يراهن متداولو السندات على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ربما يرفع أسعار الفائدة مرة واحدة أخرى، وذلك في إطار دورة التشديد النقدي التي يتبعها حالياً، خاصة بعد ما أظهره الاقتصاد من مرونة -في الوقت الحالي على الأقل- رغم الاضطرابات المصرفية الأخيرة.
زادت عوائد سندات الخزانة في جلسة جرى إنجازها سريعاً، الجمعة الماضية، بسبب مرور البلاد بعطلة رسمية، وذلك بعد انخفاض معدل البطالة في الولايات المتحدة، كما جاءت أرقام الرواتب أقوى من المتوقع، مما وفر دعماً لزيادة أخرى في سعر الفائدة بنحو ربع نقطة في الاجتماع المقبل لـ"الفيدرالي" والمنتظر عقده في مايو. وترجح المقايضات الآن احتمالات رفع الفائدة بنحو 75 نقطة أساس.
ليس هذا وحسب، حيث سيتحول الانتباه أيضاً إلى متابعة مؤشر أسعار المستهلكين الأسبوع الحالي لمعرفة ما إذا كان "الفيدرالي" قادراً على كبح التضخم. وستكون المخاوف بشأن سلامة البنوك ووتيرة الاقتراض أيضاً في بؤرة تركيز المستثمرين أثناء محاولتهم تقييم احتمالات الركود وتحركات العائدات المستقبلية.
التضخم هو الحَكَم النهائي
قال كيفن فلاناغان، رئيس استراتيجية الدخل الثابت في"ويزدم تري إنفستمنتس" (Wisdom Tree Investments)، إن بيانات التضخم الأميركية المرتقبة هي الحَكَمُ النهائي مع اقترابنا من اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في مايو، وسيمثل توافق الآراء بين أعضاء الفيدرالي، أو ظهور قراءة أقوى لمؤشر أسعار المستهلكين، تحدياً لسوق سندات الخزانة.
كما ستكون صورة النمو العالمي أيضاً موضع تركيز شديد الأسبوع الحالي، إذ يستعد صندوق النقد الدولي لإصدار أحدث توقعاته، حيث يجتمع المسؤولون من جميع أنحاء العالم في واشنطن لحضور اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين.
في إطار متصل، قادت عوائد سندات الخزانة قصيرة الأجل الارتفاع، مع زيادة سوق المقايضات لتقديراتها حول رفع أسعار الفائدة في اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التالي إلى نحو 19 نقطة أساس. يشير ذلك إلى وجود احتمال بنسبة 76% لأن يرفع المسؤولون سعر الفائدة الرئيسي ربع نقطة على الأموال الفيدرالية، والتي ستضاف إلى 4.83% حالياً.
من ناحية أخرى، ارتفع عائد سندات الخزانة لأجل عامين بنحو 16 نقطة أساس إلى ما يقل قليلاً عن 4%، واختتم الجلسة في نطاق 3.98%. وقفز مؤشر السندات لأجل 10 سنوات بنحو 10 نقاط أساس، حتى وصل إلى 3.41% وأغلق الجمعة الماضية عند 3.39%. فيما تراوح تذبذب المنحنى بين السندات ذات أجل عامين و10 سنوات بما يقرب من 6 نقاط أساس خلال اليوم نفسه.
من جهتها، ترى بريا ميسرا، الرئيسة العالمية لاستراتيجية أسعار الفائدة في "تي دي سكيورتيز" (TD Securities) أن تحسن بيانات تقرير الوظائف الأميركية سيعزز فرص رفع الفائدة 25 نقطة أساس في مايو، ومن المفترض أن تؤجل مواعيد التخفيضات اللاحقة أيضاً، لكن السوق ستظل تركز على البيانات وأرباح البنوك الأخرى التي ستصدر قبل اجتماع لجنة السوق المفتوحة.
كان تقدير السوق لرفع أسعار الفائدة لشهر مايو في الفترة التي سبقت تقرير الوظائف نحو 14 نقطة أساس، مما يشير إلى احتمال يزيد قليلاً عن 50% لرفع أسعار الفائدة.
قوة سوق العمل
قلصت السوق توقعاتها حول مقدار التخفيضات التي ستُطبق على أسعار الفائدة في الأشهر الأخيرة من 2023، إذ تشير المقايضات إلى بلوغ سعر الفائدة المرجعي للاحتياطي الفيدرالي نحو 4.38% بحلول نهاية ديسمبر. وهذه النسبة قريبة من 4.18% التي جرى توقعها قبل صدور بيانات سوق العمل.
في إطار متصل، ارتفع الدولار مقابل سلة العملات الرئيسية العشرة باستثناء الدولار النيوزيلندي. وأغلقت العقود المستقبلية لمؤشر الأسهم الأميركية على ارتفاع 0.2% في جلسة موجزة.
من جانبه، صرح مكتب إحصاءات العمل، الجمعة، أن الوظائف غير الزراعية زادت بنحو 236 ألفاً - أي أعلى قليلاً من أوسط التوقعات- بعد تعديل صعودي بلغ 326 ألفاً في فبراير. وانخفض معدل البطالة إلى 3.5%. فيما ارتفع متوسط الأجر في الساعة بنسبة 4.2% مقارنة بالعام الماضي، وهو معدل أقل من التقديرات، كما أنه الأبطأ منذ يونيو 2021.
يتوقع أن ينخفض مؤشر أسعار المستهلكين لشهر مارس على أساس سنوي إلى 5.2% بدلاً من 6%، وفقاً لأوسط تقديرات الاقتصاديين الذين استطلعت بلومبرغ آراءهم. على النقيض من ذلك، من المتوقع ارتفاع التضخم الأساسي على أساس سنوي إلى 5.6 بدلاً من 5.5%. وتشمل البيانات الرئيسية الأخرى المتوقع صدورها الأسبوع المقبل مؤشر أسعار المنتجين ومبيعات التجزئة.
تراجعت عوائد سندات الخزانة بشكل ملحوظ في الشهر الماضي على خلفية مخاوف أزمة النظام المصرفي. ودعمت الاضطرابات بين المؤسسات المالية الاندفاع نحو الحصول على الأمان النسبي الموجود في سندات الخزانة، فيما أجبرت الأسواق على إعادة التفكير في مدى استمرار "الفيدرالي" بتطبيق سياسة التشديد النقدي في مواجهة مخاطر الركود المتزايدة، حتى مع استمرار ارتفاع التضخم.
قال فلاناغان من "ويزدم تري": "تخبرك سوق الخزانة بالاتجاه الذي يرغبون في السير فيه، وهو: انخفاض العوائد، لكنها ضعيفة على ما يبدو أمام أي بيانات اقتصادية لا تشير إلى أن الركود وشيك. فإذا ظلت بيانات التضخم مرتفعة؛ سيكون من الصعب على عوائد سندات الخزانة الحفاظ على مستوياتها الحالية".