إذا اشتريت بسعر منخفض ثم بعت بسعر مرتفع، فمن المحتمل أن تكون أكثر ثراءً وسيكون الجميع سعداء. لكن إذا تداولت في أسهم مقتَرضَة -ما يُعرف بعمليات البيع على المكشوف- فقد تكون ثرياً، لكن الاحتمالات هي أن قلة قليلة من الناس ستكون مستاءة.
يقول منتقدون إن البائعين على المكشوف يشوهون السوق، وإن ممارساتهم يمكن أن تصل إلى حد التلاعب. أما البائعون على المكشوف فيقولون إنهم يحافظون على نزاهة الأسواق والشركات. سكبت سلسلة تقارير سلبية أعدّتها شركة "هيندنبرغ ريسيرش" (Hindenburg Research) الزيت على النار، إذ استهدفت شركة "إيكان إنتربرايزس" (Icahn Enterprises) التابعة لكارل إيكان وشركات تابعة للملياردير الهندي غواتام أداني، فضلاً عن المشارك في تأسيس "تويتر" جاك دورسي.
1) ما هي آلية عمل البيع على المكشوف؟
يقترض البائعون على المكشوف الأسهم ويبيعونها ويعيدون شراءها بسعر أقل ويحقّقون أرباحاً من الفارق، ما لم يرتفع السهم. وحينها يمكن أن يخسروا.
2) مَن هم البائعون على المكشوف؟
تضطلع صناديق التحوط والمستثمرون المؤسسيون بمعظم عمليات البيع على المكشوف لحماية استثماراتهم من انخفاض أسعار الأسهم أو للمراهنة على أن الأسهم سترتفع بشدة.
على الجانب الآخر تُجري شركات تنشط في هذا المجال مثل "هيندبرغ " أبحاثاً ماليةً عن الشركات للعثور على الأهداف التي تزعم أن لديها أعمالاً مخالفة أو ممارسات محاسبيةً يشوبها التلاعب، وتنشر ما توصلت إليه من مخالفات (وأحياناً دون الكشف عن هُويّتها)، وإذا سارت الأمور مثلما خططت له، تنخفض أسهم تلك الشركات.
ورغم أن شركات الأبحاث المالية تمارس منذ عقود عملها المتمثل في كشف أخطاء الشركات ونشرها، فإن أعدادها زادت بشدة مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة لنشر النظريات والتحليلات.
3)هل يوجد مثال للبيع على المكشوف؟
في 23 مارس الماضي استهدفت "هيندبرغ ريسيرش" شركة المدفوعات الرقمية "بلوك" (Block) التي شارك "دورسي" في تأسيسها، والتي كانت تُسمَّى "سكوير" (Square).
قالت "هيندبرغ" إنها تراهن على انخفاض سهم الشركة، ونشرت تقريراً يقول إن تطبيق "كاش آب" (Cash App) التابع لـــ"بلوك" قد يساعد المحتالين على الاستفادة من برامج التحفيز الحكومية الأميركية خلال ذروة جائحة كوفيد-19. كما زعمت أن "بلوك" بالغت في تقدير مستخدمي "كاش آب" وانتقدت شراءها شركة "أفتر باي" (Afterpay) الأسترالية للتكنولوجيا المالية نظير 29 مليار دولار. أدّى التقرير إلى تعثُّر أسهم "بلوك"، التي لم تردّ على طلبات للتعليق بعد أن نشرت "هيندنبرغ" تقريرها.
4) هل البيع على المكشوف غير قانوني؟
الأمر قانوني في معظم أسواق الأسهم الرئيسية، لكن المحظور جزئياً أو كلياً في عديد من الأسواق يسمى "البيع على المكشوف الصريح"، أو "المراهنة على انخفاض السهم دون اقتراضه أولاً".
مع ذلك يفرض عديد من الأسواق قيوداً مؤقتةً خلال فترات اضطرابات السوق، ويرجع ذلك في جانب منه إلى أن المنتقدين يقولون إن البائعين على المكشوف يمكن أن يحولوا فترات الانكماش إلى حالة من الذعر الكامل.
اتخذت الولايات المتحدة إجراءات صارمة لمواجهة البيع على المكشوف خلال فترة الكساد الكبير وانضمّت إلى المملكة المتحدة وألمانيا واليابان في الحدّ منه أو حظره خلال الأزمة المالية التي اندلعت في 2008.
وألقت الجهات التنظيمية الصينية بجانب من اللوم في انهيار سوق الأوراق المالية عام 2015 على البيع على المكشوف "الخبيث"، ووضعت قيوداً على هذه العمليات وألقت القبض على ممارسيها.
وخلال التقلبات التي صاحبت ظهور الجائحة في 2020، فرضت فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا واليونان والنمسا وكوريا الجنوبية حظراً لعدة أشهر على هذه الممارسة، فيما أمرت هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية المتداولين بالإفصاح عن مزيد من المعلومات عن عمليات البيع على المكشوف.
5) لماذا تثير شركات الأبحاث المالية جدلاً كبيراً؟
يشير معارضو تلك الشركات إلى قدرة شركات البيع على المكشوف الناشطة في الأبحاث المالية على خداع المستثمرين من خلال نشر شائعات كاذبة قبل الخروج من التداول على سهم معيَّن، وهي تقنية تُعرف باسم "بِعْ على المكشوف وشوِّه".
غير أن المدافعين يقولون إن احتمال إساءة الاستخدام ينبغي ألا يشوّه سمعة جميع الشركات في هذا المجال حتى إذا ألحقت ممارسات "الضخ والإغراق" العار بكل المستثمرين الذين يثيرون الاهتمام بأسهم معينة لدفعها إلى الارتفاع قبل أن يسارعوا ببيعها.
تقول شركات البيع على المكشوف إنها لا تعلم يقيناً من ينبه المستثمرين إلى موجات ارتفاع السوق، لكنها حددت أموراً يغفل عنها المحللون والمدققون الماليون والمستثمرون، منها سوء التسعير أو الخداع. ولا يحبّذ عديد من السلطات البيع على المكشوف، الذي وصفه رئيس سابق لبورصة نيويورك بأنه "مثير للاشمئزاز وغير أميركي".
6) من هي "هيندبرغ ريسيرش"؟
"هيندنبرغ"، التي أسسها البائع على المكشوف ناثان أندرسون، تصف نفسها بأنها مجموعة أبحاث تعمل برأسمالها الخاص، لكنها تتبع الإجراءات المطلوبة لشركات الأبحاث المالية التي تعمل في مجال البيع على المكشوف، فبعد البحث عن هدف محتمل، تراهن "هيندنبرغ" على أن السهم سينخفض قبل أن تكشف نتائج أبحاثها باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال الرسالة.
جذبت شركة "أندرسون" اهتمام "وول ستريت" لأول مرة في 2020 و2021 لإثارتها تساؤلات جادة حيال شركتي "نيكولا كورب" (Nikola Corp) و"لوردستاون موتورز" ( Lordstown Motors) للسيارات الكهربائية.
وذاع صيتها أكثر في فبراير عندما أصدرت تقريراً من 100 صفحة يتهم "أداني غروب" الهندية باستخدام شبكة من الشركات في دول تمثل ملاذات ضريبية لتضخيم الإيرادات وأسعار الأسهم، حتى مع تراكم الديون.
وقالت "أداني" إن المزاعم لا أساس لها ووصفتها بأنها "هجوم محسوب على الهند". ثم اتهمت الشركة في مايو الجاري المستثمر كارل إيكان بامتلاكه "محفظة غامضة من الاستثمارات الخاصة"، وبتضخيم تقييم أسهم شركته الاستثمارية المتداولة في البورصة، وذلك ضمن مزاعم أخرى.
هوى ذلك بأسهم شركة "إيكان إنتربرايزس" (Icahn Enterprises) بأكبر نسبة على الإطلاق ومحا 10 مليارات دولار من ثروة "إيكان"، الذي وصف "هيندنبرغ" بأنها "بليتزكريغ ريسيرش" (Blitzkrieg Research)، أي شركة الأبحاث "التدميرية"، نسبة إلى أسلوب الحرب التدميرية الخاطفة الذي كانت تتبعه ألمانيا. وقال "إيكان (87 عاماً) إن هذا الأسلوب "يدمّر الممتلكات عن قصد ويُلحِق الأذى بالمدنيين الأبرياء".
7) هل البيع على المكشوف أمر جديد؟
لا، إطلاقاً، فقد كان التجار الهولنديون يمارسون البيع على المكشوف منذ فترة طويلة تعود إلى القرن السابع عشر، خلال فترات منها فقاعة التوليب، عندما زاد الطلب بشدة على هذه الزهرة ليرتفع سعرها بشدة قبل أن ينهار فجأة.
وصف نابليون بونابرت بائعي الأوراق المالية الحكومية على المكشوف بأنهم "خائنون". ويمثل بيع الأسهم على المكشوف -على عكس زهور التيوليب- تحدياً كبيراً لأن أسواق الأسهم لديها سجل حافل من الصعود لا الهبوط، فعلى سبيل المثال حقّق جيسي ليفرمور ثروة من بيع أسهم شركة تشغيل السكك الحديدية "يونيون باسيفيك" (Union Pacific) على المكشوف قبل قليل من زلزال سان فرانسيسكو عام 1906.
وكان انهيار شركة إنرون (Enron) في 2001 غنيمة كبرى للبائعين على المكشوف، ومن بينهم جيم تشانوس، الذي كان من بين أول من شكّك في حساباتها. لفتت شركة "مادي ووترز" (Muddy Waters) التابعة لكارسون بلوك (لا علاقة له بشركة بلوك) الانتباه للفئة الجديدة من شركات البيع على المكشوف التي تعمل في الأبحاث المالية من خلال استهداف الشركات الصينية المدرجة في أميركا الشمالية والتي لا يعيرها أحد اهتماماً. ويمكن أن تكون هذه الممارسة محفوفة بالمخاطر، إذ قال بلوك إنه توقف عن بيع أسهم الشركات الصينية على المكشوف لبعض الوقت لأن "رجال عصابات" جاؤوا يبحثون عنه.