استمر ضعف تضخم أسعار المستهلكين والمنتجين في الصين في مارس، ما أثار دعوات لإطلاق مزيد من الحوافز النقدية أو المالية لتعزيز تعافي الاقتصاد.
كشفت بيانات المكتب الوطني للإحصاء اليوم الثلاثاء عن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين 0.7% الشهر الماضي مقارنة بالسنة الماضية، أي أقل من توقعات الاقتصاديين باستطلاع رأي أجرته بلومبرغ البالغة 1%. وزاد تراجع تضخم أسعار المنتجين ليسجل 2.5%، مسجلاً أدنى مستوى منذ يونيو 2020. وسجل معدل التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة، ارتفاعاً طفيفاً إلى0.7% من 0.6%.
أكد تشانغ تشيوي، كبير الاقتصاديين في شركة "بنبوينت أسيت مانجمنت" (Pinpoint Asset Management): "التعافي الاقتصادي في طريقه الصحيح، لكنه ليس قوياً بما فيه الكفاية لصعود الأسعار، ويدل هذا على أن الاقتصاد ما زال ينمو بأقل من إمكاناته، ويوجد مجال لتطبيق سياسات مالية ونقدية لتدعيم النمو بشكل أكبر".
الطلب المحلي
على الرغم من أن الاقتصاد يتعافى بعد وباء كوفيد، إلا أن الأرقام تشير إلى أن الطلب المحلي بقي ضعيفاً، ما يوفر للمسؤولين مساحة لفرض سياسات داعمة أكثر بهدف تعزيز تعافٍ اقتصادي يقوده الاستهلاك. استمر مؤشر أسعار المستهلكين دون الهدف الذي حددته الحكومة بكثير والبالغ 3% للسنة الجارية.
واردات الصين ترتفع في فبراير بأعلى وتيرة في عام وسط إشارات لتعافٍ اقتصادي
استمرت ثقة الأسر تجاه الدخل والوظائف عند مستويات أقل مقارنة بفترة ما قبل وباء كوورنا، بينما تتراجع الصادرات، وظلّت السوق العقارية ضعيفة نوعاً ما رغم استقرارها. كشفت بيانات الأسبوع الماضي عن هبوط نشاط التصنيع في مارس المنصرم في ظل توقعات ضعيفة للتجارة العالمية.
تخلى مؤشر "سي إس آي 300 " الرئيسي للأسهم الصينية عن مكاسبه التي حققها سابقاً، ليتداول متراجعاً 0.3% في الساعة 2:33 مساء بالتوقيت المحلي، متأخراً عن أداء مؤشرات الأسهم الآسيوية التي صعدت 0.7%. تراجعت العوائد على السندات الحكومية لأجل 10 أعوام بنقطتي أساس، في طريقها لتسجيل تراجع لليوم الثالث على التوالي.
يتناقض التضخم الضعيف في الصين مع الاقتصادات الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، والتي تضغط فيها الأسعار المرتفعة على سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي.
يتوقع الاقتصاديون أن يكون التضخم الاستهلاكي في الولايات المتحدة، الذي من المقرر الكشف عنه يوم الأربعاء، أضعف في مارس مقارنة بالشهر السابق، لكنه لا يزال مرتفعاً. ويراهن التجار على زيادة أسعار الفائدة ربع نقطة في مايو بعد بيانات التوظيف القوية التي تم الكشف عنها الأسبوع الماضي.
محفزات مالية
تحفظ بنك الشعب الصيني حتى الآن تجاه توفير الدعم. وعوضاً عن تخفيض أسعار الفائدة العام الجاري، دعم البنك المركزي عمليات الإقراض بواسطة تقليص نسبة متطلبات الاحتياطي النقدي، أو السيولة التي ينبغي للمصارف الاحتفاظ بها في الاحتياطي.
ومن ضمن أشكال التحفيز أيضاً، حملة تطوير البنية التحتية، إذ تخطط المقاطعات الصينية لزيادة الإنفاق على مشروعات التشييد الكبرى بمقدار الخُمس السنة الحالية.
رغم ذلك، تشير أرقام التضخم الضعيفة إلى أن البنك المركزي الصيني ربما يضطر لبذل جهود أكبر لتدعيم التعافي الاقتصادي من خلال خفض أسعار الفائدة.
"بشكل عام، تدعم البيانات وجهة نظرنا بأن بنك الشعب الصيني سيقلص سعر الفائدة لأجل عام واحد خلال الربع الثاني. نتوقع خفضاً بمقدار 10 نقاط أساس. لا يشكل ذلك عملاً جريئاً، لكنه سيعطي إشارة إلى تبني سياسة داعمة وقد يسهم في تعزيز الثقة". ديفيد كو محلل اقتصادي
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"
استثمارات أكبر
ذكرت إيريس بانغ، كبيرة اقتصاديي الصين الكبرى في شركة "آي إن جي غروب" أن الحكومة قد تدرس أيضاً توفير حوافز مالية أكثر.
أضافت بانغ: "ليست هناك حاجة لتبني سياسة الترقب بعد الآن" لافتة إلى أنه يتعين على المسؤولين بحث استثمارات أكبر في البنية التحتية وتحفيز الاستهلاك، على غرار دعم السيارات الكهربائية. وأضافت: "البيانات تكشف أن ضعف الطلب الخارجي أثّر سلبياً على قطاع التصنيع الصيني وسوق العمل الخاصة به".
كما طالب خبير اقتصادي مؤثر على صلة بالحكومة بفرض تدابير أقوى على صعيد السياسة النقدية. أوضح مستشار البنك المركزي السابق لي يانغ بمقابلة نشرها موقع "شنغهاي سيكيوريتيز نيوز" اليوم الثلاثاء، أن بنك الشعب الصيني قد يوفر دعماً أكبر على صعيد السياسة المالية مع الأخذ بالاعتبار أن الدين الحكومي يشكل نسبة صغيرة نوعاً ما من إجمالي أصول البنك المركزي.
نشاط التصنيع في الصين يتراجع بشكل غير متوقع في مارس
بينما لم يصل به الأمر لقول إن بنك الشعب الصيني يتعين عليه شراء السندات الحكومية بطريقة مباشرة- وهو أمر ممنوع بموجب القانون– أشار لي إلى أن تنسيق السياسة المالية والنقدية على نحو أفضل حالياً بات "أهم من ذي قبل". وحضر لي اجتماعاً مع وزير المالية ليو كون وخبراء آخرين الأسبوع الماضي لمناقشة المشكلات الاقتصادية والمالية.
الإنفاق الاستهلاكي
من المنتظر أن ينشر المكتب الوطني للإحصاء الأسبوع المقبل المؤشرات الاقتصادية الأساسية للربع الأول من 2023، والتي ستُظهر غالباً تسارعاً بوتيرة النمو الاقتصادي الذي عززه تعافي الإنفاق الاستهلاكي. وفي غضون الأسابيع المقبلة، من المرجح أن يُعقد اجتماع للمكتب السياسي القوي للحزب الشيوعي الحاكم، والذي سيقيّم الأداء الاقتصادي للفترة الماضية، ويضع السياسات الاقتصادية الأساسية المستقبلية.
أكد بروس بانغ، كبير خبراء اقتصاد الصين الكبرى في شركة "جونز لانغ لاسال": "يحتاج المسؤولون إلى توسيع دعم السياسة المالية لتشجيع الطلب المحلي، ومنح الأولوية لإنعاش الاستهلاك وزيادته".