خافير بلاس: صفقات الرياض في بكين ترفع ذروة طلب الصين على النفط

أحد أعضاء فرق الرقص الصينية يحمل رأس التنين خلال أحد المراسم في السعودية - AFP
أحد أعضاء فرق الرقص الصينية يحمل رأس التنين خلال أحد المراسم في السعودية - AFP
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تصدر شركة "تشاينا ناشيونال أويل كورب" (CNOC) المملوكة للدولة، تقديراً كل عام للموعد الذي يصل فيه طلب الصين على النفط إلى ذروته. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، لم يتغير كثيراً هذا الموعد المحدد في عام 2030 تقريباً، إلا أن الذروة التي يتحدث عنها آخذة في الارتفاع.

في عام 2018، قالت "تشاينا ناشيونال أويل" إن ذروة الاستهلاك الصيني للنفط ستبلغ نحو 690 مليون طن متري، ثم زادت تقديراتها في 2019 إلى 705 ملايين طن، ثم إلى 740 مليون طن في 2020، لتبلغ كما في تقديرات 2021 نحو 780 مليون طن. وبتحويل الكمية إلى عدد براميل على أساس يومي باستخدام معامل التحويل المعتاد، فإن الزيادة ما بين 2018 و2021 تعادل ارتفاعاً بأكثر من 1.8 مليون برميل يومياً، أو تقريباً ما يعادل حجم استهلاك ألمانيا اليومي من النفط حالياً.

رغم كل ما يُثار حول تراجع الطلب الصيني على النفط، سواء كان بسبب سياسات تغير المناخ أو النمو الاقتصادي المحدود، فإن مشتريات الصين من النفط الخام تتزايد، ويُرجّح أن تتواصل هذه الزيادة لبضع سنوات أخرى على الأقل، نظراً للاتفاقات الجديدة بين الصين والمملكة العربية السعودية.

موطئ قدم سعودي في الصين

حاول السعوديون لعقود، دخول قطاع تكرير البترول في الصين، من خلال محاولة شراء حصص في شركات باعتبارها موطئ قدم لتوريد مزيد من النفط إلى الصين. إنها استراتيجية الرياض القديمة ذاتها، حيث اعتمد السعوديون الطريقة ذاتها في أسواق النفط الكبيرة الأخرى، واستثمروا في شركات التكرير، من اليابان إلى الولايات المتحدة إلى كوريا الجنوبية. ومقابل الأسهم، رسّخت السعودية مبيعات نفطها. إنه استثمار في صورة المال مقابل النفط، والذي يضمن للمملكة طلباً مستمراً على نفطها.

الأسعار والصين تقفز بصادرات النفط السعودية إلى تريليون ريال

مع ذلك، لم تفلح الاستراتيجية السعودية في الصين أيضاً. لم تحقق الرياض استفادة تذكر من الجهود التي بذلتها على مدى عقود. فحتى الآن، لا تمتلك السعودية سوى حصة 25% من مصفاة تكرير بطاقة إنتاجية قدرها 300 ألف برميل يومياً، وهو مشروع يعود إلى منتصف التسعينيات، عندما فتحت بكين أبواب قطاع تكرير النفط لجذب رؤوس الأموال والخبرات الفنية.

ثابرت الرياض، لكنها واجهت عواقب عديدة. لم تكن بكين متحمسة للسماح للأجانب بإدارة قطاع النفط لديها، فضلاً عن الجوانب الاقتصادية لم تكن ملائمة: فغالباً ما حددت الحكومة الصينية أسعار الوقود المحلية عند مستويات أقل بكثير من المستويات العالمية، ما اضطر شركات التكرير إلى تحمّل الفرق في الأسعار. منذ ذلك الحين، خفت وطأة المشكلتين معاً. فها هي بكين تسعى مجدداً إلى جذب رؤوس الأموال إلى قطاع البتروكيماويات، فيما الأسعار المحلية للبنزين والديزل تقارب مستويات الأسعار العالمية. بعد أكثر من 3 عقود على رهان الرياض على بكين، بدأ هذا الرهان يأتي بثماره.

تأمين الطلب

أعلنت شركة "أرامكو" السعودية المملوكة للدولة يوم الأحد، بدء إنشاء مصفاة تكرير جديدة بطاقة إنتاجية قدرها 300 ألف برميل يومياً في الصين، وسيبدأ تنفيذ المشروع الذي طال انتظاره، في الربع الثاني بعد الحصول على كل الموافقات الإدارية. تمتلك "أرامكو" 30% من المشروع، وقالت إنها ستورّد 210 آلاف برميل من النفط يومياً إلى مجمع التكرير الجديد. كما أوضحت الشركة يوم الإثنين أنها ستشتري حصة 10% من الأسهم بقيمة 3.6 مليار دولار في شركة "رونغشنغ بترو كيميكال كو" (Rongsheng Petrochemical Co) المشاركة في ملكية أكبر مصفاة تكرير في الصين والبالغة طاقتها الإنتاجية 800 ألف برميل يومياً. قالت "أرامكو" إنها ستورّد 480 ألف برميل يومياً إلى المصفاة، كجزء من الصفقة.

صفقات أرامكو في الصين تؤمن إمداداتها وتعزز تفوقها على منافسيها

خلال يومين، ضمِنت السعودية سوقاً لتصريف نحو 700 ألف برميل يومياً من إنتاجها، وهذا يفوق حجم الاستهلاك اليومي لاقتصاد أوروبي متوسط الحجم، مثل هولندا.

هل الأمر يستحق مثل هذا الاستثمار؟ بالنسبة إلى السعودية، فإن الجانب الأهم للاستثمار في مصافي التكرير، ليس الأرباح الناتجة عن تكرير النفط، بل هو ضمان وجود الطلب عليه. تسعى السعودية والدول الأخرى الغنية بالنفط بكل قوة للوصول إلى عملاء طويلي الأجل، وليس هناك ما يضاهي الفرصة التي تقدّمها الصين في أي مكان آخر من حيث حجم العقود ومدتها، وهو جانب له الأهمية ذاتها. تستكشف "أرامكو" مشروعات مصافي التكرير في الهند، التي قد تقارب حجم الفرص في الصين بمرور الوقت، لكنها لم تصل إليها بعد، إذ تستهلك نيودلهي يومياً نحو 5.5 مليون برميل من النفط، مقارنة بنحو 16 مليون برميل تستهلكها الصين يومياً. ستحتاج الهند إلى عقود طويلة لتصل إلى ذلك الحجم، حتى في حالة تباطؤ النمو في الصين.

ستقطع صفقات التوريد السعودية التي ستمتد لعقود مع شركات التكرير الصينية، الطريق على روسيا وإيران للفوز بجزء من الحصة السوقية، رغم بيعهما النفط بأسعار مخفضة.

يتسارع نمو طلب الصين على النفط بعد تخليها عن سياسة "صفر كوفيد". أعلنت "تشاينا ناشيونال أويل" الإثنين عن أن متوسط الاستهلاك في 2023 يُرجّح أن يصل إلى 756 مليون طن. لم يتغير مستوى الذروة المتوقع بلوغه في 2030، والمقدّر بـ780 مليون طن، الأمر الذي لا يمنح الصين مساحة كبيرة للمناورة. على الأرجح، ستغيّر "تشاينا ناشيونال أويل" القواعد كما فعلت في الماضي، عبر تحديد مستهدفات جديدة. لا يزال موعد ذروة الطلب على حاله، أي في 2030، لكن الذروة نفسها ستزيد بملايين الأطنان، وهذا خبر مفرح للسعودية.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

Javier Blas

Javier Blas

Energy and commodities columnist at Bloomberg.
للإتصال بكاتب هذا المقال:@JavierBlas
الآراء الأكثر قراءة