لندن تفشل في استعادة السيطرة بعد "بريكست"

لندن تفقد بعض أهميتها في القطاع المالي بعد بريكست - المصدر: بلومبرغ
لندن تفقد بعض أهميتها في القطاع المالي بعد بريكست - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يمكن تقبل تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على صناعة الخدمات المالية في لندن والتكيف معها على اعتبار أن فقد الوظائف وتراجع الاستثمارات أمر هين ولن يكون له تأثير كبير.

ويبدو ذلك حقيقي في الوقت الذي نجد فيه مؤيدي البريكست يستهينون بخسارة 7500 وظيفة انتقلت إلى دول الاتحاد الأوروبي مقارنة بتوقعات المتشائمين بخسارة مئات الآلاف من الوظائف.

وبالتأكيد تراجعت فرص العمل التي يخلقها القطاع المالي للنصف تقريباً خلال العام 2020 ولكن يمكن أن نرجع ذلك بشكل كبير إلى تداعيات جائحة كورونا. وبالطبع، تحولت تجارة الأسهم داخل القارة إلى دول الاتحاد الأوروبي ولكن يمكن الرد على ذلك بأنها تحقق هوامش ربح قليلة ورمزية في أفضل حالاتها. ولكن ذلك التحليل ينطوي على مشكلتين رئيسيتين:

المشكلة الأولى: مهما كان التأثير ضعيفا إن لم تقاومه فسوف يلحق بك الضرر.

قد تكون تداولات الأسهم الأوروبية جزءا غير مؤثر في المخطط الكبير للمملكة المتحدة. ولكن ما نلاحظه أنه لم يتم تعويض الخسائر التي منيت بها سوق الأسهم في لندن منذ بدء جائحة كورونا. كما أن أمستردام نجحت في تجاوز لندن الشهر الماضي لتصبح أكبر مركز لتداول الأسهم في أوروبا من حيث متوسط حجم التداولات اليومية بحسب فاينانشال تايمز.

وبافتراض أن تداول الأسهم ليست ذات تأثير كبير عند مقارنتها بسوق المشتقات المالية كما صرح الرئيس السابق لبورصة لندن للأوراق المالية زافييه روليت، لكن الصورة ليست رائعة أيضا. فقد انخفضت حصة لندن من تداولات اليورو لتصل إلى 10% الشهر الماضي مقارنة باستحواذها على 40% من التداولات في يوليو الماضي وفي المقابل زادت حصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وذلك بحسب IHSMarkit.

"><figcaption style="font-style: normal; text-align: right; direction: rtl;

والمشكلة الثانية: بالنسبة لوجهة نظر المؤيدين لعدم تأثر لندن، أن تلك المتغيرات قد شجعت المسؤولين في باريس وفرانكفورت وبروكسل على تطبيق إجراءات تنظيمية صارمة في الوقت الذي رأى فيه البريطانيون أن الأوروبيين سيكونون نادمين على التعامل مع لندن كمنافس جديد بالقرب منهم.

لقد حدث العكس. فحتى الآن لم تمنح بروكسل بريطانيا معاملة متعادلة تسمح بتطبيق اتفاق تجارة تفضيلية فيما بينهم، هذا إن لم تكن خالية من مضايقات بشأن الخدمات المالية التي يتم تقديمها عبر الحدود. وحتى الآن يبدو أنه لا أساس من الصحة لمخاوف التكلفة الباهظة لتفتيت الأسواق.

فالمستثمرون في الأسواق الأوروبية لم يعلنوا عن ضيقهم بشأن مدى سهولة الوصول إلى لندن أيضاً.

وعلى غرار ذلك، وصف ألاسدير هاينز الرئيس التنفيذي لبورصة أكيس الأوروبية، الرسوم الجمركية التي أعقبت البريكست وتسببت في تعطل التجارة بين الاتحاد وبريطانيا بأنها "مشاكل البدايات" وكذلك الأمر بالنسبة لمضايقات الخدمات المالية المتزايدة والتي اعتبرها طبيعية وتأسيس لبداية جديدة، وكذلك وصف الالتزام بتداول أسهم الاتحاد الأوروبي في دول الاتحاد الأوروبي فقط بأنها مجرد "مناوشات" فيما أكد هاينز أن الصراع الحقيقي سيكون على البنية التحتية الخاصة بعمليات المقاصة التي تهيمن عليها لندن وخاصة في تداولات المشتقات المالية.

وفي حالة استمرار الأمور بنفس الاستراتيجية التي يتبعها الاتحاد الأوروبي منذ المراحل الأولى بعد البريكست سوف يسعى لمزيد من السيطرة والتعنت بشأن الخدمات المالية وستحمل سياساته أهدافاً سياسية. في المقابل يبقى افتقار بريطانيا لخطط واضحة بعد البريكست وخاصة بشأن الإجراءات التنظيمية للقطاع المالي في غير صالحها.

وبدأت مخاوف بروكسل من اتجاه البريطانيين إلى اختراق قواعد الوصول إلى السوق الأوروبية تتحول إلى حقيقة. حيث حذرت هيئة أسواق المال والأوراق المالية الأوروبية من رصدها "ممارسات مشكوك فيها" من بعض الشركات المالية التي تحاول الالتفاف على القواعد الخاصة بنشاط الخدمات داخل الاتحاد الأوروبي.

ولذلك عندما يصرح أندرو بايلي محافظ بنك انجلترا أن بريطانيا تتجنب السير وفق قواعد تضعها بروكسل وفي الوقت نفسه يعد بعدم وجود نية لدى بريطانيا لاتباع نظام مالي "مرتفع المخاطر يكون فيه كل شيء مباحا" فتلك التصريحات تجعل الأمر أكثر سهولة للاتحاد الأوروبي للمطالبة بتخفيف بعض القيود الخاصة بالمساواة التجارية مقابل إعطاء ضمانات ملموسة في ذلك الشأن.

وعلق ميشيل بارنييه مفاوض الاتحاد الأوروبي بشأن البريكست قائلاً إن الاتحاد لن يتعجل في اتخاذ مثل هذه القرارات.

"><figcaption style="font-style: normal; text-align: right; direction: rtl;

ضرورة التحرك بصورة أسرع

وبدلاً من "استعادة السيطرة" نتيجة الخروج من الاتحاد الأوروبي بدت لندن وكأنها تدور حول نفسها دون أن تتحرك للأمام. ربما تكون جائحة كورونا قد أبطأت انتقال الوظائف إلى الاتحاد الأوروبي بشكل ملموس لكنها لم تمنع من انتقال رأس المال. ولا توجد ضمانة حتى الآن أن الأوروبيين لن يسعوا للحصول على المزيد. وتبقى الآمال في ذوبان جليد العلاقات المتجمدة قريباً وهو ما نتفاءل به للغاية.

ولا يعني ما سبق أن لندن المركز المالي الأهم في أوروبا قد انتهى. فالمدينة تبقى مركزاً مالياً عالميا لا يمكن الاستغناء عنه. فهناك ثقة كبيرة بكافة أنحاء العالم في النظام القانوني في لندن، وتمثل اللغة عاملا مؤثرا مثل اللغة اليونانية في العصور القديمة. هذا بالإضافة إلى الأفكار الجديدة التي قد تؤتي ثمارها، مثل عمل لجنة مراجعة قواعد الإدراج في البورصة التي يترأسها جوناثان هيل مفوض بريطانيا السابق لدى الاتحاد الأوروبي.

ولكن رغم ذلك يبقى الفارق كبيرا بين لندن التي كانت تحتكر تقريبا الوظائف المالية والتجارية داخل أوروبا قبل البريكست والمدينة التي لم تعد تمتلك سوى ثلثي أو نصف ما كانت تحتكره قبل ذلك.

وهنا إن لم تضغط بريطانيا بكافة أوراقها وبالشكل الصحيح قد نتجه إلى لندن ما بعد البريكست خطوة تلو الأخرى.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات