أدت التخفيضات المفاجئة للإنتاج من قِبل "أوبك+"، أمس الأحد، إلى إعادة تشكيل توقعات أسعار النفط، معيدةً مستوى 100 دولار للبرميل إلى الصورة.
قبل الإعلان عن التخفيضات، أشارت الأرقام الصادرة عن التحالف إلى الحاجة لضخ المزيد من النفط، وليس لتقليصه، في النصف الثاني من 2023. ومع توقعات وكالة الطاقة الدولية بنمو الطلب في وقتٍ لاحق من هذا العام، يتجدد الخطر من زخمٍ تضخمي جديد للاقتصاد العالمي.
بوب مكنالي، رئيس "رابيديان إنرجي غروب" (Rapidan Energy Group) والمسؤول السابق بقطاع الطاقة في البيت الأبيض، رأى في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ"، اليوم الإثنين، أن خطوة التخفيض تستند إلى "خلفية صعودية، وإذا كان الأمر كذلك، فسنشهد سعراً للبرميل عند 100 دولار بسرعة فائقة".
صدم تقليص المعروض، المعلن خلال عطلة نهاية الأسبوع، المتداولين والمحللين، وأثار الذعر بين البائعين على المكشوف المتبقين في السوق.
ارتفع سعر خام برنت بنسبة 8.4%، اليوم الإثنين، قبل أن تتقلص مكاسبه ليُتداول أعلى بنسبة 5% عند 83.94 دولار للبرميل اعتباراً من الساعة 10:22 صباحاً بتوقيت لندن.
لم يكن قرار التخفيض مفاجئاً بسبب التكتم الشديد عليه فحسب، بل كونه جاء أيضاً في وقتٍ كان فيه سعر النفط يشهد ارتفاعاً بعد تراجعٍ خلال الربع الأول من العام، كما كان وزراء "أوبك+" يؤكدون علناً على التزامهم بمستهدفاتهم الإنتاجية للعام بأكمله.
"صانع المفاجآت"
ليست هذه المرة الأولى التي يفاجئ فيها تحالف "أوبك+" الأسواق، حتى أن حليمة كروفت، رئيسة استراتيجيي السلع في "آر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets)، أطلقت على وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان لقب "صانع المفاجآت".
في المرة الأخيرة التي واجه فيها "أوبك+" انتقادات لخفضه الإنتاج بشكلٍ غير متوقع، كانت خطوته مبرّرة في النهاية، فتقليص المعروض بمقدار مليوني برميل يومياً، في أكتوبر، استبق تصحيحاً خفيفاً في الطلب العالمي. كما أن تراكم مخزونات النفط بشكل مطرد خلال الأشهر التي تلت ذلك، أشارت إلى أنه كان من الممكن حدوث انخفاضات أكبر في الأسعار لولا عملية التخفيض.
أمّا هذه المرة، فكان تحرُّك تحالف المنتجين مدفوعاً، جزئياً، بتباطؤ الاقتصاد العالمي والأزمة المصرفية، وهما مسألتان مرتبطتان بشكلٍ وثيق بالتضخم المتفاقم وأسعار الفائدة المرتفعة.
نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك قال في مقابلة مع تلفزيون "روسيا 24" بعد محادثات عبر الإنترنت مع نظرائه في "أوبك+" خلال اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة: "نلحظ الكثير من عدم اليقين اليوم، وقد أُخذ ذلك بالاعتبار في اجتماع اليوم"، مضيفاً: "نرى أن الأزمة المصرفية في أوروبا والولايات المتحدة تؤثر بشدة على سوق النفط".
ارتفاع قصير الأجل
سيقلل قرار خفض إنتاج النفط من احتمالية حدوث هبوط حاد في حال وقع ركود كامل بوقتٍ لاحق من العام. مع ذلك، فإنه يزيد أيضاً من فرص حدوث ارتفاع قصير الأجل بأسعار النفط الخام، ما قد يؤجج العوامل التضخمية التي أحدثت الاضطراب في الاقتصاد العالمي.
كتب محللو "سيتي غروب"، ومن ضمنهم إد مورسي، في تقرير: "من الواضح أن إجراءات "أوبك+" تركز على دعم السوق التي كانت تبدو أضعف بشكلٍ متزايد. وبالنظر إلى وضع السوق وتغطية مراكز البيع، يبدو أن الارتفاع الحاد الآن أمر لا مفر منه، لكن يمكن أن يتبعه إدراك أن السوق أضعف بكثير مما يعتقده الناس".
من المرجح أن تردع اتفاقية "أوبك+" المضاربين عن المراهنة ضد ارتفاع الأسعار للمدى القصير.
قبل أسبوعين فحسب، كان مديرو الأموال يملكون أكبر مركز استثماري مكشوف لهم في خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط منذ نوفمبر 2020. وفي المرة الأخيرة التي قاموا فيها بمثل هذا الرهان الكبير ضد أسعار النفط، قال الأمير عبد العزيز إن المضاربين سيعانون.
تظهر أسواق عقود الخيارات الآن تحوّلاً صعودياً في المعنويات، حيث يتيح عقد خيارات خام برنت الأكثر حيازة على مدة الشهور الـ12 المقبلة لحامله شراء العقود الآجلة بمبلغ 100 دولار، وفقاً لبيانات "أي سي إي فيوتشرز يوروب" (ICE Futures Europe).
بخلاف رد فعل السوق الأولي في الساعات التي تلت إعلان "أوبك+"، ستكون مخزونات النفط هي العلامة الرئيسية للتأثير الفعلي للتخفيضات واتجاهات الأسعار في الشهور المقبلة.
كانت هناك علامات على تراجع المخزونات في الأسابيع الأخيرة. ففي الولايات المتحدة -حيث الأرقام الرسمية هي الأكثر وضوحاً لأنها تُنشر أسبوعياً- انخفضت مخزونات النفط بأكثر من 20 مليون برميل خلال الأسبوعين الأخيرين. كما تراجعت المخزونات العالمية في سبعة أسابيع من أصل الأسابيع التسعة الماضية، وفقاً لشركة "فورتكسا" (Vortexa).
لكن الطريق مازال طويلاً، إذ تظهر بيانات "كايروس" (Kayros) أنه في بداية أبريل، كانت مخزونات الخام العالمية لا تزال أعلى بنحو 140 مليون برميل فوق مستوى العام السابق. لكن مع سحب مليون برميل إضافية يومياً من المعروض في السوق، في وقت يُتوقّع أن يرتفع الطلب بشكل مطرد خلال هذه الفترة، سيؤدي ذلك إلى تآكل هذا الفائض.
نادية مارتن ويغين، المحللة في "باريتو" (Pareto) للأوراق المالية ترى أن "خطوة خفض الإنتاج صعودية للغاية، وستنعكس على السحب من المخزونات بشكل فوري. هذا الخفض يثبت مرة أخرى أن "أوبك+" استباقية في إدارة توازن العرض والطلب وتتطلع لـ90 إلى 100 دولار للبرميل".