ساعات معدودة قضتها "إنفيديا كورب" في نادي الشركات التريليونية قبل أن تغادره، بعدما بلغت مكاسب سهم الشركة نحو 180% منذ بداية العام، وأكثر من 35% خلال الشهر الأخير، وهنا ظهرت المخاوف من تكرار فقاعة الإنترنت التي شاهدناها قبل نهاية القرن الماضي.
تجاوزت القيمة السوقية لشركة صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي تريليون دولار في الأسبوع الأخير من مايو قبل أن تتقلص إلى نحو 982 مليار دولار (وفق آخر سعر يوم الخميس).
نتعرف في السطور التالية رحلة "إنفيديا" وكيف استفادت من هوس الذكاء الاصطناعي، وهل وصل سعر سهمها إلى مرحلة الفقاعة.
ما مسار فقاعة الأسهم تاريخياً؟
حذّر المحللون الاستراتيجيون في "بنك أوف أميركا" من أن الذكاء الاصطناعي يُعَدّ حالياً "فقاعة صغيرة"، مع الإشارة إلى أن الفقاعات السابقة بدأت مع التيسير النقدي، وانتهت مع رفع الفائدة، فتاريخياً دفع الصعود المستمر في أسعار أسهم شركات الإنترنت عام 1999 جنباً إلى جنب مع البيانات الاقتصادية القوية، بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى بدء التشديد النقدي، لتنفجر فقاعة شركات التكنولوجيا بعد 9 أشهر.
"نشعر أن سهم إنفيديا في منطقة الفقاعة، بغض النظر عن النمو المحتمل في المستقبل. بعبارة أخرى، نعتقد أن القطار غادر المحطة، ولا فائدة من ملاحقته في هذه المرحلة"، هكذا كتب المحلل المستقل ويليام كيتنغ في مذكرة نقلتها "بلومبرغ".
متى بدأت "إنفيديا" الرحلة كشركة عامة؟
قبل 24 عاماً، تحديداً يوم 22 يناير عام 1999، تحولت "إنفيديا" لشركة عامة بسعر اكتتاب بلغ 12 دولاراً للسهم، وحتى وقت قريب كانت تتحرك في نطاق محدود كغيرها من الأسهم صعوداً تارة وهبوطاً تارة أخرى.
وفي جلسات محدودة، صعدت القيمة السوقية لصانعة الرقائق الإلكترونية "بنحو 250 مليار دولار، ما دفعها إلى الالتحاق رسمياً بنادي التريليون دولار، قبل أن تخرج من هذه القائمة في الجلسة ذاتها، ومع ذلك تحتفظ (إنفيديا) بمكانتها كسادس أكبر شركة من حيث القيمة السوقية.
رغم أن قائمة نادي التريليون كانت تضمّ أسماء مألوفة مثل "أبل" و"أمازون"، لكن "إنفيديا" التي تأسست عام 1993 في ولاية كاليفورنيا لم تكتسب اهتماماً واسع النطاق إلا مؤخراً وسط طفرة الذكاء الاصطناعي.
جاءت الطفرة بعد إعلان الشركة الأميركية نتائج أعمال فصلية قوية، وأعقب ذلك الكشف عن آفاق مستقبلية إيجابية تفوق التقديرات، مدفوعة بتوقعات الطلب القوي على الرقائق المستخدمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي مع إعلان أنها تبني أقوى حاسوب عملاق يعمل بالذكاء الاصطناعي لتلبية طلب العملاء المتزايد على تطبيقات هذه التقنية.
كيف استفادت "إنفيديا" من هوس الذكاء الاصطناعي؟
تكمن الاستفادة في كون "إنفيديا" تصنع الرقائق اللازمة لمهامّ الحوسبة المعقدة للذكاء الاصطناعي واللازمة لتشغيل تطبيقات ربوتات الدردشة مثل "تشات جي بي تي"، وكلما زاد استخدام مثل هذه التطبيقات زاد الطلب على الرقائق المستخدمة في حوسبة الذكاء الاصطناعي.
الاهتمام المتزايد بالذكاء الاصطناعي، دفع "إنفيديا" إلى تحديث رؤيتها بشأن الربع الثاني من العام الجاري، إذ تتوقع تحقيق مبيعات بقيمة 11 مليار دولار مقابل تقديرات تبلغ 7.2 مليار دولار، في ما وصفه المحللون بـ"توقعات مذهلة".
لم تكن توقعات الأداء الإيجابي وحدها سرّ قفزة السهم، إذ كشفت"إنفيديا" كذلك عن عديد من المنتجات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، منها تصميم جديد للروبوتات وإطلاق منصة حاسب آلي عملاقة تعمل بالذكاء الاصطناعي يطلق عليها "دي إس جي إتش 200" من شأنها مساعدة شركات التكنولوجيا على إنشاء نماذج مماثلة لتطبيق "تشات جي بي تي".
هل النموّ مؤقت أم مستدام؟
منذ بداية العام الجاري تضاعفت القيمة السوقية للشركة التي تصمّم الرقائق المستخدمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لكن يلوح في الأفق تساؤل عما إذ كان هذا النمو مستداماً.
الواقع يؤكد أن هذه ليست المرة الأولى التي تقفز فيها القيمة السوقية لـ"إنفيديا" بهذا الشكل المفاجئ، إذ ارتفع السهم بأكثر من 100% خلال عام 2021 بدعم من ارتفاع الطلب على وحدات معالجة خاصة، وهي رقائق مرتبطة بعمليات التشفير، تزامناً مع زخم العملات المشفرة لكن مع فقدان التشفير بريقه تراجع السهم بنحو 50% في العام التالي.
للمقارنة، فإن القيمة السوقية لشركة "إنتل"، التي كانت لفترة طويلة أكبر شركة لتصنيع الرقائق حول العالم تبلغ 114 مليار دولار، ما يعني أن "إنفيديا" البالغة قيمتها 939 مليار دولار، أكبر 8 مرات.
كيف انعكس أداء "إنفيديا" على مؤسسها؟
تعتمد ثروة مؤسس الشركة الأميركية ورئيسها التنفيذي "جنسن هوانغ" على أسهم "إنفيديا"، إذ قفزت ثروته بنحو 20.2 مليار دولار في أول 5 أشهر من 2023، ليكون "هوانغ" بين أكثر 10 رابحين منذ بداية العام.
تبلغ ثروة هوانغ الآن 34 مليار دولار، ليحلّ بالمرتبة الثامنة والثلاثين في قائمة مليارديرات العالم مستفيداً من طفرة الذكاء الاصطناعي، مقابل 13.8 مليار دولار بنهاية العام الماضي، حسب مؤشر بلومبرغ للمليارديرات.
هل وصل السهم إلى القمة؟
بينما يعتقد البعض أن سهم "إنفيديا" في منطقة الفقاعة، بسبب سعره الباهظ، تتزايد التوقعات بالاستمرار في الازدهار مع زخم الذكاء الاصطناعي في المرحلة الراهنة.
رفع "ستايسي راسغون" من برنشتاين "Bernstein" في مذكرة للعملاء السعر المستهدف لسهم "إنفيديا" إلى 475 دولاراً بدلاً من 300 دولار سابقاً، بدعم من المنتجات والمبيعات الفعلية.
أما المحلّل في بنك باركليز "بلين كيرتس" فزاد السعر المستهدف إلى 500 دولار مرتفعاً من 275 دولاراً، وأوصى المستثمرين بالاستمرار في ركوب موجة "إنفيديا"، واتفق معه في التوقعات المحلّل هارلان سور من "جيه بي مورغان"، مشيراً إلى تمتع السهم بإمكانية صعود كبيرة.
في مداخلة على تلفزيون بلومبرغ، قالت كاثي وود، الرئيسة التنفيذية ومؤسسة شركة "إيه آر كيه إنفستمنت مانجمنت": "مقابل كل دولار من ثمن الأجهزة التي تبيعها (إنفيديا)، ستحقق شركات إنتاج البرمجيات وخدماتها إيرادات بـ8 دولارات"، ما يعني أن شركات التطبيقات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي الآن تجني أرباح ما فعلته "إنفيديا".