أصبح بنك "باك ويست بانكورب" (PacWest Bancorp) أحدث نقطة جذب لمخاوف المستثمرين إزاء أداء البنوك الإقليمية الأميركية، إذ خسر أكثر من نصف قيمته بالتعاملات المبكرة بعد يوم من إعلان رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن السلطات النقدية كانت على وشك احتواء الاضطراب الذي أودى بأربعة مصارف منذ بداية 2023.
جاءت الضغوط البيعية بعد أن أوردت "بلومبرغ نيوز" أن "باك ويست" يدرس خيارات استراتيجية بما في ذلك البيع. ولم ينجح تأكيد البنك على تواصل العديد من المستثمرين المحتملين معه في تهدئة المخاوف، لتنخفض أسهمه بنسبة تصل إلى 48% في التعاملات المبكرة اليوم الخميس، وأطلق هبوط السهم موجات بيعية على أوراق البنوك، كما هبط صندوق متداول في البورصة يتتبع البنوك الإقليمية لأدنى مستوى منذ 2020.
تُظهر التحركات أن قلق السوق بشأن القطاع المصرفي لا يزال مرتفعاً، رغم تأكيدات باول بأن سيطرة الحكومة على مصرف "فيرست ريبابليك بنك" وبيعه إلى "جيه بي مورغان تشيس" بمثابة "خطوة مهمة نحو انتهاء تلك الفترة من الإجهاد الشديد" بالنسبة للبنوك الإقليمية. وتجدر الإشارة إلى أن صفقة "فيرست ريبابليك بنك" بددت بشكل فعال أموال المساهمين وحملة السندات، مع حماية أموال المودعين.
ظلت البنوك الأميركية الكبرى في منأى حتى الآن عن الاضطرابات، وقال "الاحتياطي الفيدرالي" إن النظام المالي سليم. مع ذلك، قد يؤدي هبوط أسهم "باك ويست" إلى زيادة الضغط على مسؤولي السياسة النقدية لدعم البنوك الأصغر حجماً، التي تكافح لمواجهة حملة التشديد النقدي الأكثر جرأة منذ الثمانينيات.
قلق متزايد
ويحذر مسؤولون لدى شركات مالية عملاقة، بينهم الملياردير بيل أكمان الذي يدير صناديق تحوط، ورئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي السابق في دالاس روبرت كابلان، من أن القطاع المصرفي بصدد مواجهة المزيد من الضغوط في المستقبل.
قال أكمان الرئيس التنفيذي لشركة "بيرشينغ سكوير" (Pershing Square) في تغريدة على موقع "تويتر": "الثقة في المؤسسة المالية تُبنى على مدى عقود وتُدمَّر في أيام.. ومع سقوط كل قطعة من الدومينو، يبدأ البنك الأضعف التالي في الترنح".
انهيار أسهم "فيرست ريبابليك بنك" يضغط على البنوك المحلية بأميركا
يدرس "باك ويست" أيضاً الانقسام إلى وحدات أصغر، أو زيادة رأس المال، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم أثناء مناقشة المعلومات الخاصة. وفي حين أن البنك منفتح على البيع، إلا أنه لم يطلق بعد عملية المزايدة رسمياً، كما قال الأشخاص.
ألمح الأشخاص إلى أن عملية البيع المباشر واجهت عقبات لعدم توافر العديد من المشترين المحتملين المهتمين بالبنك بأكمله، والذي يضم بنكاً صغيراً يسمى "باسيفيك ويسترن بنك" (Pacific Western Bank) وبعض شركات الإقراض التجاري والاستهلاكي.
أضاف الأشخاص أن المشتري المحتمل سيضطر أيضاً إلى تكبد خسارة كبيرة لتخفيض قيمة بعض قروضه.
إيضاحات البنوك الإقليمية
"باك ويست" ليس البنك الإقليمي الوحيد في الولايات المتحدة الذي يتعرض للضغوط الشديدة.
انخفض سهم " ويسترن أليانس بانكورب" (Western Alliance Bancorp) نحو 24% في التعاملات المبكرة، بينما انخفض سهم كل من "كوميريكا" ( Comerica) و"زيونس بانكورب" (Zions Bancorp) بنسبة 7% لكل منهما.
قال "باك ويست" في بيان أمس الأربعاء إنه لم يشهد سحوبات "غير عادية" للودائع بعد بيع "فيرست ريبابليك" والأخبار الأخرى. وزادت ودائع العملاء الأساسية منذ 31 مارس، ليبلغ إجمالي الودائع في 2 مايو 28 مليار دولار، كما لفت إلى أن النقدية والسيولة المتاحة تجاوزت قيمة الودائع غير المؤمن عليها، حسب البيان.
من جهته، قال "ويسترن أليانس" أيضاً في بيان مساء أمس الأربعاء إنه لم يشهد تدفقات ودائع غير عادية بعد بيع "فيرست ريبابليك" وغيرها من "أخبار القطاع المصرفي الأخيرة". وأكد البنك مجدداً على توقعاته بارتفاع الودائع على أساس ربع سنوي.
قال محللو "بلومبرغ إنتلجينس" لقطاع البنوك بقيادة هيرمان تشان في مذكرة بحثية إن هذه التوضيحات "يمكن أن تساعد في تخفيف مخاوف السوق".
أضاف تشان أن ما يقرب من ثلاثة أرباع ودائع "ويسترن أليانس" مؤمنة، ليعد بذلك ثاني أقوى مصرف بين البنوك النظيرة من حيث هذا المقياس.
تحت وطأة ضغوط التشديد النقدي
تواجه البنوك الأصغر حجماً ضغوطاً، إذ يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى خفض قيمة استثماراتها طويلة الأجل مع زيادة تكلفة التمويل. ويحفز الوضع الحالي المودعين على نقل أموالهم إلى صناديق أسواق المال التي تحقق العوائد المرتفعة.
بالإضافة إلى ذلك، يشعر المستثمرون بالقلق من أن التكنولوجيا الحديثة تعني أن العملاء يمكنهم سحب الأموال بسرعة من المؤسسات المتعثرة، وتحويل الودائع بدلاً من ذلك إلى البنوك الكبرى.
دعا منتقدو النظام المصرفي المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع إلى زيادة سقف التأمين، والذي يغطي عادة 250 ألف دولار في معظم الحسابات. في حين تدرس الجهات التنظيمية توسيع نطاق التأمين على الودائع، إلا أنها لم تعلن عن إجراء أية تغييرات حتى الآن.
"موديز" تتجه لخفض تصنيف 6 بنوك أميركية منها "فيرست ريبابليك"
"من المرجح أن يؤدي التأمين الشامل المهمة، ولكن الهيئات تتعامل معه على أنه الملاذ الأخير"، حسبما قال جون رونغ ييب، استراتيجي الأسواق لدى "أي جي أسيا" (IG Asia). وأضاف:" يبدو أن الوضع قد يستمر لفترة أطول، كما أن انهيار مزيد من البنوك قد يفرض هذه الخطوة" ( التأمين الشامل على الودائع).
الاستمرار في رفع الفائدة
أمس الأربعاء، رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مرة أخرى بمقدار 25 نقطة أساس. في حين ألمح باول إلى أنها قد تكون الزيادة الأخيرة، إلا أنه ترك الباب مفتوحاً أيضاً أمام المسؤولين لمواصلة رفع تكاليف الاقتراض، إذا ظل التضخم مرتفعاً. كما عارض باول بقوة توقعات السوق بأن "الاحتياطي الفيدرالي" سوف يخفض أسعار الفائدة بحلول نهاية 2023.
أدى ارتفاع أسعار الفائدة على مدار عام إلى تكبد خسائر غير محققة للبنوك تقدر بنحو 1.84 تريليون دولار، كما تزيد الضغوط بقطاع العقارات التجارية من حدة المتاعب.
كما كان متوقعاً.. رفع الفائدة الأميركية ربع نقطة مئوية إلى أعلى مستوى منذ 2007
هذه الضغوط تزيد تركيز السوق على البنوك الأصغر، التي عادة ما تكون لديها موارد أقل للدفاع عن نفسها.
قال دينيس لوكهارت الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا خلال مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ": "يبدو كما تعلم، أن الأسواق تتابع التطورات من بنك إلى آخر.. البنوك الضعيفة ستخرج من السوق".
أضاف لوكهارت: "أود أن أقول إن القلق يساورني إزاء ما يحدث. لكنني أريد تصديق أن جيروم باول لديه معلومات تشير إلى أن الوضع تمت السيطرة عليه أو قابل للاحتواء".
بات "فيرست ريبابليك بنك"، الذي استحوذ عليه "جيه بي مورغان" يوم الاثنين في صفقة برعاية الحكومة، رابع مصرف أميركي ينهار منذ بداية 2023، بعد "سيلفرغيت كابيتال كورب" ومصرف "سيليكون فالي بنك" و"سيغنيتشر بنك" في مارس.
أصبح تأثير انهيار أسهم "باك ويست" محدوداً حالياً على السوق خارج البنوك الإقليمية الأميركية.
لم تشهد العقود الآجلة لمؤشر "إس آند بي 500" تغيرات ملحوظة في ساعات التداول الآسيوية، وارتفعت أسهم البنوك في هونغ كونغ وكوريا الجنوبية.