"غولدمان ساكس" وبنوك أخرى تتوقع صعود الأسعار لكن توقعات الركود قد تعرقل الارتفاع

صدمة "أوبك+" تنعش أسواق النفط رغم تحذيرات تراجع الطلب

رافعات ضخ النفط في حقل نفطي في تتارستان، روسيا - المصدر: بلومبرغ
رافعات ضخ النفط في حقل نفطي في تتارستان، روسيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تسبب الخفض المفاجئ لإنتاج النفط في تحالف "أوبك+" في حدوث موجات صادمة في الأسواق المالية، ودفع أسعار الخام للارتفاع بأكبر قدر في عام. الآن بعد أن هدأت الأمور، يلوح في الأفق سؤال واحد كبير وهو: هل سيستمر ارتفاع الأسعار أم سيتلاشى؟

رفعت البنوك بداية من "غولدمان ساكس" حتى "آر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets LLC) توقُّعاتها لأسعار النفط فور خفض "أوبك+". ومع ذلك؛ ما يزال التجار يعتقدون أنَّ التوقُّعات الاقتصادية المتوترة ستمنع تحركات التحالف لدفع الأسعار إلى الأعلى. وبدأت مؤشرات الطلب في إطلاق علامات تحذيرية أيضاً.

قد ينتهي الأمر بأن يكون الاختبار النهائي حول ما الذي يهم السوق بشكل أكبر، تشديد الإمدادات، أم صورة الطلب الباهتة. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى مزيد من عدم اليقين بشأن اتجاه الأسعار، وهو تطور مُعقد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي ومحافظي البنوك المركزية في العالم في معركتهم المستمرة ضد التضخم.

قالت ليفيا غالاراتي، كبيرة المحللين في "إنرجي أسبكتس" (Energy Aspects): "من الصعب للغاية التداول في الوقت الحالي". وأضافت: "إذا كنت تاجراً، فأنت واقع بين ما يحدث على مستوى الاقتصاد الكلي وما يحدث في السوق بشكل أساسي. إنَّهما اتجاهان مختلفان".

أصبح الشيء الوحيد المؤكد هو أنَّه تم الآن ترسيخ عملية تحوّل كبيرة في السيطرة على السوق بأيدي المملكة العربية السعودية وحلفائها، مع وجود تداعيات هائلة على الجغرافيا السياسية والاقتصاد العالمي.

واصل المستثمرون مكافأة شركات الحفر الأميركية بسبب انضباطها في الإنتاج، مما لا يُرجّح ألا تُقدم شركات النفط الصخري على زعزعة السوق بزيادة الإنتاج التي ساعدت خلال العقد الماضي على ترويض التضخم، وهو ما يترك سوق النفط تحت إشراف "أوبك+" في وقت توقَّع فيه بعض الخبراء أنَّ الطلب يتجه نحو تسجيل رقم قياسي.

وقال رايان فيتزموريس، المتداول الرئيسي للمؤشر الرئيسي في شركة سمسرة السلع "ماريكس غروب" (Marex Group Plc): "أثارت التخفيضات المفاجئة لـ(أوبك) بالفعل مخاوف من عودة التضخم.. هذه المخاوف المتجددة يجب أن تزداد" في الأشهر المقبلة.

فيما يلي لمحة عامة عما سيراقبه التجار في سوق النفط مستقبلاً:

الطلب في الصيف

ضرب توقيت قرار "أوبك" على الوتر الحساس لدى العديد من خبراء النفط. ولن تدخل تخفيضات الإنتاج حيز التنفيذ حتى مايو المقبل، ومن المرجح أن تشعر الأسواق بالكثير من التداعيات في النصف الثاني من العام.

يعتبر هذا هو الوقت الذي يصل فيه الطلب على النفط عادةً إلى ذروته الموسمية، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى موسم القيادة الصيفي المزدحم في الولايات المتحدة. تعتبر تلك أيضاً النقطة التي من المتوقَّع أن تشهد فيها عملية إعادة الافتتاح الاقتصادي للصين في بلوغ الحد الأقصى، بما يدعم الطلب بشكل أكبر.

عادة، ترغب "أوبك" في الاستفادة من هذا الاستهلاك المتدفق عبر البيع في السوق بأكبر قدر ممكن، لكنْ بدلاً من ذلك؛ فإنَّ الخفض يعني أنَّ التحالف يتراجع عن هذا التوجه.

يثير الأمر الحالي الجدل حول ما إذا كانت هذه الخطوة ستنتهي بدفع أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل مع ارتفاع الطلب، أو ما إذا كان التحالف وحلفاؤه يستعدون، بدلاً من ذلك، لصيف يتسم بالركود والاستهلاك الفاتر.

قال وارن باترسون، رئيس استراتيجية السلع في "آي إن جي" (ING): "بينما يُنظر إلى تخفيضات (أوبك+) بشكل عام على أنَّها خطوة صعودية؛ لكنَّها تثير مخاوف بشأن توقُّعات الطلب". وأضاف: "إذا كان (أوبك+) على ثقة من توقُّعات الطلب القوية هذا العام، فهل سيشعر حقاً بالحاجة إلى خفض العرض؟".

تؤكد التحركات في أسواق الوقود العالمية الشكوك بشأن الطلب. وفي حين ارتفعت أسعار النفط؛ كانت التحركات للمنتجات المكررة أقل وضوحاً، مما أدى إلى تقلّص هوامش الربح لمصافي التكرير في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة.

وفي آسيا، تشير أسعار الديزل، وهو منتج رئيسي لمصافي التكرير، إلى مخاوف متزايدة من التباطؤ مع تقلص الجداول الزمنية إلى أدنى مستوياتها منذ نوفمبر.

المصدر: الشرق
المصدر: الشرق

مخزونات مرتفعة

في الوقت الذي تتراجع فيه المخزونات الأميركية، ما تزال المخزونات مرتفعة عالمياً. ففي الربع الأول، كانت مخزونات النفط التجارية لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أعلى بحوالي 8% مقارنة بمستويات العام الماضي، وفقاً لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية. يمثل هذا الأمر مخزوناً كبيراً إلى حد ما، ويعكس ضعف الاستهلاك الذي اجتاح السوق في الأشهر القليلة الماضية.

قالت "غالاراتي" من "إنيرجي أسبكتس": "أنت بحاجة لاستيعاب هذا العبء أولاً قبل أن نشهد الاتجاه الصعودي".

التدفقات الروسية

توقَّع المراهنون على ارتفاع أسعار النفط، دون جدوى، الكشف عن خفض الإنتاج الروسي الموعود لشهر مارس. كان الكرملين قد ذكر أنَّه سيُخفض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يومياً في مارس ردّاً على حظر الاستيراد وفرض "الدول غير الصديقة" حدوداً على سقف الأسعار، لكن لم تظهر أي علامة على انخفاض الإنتاج الروسي في أحد أهم مقاييس أسواق النفط الخام العالمية، وهو عدد البراميل التي تغادر البلاد.

بلغت شحنات النفط الخام من الموانئ الروسية مستوى مرتفعاً جديداً في الأسبوع الأخير من شهر مارس، فقد تجاوزت 4 ملايين برميل يومياً. يعد هذا أعلى بـ45% مقارنة بالمتوسط المُسجّل في الأسابيع الثمانية السابقة على غزو القوات الروسية لأوكرانيا، وهو المستوى الذي زاد منذ يناير الماضي من خلال تحويل نحو 500 ألف برميل يومياً عبر خط الأنابيب المباشرة إلى بولندا وألمانيا.

ضبط إنتاج النفط الصخري

لم يمضِ وقت طويل منذ أن توجّه تجار النفط إلى لاعبين رئيسيين بشأن الإمدادات، وهما: منظمة "أوبك"، وصناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة.

في ذلك الوقت، كانت "أوبك" وصناعة النفط الصخري تخوضان معركة لنيل حصة في السوق، وهو الصراع الذي ساهم في تحجيم أسعار النفط العالمية، والتضخم المدفوع بالطاقة، خلال معظم العقد.

ثم اجتاح الوباء بالتزامن مع اضطرابات أسعار النفط، حيث تم الضغط على صناعة النفط الصخري. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، وحتى في ظل تعافي السوق وزيادة التدفق النقدي؛ منحت الشركات الأولوية لتوزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم على حساب عمليات الحفر الجديدة، وهي الاستراتيجية التي حققت ربحية. منذ مارس 2020، ارتفع مؤشر "إس أند بي 500" لقطاع الطاقة بما يقرب من 200%، متجاوزاً مكاسب المؤشر العام "إس أند بي 500" التي بلغت 60% تقريباً.

أما الآن؛ في ظل تزايد الدعوات لتحقيق ذروة إنتاج النفط الصخري، أصبح لدى "أوبك" عامل أقل يجب مراعاته عند اتخاذ القرارات بشأن الإمدادات.

إنَّه أمر منغِّص بالنسبة إلى الرئيس جو بايدن، الذي سارع إلى التقليل من تأثير قرار المنظمة وحلفائها بخفض الإنتاج بأكثر من مليون برميل يومياً. فقد تعهّد "بايدن" بعد عملية خفض أولية للإنتاج العام الماضي بأنَّ ذلك سيجلب "عواقب" على السعودية، لكنَّ الإدارة لم تتخذ خطوات بعد.

منحنى العقود الآجلة

تمت إثارة الحديث بشأن بلوغ برميل النفط مستوى 100 دولار منذ نهاية العام الماضي، لكن يبدو أنَّ هذا المستوى ما يزال مؤجّلاً. في البداية، كان بعض المحللين قد توقَّع وصول الأسعار إلى هذا الحد في الربع الثاني من عام 2023. وتأجلت هذه التوقُّعات إلى النصف الثاني من العام، وفي الوقت الحالي لا يتوقَّع حتى بعض أبرز المراهنين على الارتفاع بلوغ هذا الرقم السحري حتى العام 2024.

يعكس منحنى العقود الآجلة للنفط تلك التوقُّعات. فقد ارتفعت أسعار العقود المرتبطة بعمليات التسليم حتى ديسمبر 2024 و2025 بمستوى كبير، برغم بدء تراجع العقود الآجلة القياسية لشهر الاستلام.

قال هاري ألثام، المحلل لدى شركة الوساطة "ستون إكس" (StoneX): "من المؤكّد أن َّخفض إنتاج (أوبك+) يثير احتمال الوصول إلى مستوى 100 دولار للبرميل هذا العام، على الرغم من أنَّه ليس أمراً واقعاً بأي حال من الأحوال. من الواضح أنَّ ضعف جانب الطلب الناجم عن اعتبارات النمو يلعب دوراً أكثر وضوحاً".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك