يسود شبه إجماع بين عددٍ من المستثمرين الأشهر عالمياً وأكبر بنوك "وول ستريت" على أنَّ سوق الأسهم اليابانية هي الوجهة الحافلة بالزخم في الوقت الذي تجابه فيه نظيراتها الأكبر حجماً في الولايات المتحدة والصين ظروفاً اقتصادية معاكسة بشكل متزايد.
تُعد "مان جي إل جي" (Man GLG) و" جيه بي مورغان أسيت مانجمنت" (JPMorgan Asset Management) و"مورغان ستانلي" (Morgan Stanley) من بين هذه المؤسسات التي ترى مزيداً من الصعود للأسهم اليابانية بعد أن وصل مؤشر "توبكس" الياباني الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوى له منذ عام 1990.
تخترق الأسهم المستويات التي يطلق عليها "غطاء التابوت الحديدي"، حيث تتضافر عدة عوامل، تتمثل في عودة التضخم، وتحسين عوائد المساهمين ودعم وارن بافيت، التي تعزز جاذبية ثالث أكبر سوق للأسهم في العالم.
قال جاك أبلين، كبير مسؤولي الاستثمار في "كريسيت كابيتال مانجمنت" (Cresset Capital Management)، شركة استشارات الاستثمار ومقرها في شيكاغو وتدير حوالي 60 مليار دولار: "اليابان هي سوق الأسهم العالمية المفضلة لدي في هذه المرحلة، فهي تمتلك كل المقومات المطلوبة". أضاف: "نحن نوصي بزيادة وزن الأسهم اليابانية 50% في استراتيجيتنا للأسواق المتقدمة".
تبرز المكانة المتميزة للسوق اليابانية وسط التوتر في الولايات المتحدة بشأن مسألة سقف الدين والركود المحتمل، وفي ظل التعافي الاقتصادي غير المتكافئ بالصين وسوقها الباهتة التي تتسبب بإحباط المستثمرين العالميين بشكل متزايد. فقد عززت الصناديق الخارجية حيازاتها من الأسهم اليابانية هذا الشهر بعد أن اقتنصت 2.2 تريليون ين (15.9 مليار دولار) في أبريل، وهو أكبر رقم منذ أكتوبر 2017.
التفوق على الأسهم الأميركية والصينية
أغلق مؤشر "توبكس" عند 2161.69 يوم الجمعة، ليرفع مكاسبه في مايو إلى 3.8% بالدولار. وصعد مؤشر "نيكاي 225" بأكثر من 5%، وأنهى تداولات الجمعة عند أعلى مستوياته منذ ما يقرب من 33 عاماً. يأتي ذلك في الوقت الذي هوى به مؤشر "سي إس آي 300" الصيني بنحو 3.5%، واستمر في التراجع بعد أن انحسر الارتفاع الأولي لإعادة فتح النشاط، فيما صعد مؤشر "إس آند بي 500" بأقل من 1%.
يرى جيفري أثيرتون، رئيس قسم الأسهم اليابانية في "مان جي إل جي"، إمكانات إضافية للسوق بنسبة تتراوح بين 10% و15% في ظل الأرباح المرنة والتقييمات المتواضعة، والإصلاحات التي تشهدها الشركات. تعد "مان جي إل جي" أحد الأقسام الاستثمارية في "مان غروب" (.Man Group Plc)، وهو أكبر صندوق تحوط متداول في البورصة على مستوى العالم.
توقَّع أثيرتون أن تظل أسعار الفائدة اليابانية منخفضة للغاية قياساً بالمعايير العالمية، موضحاً ذلك بقوله: "لذا؛ يجب أن تكون السياسة النقدية داعمة للأصول ذات المخاطر، على عكس المناطق الأخرى".
وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ"؛ فقد ارتفعت قيمة سوق الأسهم اليابانية بنحو 518 مليار دولار منذ أدنى مستوى لها في 5 يناير الماضي. وجذبت صناديق الأسهم 800 مليون دولار خلال الأسبوع المنتهي في 10 مايو الجاري، وهو أكبر رقم في 7 أسابيع، في الوقت الذي شهدت فيه الصناديق بالولايات المتحدة وأوروبا تدفقات خارجة، وفقاً لبيانات "إي بي إف آر" (EPFR).
التيسير النقدي
يأتي كل هذا في الوقت الذي تؤدي فيه سنوات من سياسة التيسير النقدي إلى تضخم أعلى. فقد ارتفعت أسعار المستهلك، باستثناء المواد الغذائية الطازجة بنسبة 3.4% عن العام الماضي في أبريل، مما يعكس انتهاء الانكماش في اليابان تماماً دون تأجيج المزيد من ارتفاعات الأسعار بشكل مفرط الذي يستدعي رفع أسعار الفائدة كما هي الحال في الولايات المتحدة. من ناحية أخرى؛ تواجه الصين مخاطر انكماش.
بعد أن حظيت الشركات اليابانية لفترة طويلة بمقادير هائلة من النقد، فإنَّها ترى أيضاً الحاجة إلى تحسين عوائد المساهمين والإفصاح عن حيازات الأسهم المشتركة تلبية للطلب المتزايد على حوكمة أفضل للشركات.
سجلت عمليات إعادة شراء الأسهم رقماً قياسياً في السنة المالية 2022، إذ يتوقَّع المستثمرون المزيد من عمليات الشراء بعد دعوة بورصة طوكيو للأوراق المالية في يناير الماضي إلى تعزيز تقييمات الشركات المتداولة بمعدل قيمة دفترية أقل من واحد.
قال أليكس ستانيتش، رئيس الأسهم العالمية في "أرتيميس إنفستمنت مانجمنت" (Artemis Investment Management): "بدأنا نرى تقدير مصالح جميع المساهمين. الكثير من الشركات اليابانية تُتداول منذ فترة طويلة بخصم نسبة إلى قيمتها الدفترية. وهذا يوفر صفقات رابحة للمستثمرين".
ساهم وارن بافيت في تعزيز التفاؤل الأخير تجاه اليابان من خلال تجديد تأييده لهذه السوق خلال رحلة في وقت سابق من العام الجاري. يعد "سوسيته جنرال" (Societe Generale SA) و"بيكتيت ويلث مانجمنت" (Pictet Wealth Management) من بين المؤسسات التي توصي بتصنيف "وزن مُثقل" للأسهم اليابانية، في الوقت الذي تخفض فيه وزن الأسهم الأميركية.
تراجعات على المدى القريب
برغم التفاؤل السائد؛ ما تزال السوق تعاني من التراجعات على المدى القريب، حيث تظهر المؤشرات الفنية أنَّها دخلت منطقة ذروة الشراء. فالأجور الحقيقية تنخفض برغم ارتفاع التضخم، وقد يؤثر التباطؤ في الاقتصاد العالمي على المصدّرين المحليين الذين يعتمدون على الأسواق الأميركية والصينية.
يتوقَّع المحللون أن ينمو الاقتصاد الياباني بنحو 1% العام الجاري، متجاوزاً متوسط 10 سنوات. كما يُتوقَّع أن يتوسع الاقتصاد في كلٍ من الولايات المتحدة والصين، عند 1.1% و5.7% على التوالي، إلى ما دون اتجاههما تاريخياً.
كتب استراتيجيو الأسهم في "جيه بي مورغان" بمن فيهم ري نيشيهارا، في مذكرة يوم الجمعة أنَّ خروج الاقتصاد الياباني من الانكماش والانتقال إلى اقتصاد تضخمي معتدل هو أحد التغييرات الهيكلية الفريدة في اليابان، مرجّحين أن يكون الارتفاع مستداماً، بالنظر إلى أن هذه العوامل ليست مؤقتة.
بالنسبة إلى العديد من المستثمرين؛ يعتبر تقييم أسهم اليابان متدنياً للغاية على نحو لافت للنظر. فهناك ما يقرب من نصف الأسهم المُدرجة ضمن مؤشر "تي إس إي برايم ماركت" يُتداول دون قيمته الدفترية، وذلك مقارنة بـ5% فقط من الأسهم المُدرجة ضمن مؤشر "إس آند بي 500"، وفق البيانات التي جمعتها "بلومبرغ". حتى بعد الارتفاع، فقد بلغت نسبة السعر إلى القيمة الدفترية في مؤشر "توبكس" حوالي 1.3 مرة، بما يتماشى مع متوسط 10 سنوات.
قالت إيفجينيا مولوتوفا، كبيرة مديري الاستثمار في "بيكتيت أسيت مانجمنت" (Pictet Asset Management) في لندن: "برغم الأداء القوي حتى الآن؛ فإنَّ غالبية القطاعات ما تزال تتمتع بخصم كبير على مؤشر (إس آند بي)، مما يجعل التقييمات جذابة. نرى أنَّ أسهم اليابان ستواصل الأداء القوي على المدى المتوسط".