوق، في حين أن عمليات الإنتاج المتسارعة للمركبات الكهربائية ومصادر الطاقة المتجددة ستجذب سيلاً من تدفقات المستثمرين المالية.
اختتم لايتون: "أنت لا تعلم حقّاً إلى أي مدىً يمكن أن تصل زيادة الأسعار وسط تلك البيئة، والسوق بأكملها ستقاوم ذلك، لكن بصفة عامة، مع الأخذ بعين الاعتبار السياق التاريخي، قد تصل إلى نطاق 12-15 ألف دولار".
هبطت أسعار النحاس 0.2% مسجلة 8280.50 دولار للطن في بورصة لندن للمعادن عند الساعة 9:55 صباحاً بتوقيت شنغهاي يوم الخميس. تتمتع الأسعار بالاستقرار تقريباً السنة الحالية، فيما تراجع الألمنيوم 6.8%، وتقهقر الزنك 20%، وخسر النيكل 30% تقريباً.