بدأت الموجة الأولى من البحوث الأكاديمية التي تطبّق "تشات جي بي تي" في عالم التمويل، تظهر للعلن. وبحسب النتائج المبكرة، فإن الضجة التي أثيرت خلال الأشهر القليلة الماضية، لها ما يبررها.
نُشرت ورقتان جديدتان في أبريل الجاري، استُخدم فيهما روبوت الدردشة الخاصة بالذكاء الاصطناعي في قضايا متعلقة بالسوق: الأولى منهما لمعرفة ما إذا كانت بيانات الاحتياطي الفيدرالي تعبّر عن نبرة "الصقور" أم "الحمائم"، أما الثانية فكانت لتحديد ما إذا كانت العناوين الرئيسية جيدة أم سيئة بالنسبة إلى الأسهم.
تجاوز "تشات جي بي تي" كلا الاختبارين، ما يشير إلى إمكان تحقيق خطوة كبيرة إلى الأمام في استخدام التكنولوجيا، لتحويل نصوص المواضيع والمقالات الإخبارية إلى تغريدات، والخطابات إلى إشارات مفيدة لعمليات التداول.
بالطبع، هذه العملية ليست جديدة في "وول ستريت"، حيث استخدم المحللون الكمّيون منذ فترة طويلة نوعاً من النماذج اللغوية التي يقوم عليها روبوت المحادثة، لتحسين العديد من الاستراتيجيات. لكن النتائج تشير إلى أن التكنولوجيا التي طورتها "أوبن إيه آي" (OpenAI)، بلغت مستوى جديداً من حيث السياق، وتحليل الفروق الدقيقة.
رئيس "غوغل" يحذّر من الاندفاع في استخدام الذكاء الاصطناعي دون رقابة
سلافي مارينوف، رئيس التعلم الآلي في شركة "مان إيه إتش إل" (Man AHL)، والذي يستخدم التكنولوجيا المعروفة باسم معالجة اللغة الطبيعية لقراءة النصوص، مثل نصوص الأرباح والمشاركات على منصة "ريديت" (Reddit)منذ سنوات، قال: "هذه إحدى الحالات النادرة التي تكون فيها الضجة المثارة، حقيقية".
تحليل تصريحات "الفيدرالي"
في الورقة الأولى التي حملت عنوان "هل يستطيع (تشات جي بي تي) فك شفرة تصريحات الاحتياطي الفيدرالي؟"، وجدت باحثتان من "الاحتياطي الفيدرالي" نفسه، أن "تشات جي بي تي" كان أقرب إلى البشر في معرفة ما إذا كانت تصريحات البنك المركزي متشددة أم غير متشددة. أظهرت آن لونغارد هانسن وصوفيا كازينيك، الباحثتان في بنك الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند، أن "تشات جي بي تي" تفوق على نموذج شائع الاستخدام من "غوغل" يُسمى "بيرت" (BERT)، وكذلك على التصنيفات القائمة على المعاجم.
حتى إن "تشات جي بي تي" كان قادراً على شرح تصنيفاته لبيانات سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي، بطريقة تشبه محلل البنك المركزي نفسه، والذي ترجم أيضاً اللغة لتكون بمثابة معيار بشري للدراسة.
اقرأ أيضاً: ثورة الآلات على البشر.. هل تتحقق نبوءات 200 عام من الخيال العلمي؟
على سبيل المثال، وردت الجملة التالية في بيان مايو 2013، والتي تقول: "أظهرت ظروف سوق العمل بعض التحسن بشكل عام في الأشهر الأخيرة، لكن معدل البطالة لا يزال مرتفعاً". فسّر الروبوت ذلك بأنّ النبرة غير متشددة، لأنها تشير إلى أن الاقتصاد لم يتعافَ بالكامل بعد. وقد كان ذلك مشابهاً للاستنتاج الذي توصّل إليه المحلل برايسون، والذي وُصف في الورقة بأنه "رجل يبلغ من العمر 24 عاماً، ومعروف بذكائه وفضوله".
الجملة رقم 2
الاسم | الطابع | الشرح |
برايسون | غير متشدّد بشكل عام | تعكس هذه الجملة الاهتمام المستمر للجنة بقوة سوق العمل. رغم أنه لم يتم تحديد أي سياسة، فإن المعنى الضمني هو أن اللجنة ستتبع سياسة توسعية حتى ينخفض معدل البطالة إلى المستوى الذي تراه اللجنة مقبولاً. |
غير متشدّد بشكل عام | رغم بعض التحسن الذي طرأ على ظروف سوق العمل، فإن حقيقة أن معدل البطالة لا يزال مرتفعاً تشير إلى أن الاقتصاد لم ينتعش بالكامل بعد. ويميل هذا الشعور إلى موقف أكثر حذراً أو غير متشدّد. | |
غير متشدّد | تسلّط الجملة الضوء على التحسن في سوق العمل، لكنها تشير أيضاً إلى أنّ معدل البطالة لا يزال مرتفعاً، ما يعني أن اللجنة قد تميل نحو المزيد من التيسير النقدي لمعالجة مخاوف البطالة. |
التنبؤ بحركة الأسهم
في الدراسة الثانية التي حملت عنوان "هل يمكن لـ(تشات جي بي تي) توقع تحركات أسعار الأسهم؟ التنبؤ بالعوائد والنماذج اللغوية الكبيرة"، حثّ أليخاندرو لوبيز ليرا ويوهوا تانغ من جامعة فلوريدا، "تشات جي بي تي" على التظاهر بأنه خبير مالي، وشرح عناوين الأخبار المتعلقة بالشركات. وقد استخدما الأخبار بعد أواخر عام 2021، وهي فترة لم تتم تغطيتها في بيانات تدريب برنامج الدردشة الآلي.
وجدت الدراسة أن الإجابات التي قدمها "تشات جي بي تي"، أظهرت ارتباطاً إحصائياً بالتحركات اللاحقة للأسهم، وهي إشارة إلى أن التقنية كانت قادرة على تحليل الآثار المترتبة على الأخبار بشكل صحيح.
في مثال حول ما إذا كان العنوان الرئيسي الذي يشير إلى تغريم شركة "ريميني ستريت" (Rimini Street) بمبلغ 630 ألف دولار في قضية ضدّ "أوراكل" (Oracle)، جيداً أم سيئاً لشركة "أوراكل"، أوضح "تشات جي بي تي" أنه كان إيجابياً، لأن العقوبة "يمكن أن تعزّز ثقة المستثمرين في قدرة (أوراكل) على حماية ملكيتها الفكرية، وزيادة الطلب على منتجاتها وخدماتها".
اقرأ أيضاً: العالم ليس مستعداً لتلقي تشخيصات طبية من "Chat GPT"
بالنسبة إلى معظم التحليلات الكمية المتطورة، أصبح من المعتاد الآن استخدام "البرمجة اللغوية العصبية" لقياس مدى شعبية السهم من "تويتر" أو لدمج أحدث العناوين الرئيسية في الشركة. لكن التطورات التي أظهرها "تشات جي بي تي"، تبدو مهيأة لفتح عوالم كاملة من المعلومات الجديدة، وجعل التكنولوجيا في متناول مجتمع أوسع من المتخصصين في المجال المالي.
تجاوز التقنيات السابقة
بالنسبة إلى مارينوف في الورقة الأولى، فإنه وعلى الرغم من أن قراءة الآلات للنصوص كما يفعل الأشخاص تقريباً لا يُعدّ أمراً مفاجئاً، يمكن لـ"تشات جي بي تي: تسريع العملية برمتها.
عندما كانت شركة "مان إيه إتش إل" تبني النماذج للمرة الأولى، كان صندوق التحوّط الكمي يصنّف يدوياً كل جملة على أنها إيجابية أو سلبية لأصل ما، لمنح الآلات مخططاً لتفسير اللغة. ثم قامت الشركة التي تتخذ من لندن مقراً لها بتحويل العملية برمتها إلى لعبة صنّفت المشاركين، وحسبت مدى اتفاقهم على كل جملة، بحيث يمكن لجميع الموظفين المشاركة فيها.
تشير الورقتان الجديدتان إلى أن "تشات جي بي تي" يمكن أن ينجز مثل هذه المهام من دون أن يجري تدريبه بشكل خاص. أظهر بحث مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن ما يسمى بتعليم الآلات على المواقف غير المألوفة، يتجاوز بالفعل التقنيات السابقة، لكن ضبطه بناءً على بعض الأمثلة المحددة، جعله أفضل.
قال مارينوف، الذي شارك سابقاً في تأسيس شركة ناشئة متخصصة في البرمجة اللغوية العصبية: "كان عليك في السابق تصنيف البيانات بنفسك.. يمكنك الآن استكمال ذلك من خلال تصميم الموجّه المناسب لـ(تشات جي بي تي)".
كما أصدرت "بلومبرغ إل بي"، الشركة الأم لـ"بلومبرغ نيوز"، الشهر الماضي، نموذجاً لغوياً واسعاً للتمويل.