تسببت الاضطرابات المصرفية ومخاطر الركود في حدوث مشكلات لسوق الطروحات العامة الأولية على مستوى العالم، ما يبقيها غارقة في ركود، حتى بعد أن دخل المستثمرون العام معتقدين بأن الأسوأ قد ولى فيما يتعلق بمسيرة الأسهم الهبوطية.
لم تجمع الشركات سوى 19.7 مليار دولار من خلال الطروحات العامة الأولية في 2023، وفقاً لبيانات "بلومبرغ"، ما يمثل انخفاضاً بنسبة 70% على أساس سنوي، وهو أقل مبلغ يمكن مقارنته منذ 2019. شهدت الولايات المتحدة أكبر انخفاض، إذ جمعت 3.2 مليار دولار فقط. واستمر ضعف النشاط منذ العام الماضي، عندما أدى التضخم المرتفع ورفع البنوك المركزية أسعار الفائدة بشدة إلى إضعاف شهية المستثمرين للمخاطرة.
تلاشى ارتفاع الأسهم القوي في بداية 2023، والذي جاء مدفوعاً بالتفاؤل إزاء تخلي الصين عن سياستها "صفر كوفيد" والارتفاعات الأقل في أسعار الفائدة، إلى حد بعيد، وتبددت معه الآمال في معاودة فتح سوق الاكتتاب العام.
أضافت المشكلات التي تعصف بالقطاع المصرفي في أعقاب انهيار بنوك متوسطة الحجم في الولايات المتحدة ومتاعب مجموعة "كريدي سويس" حالة من عدم اليقين بشأن مسار أسعار الفائدة بينما يعمل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على احتواء التضخم مع تجنب المزيد من التراجع الاقتصادي.
قال أودهاي فورتادو، الرئيس المشارك لأسواق أسهم منطقة آسيا والمحيط الهادي في "سيتي غروب": "أسعار الفائدة هي المشكلة الأولى، وهناك نقاش واضح على مدة بقاء التشديد النقدي أو تغيير الاتجاه وبأي سرعة".
وأضاف: "هناك عدد من الأشياء سيحتاج الناس إلى رؤيتها، ومنها اتجاه البنك المركزي، للتأكد مما إذا كان الأمر سيحدث في الربع الثاني أو الثالث أو الرابع"، في إشارة إلى موعد معاودة فتح سوق الاكتتاب العام.
يعتبر الاستقرار الذي تحتاجه الاكتتابات الأولية غائباً إلى حد بعيد، مع ارتفاع مؤشر التقلب الذي يخضع لمراقبة عن كثب إلى أكثر من 20 نقطة في مارس الجاري، بعد انهيار "سيليكون فالي بنك" وغيره من المصارف الإقليمية في الولايات المتحدة، كما أن هناك دلائل على أن المشكلات المصرفية لها تأثير على خطط الاكتتاب العام للشركات.
صفقة معلقة
أوقف "أولدنبورغيشه لاندزبنك" (Oldenburgische Landesbank)، وهو بنك ألماني مدعوم من الشركات الخاصة، العمل مؤقتًا في طرح عام أولي مخطط كان من المتوقع أن يتم في وقت مبكر من مايو المقبل، بسبب مخاوف المستثمرين بشأن سلامة النظام المصرفي العالمي، حسبما ذكرت "بلومبرغ نيوز" يوم الخميس.
وقالت ستيفاني نيفن، مديرة محافظ الأسهم العالمية المستدامة في "ناينتي وان": "لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن ما سيحدث في نهاية هذا العام لدرجة أنني أعتقد أنه يثير حقاً قلق المستثمرين بشدة. هذا يبدو وكأنه وقت غير موات لاستثمار رأس المال في أعمال لا نعرفها".
كانت النقطة المضيئة الوحيدة في نشاط أسواق رأس المال هي مبيعات الأسهم في الشركات المدرجة. وأظهرت البيانات أن الطروحات الثانوية حققت 76 مليار دولار هذا العام، بزيادة 48% عن العام الماضي.
يشمل ذلك صفقة تجارية مجمعة في "جابان بوست بنك" يمكن أن تجمع ما يصل إلى 1.3 تريليون ين (9.9 مليار دولار)، وهي أكبر عملية بيع من هذا النوع في نحو عامين.
سارع المساهمون والشركات إلى بيع الأسهم للاستفادة من مسيرتها الصعودية في بداية العام وتأمين التمويل في ظل ارتفاع أسعار الفائدة. وتعني التكلفة المرتفعة للديون أيضاً أن بعض الشركات تفكك حيازاتها المتبادلة لتسييل رأس المال من أجل سداد الديون واحتياجات التمويل الأخرى.
تخلص من الأسهم
جمعت "فومينتو إيكونوميكو ميكسيكانو" 3.7 مليار يورو (4 مليارات دولار) من طرح متزامن لأسهمها وأوراقها المالية المرتبطة بالأسهم في "هاينكن" (Heineken) في فبراير، وهي أكبر صفقة من نوعها في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا منذ 2004. ومن بين عمليات البيع الكبيرة الأخرى للأسهم طرح مجموعة شركات ما قيمته 2.4 مليار دولار من أسهمها في بورصة لندن، وتخلص بلجيكا من أسهم قيمتها 2.3 مليار دولار في "بي إن بي باريبا" (BNP Paribas).
تحوّلت الشركات أيضاً إلى السندات القابلة للتحويل، والتي تسمح لها بالاقتراض بتكلفة أقل، نظراً لأن هذه الأوراق المالية تتضمن خيار شراء. وعمدت شركات من "ديليفري هيرو" (Delivery Hero) الألمانية لتوصيل الطعام إلى شركة إنتاج المقاطع الترفيهية المصورة "آي كيو آي واي آي" (iQIYI) الصينية، ومصنعة السيارات الكهربائية "ريفيان أوتوموتيف" (Rivian Automotive) جميعها إلى بيع السندات. وجُمع نحو 6.4 مليار دولار من السندات القابلة للتحويل على مستوى العالم هذا العام، وفقاً لبيانات "بلومبرغ".
وحتى بعد التقلبات الناجمة عن انهيار "سيليكون فالي بنك"، فإن المصرفيين متفائلون بأن نشاط أسواق رأس المال سوف ينتعش بمجرد وجود مجال لذلك، خاصة بالنسبة للطروح الثانوية السريعة، في حين ستظل السندات القابلة للتحويل أداة تمويل جذابة.
قال لورانس جاميسون، رئيس أسواق أسهم منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في "باركليز" (Barclays) في 22 مارس: "ما زلنا متفائلين بحذر إزاء توقعات نشاط الإصدار. العدوى المصرفية التي بدأت بانهيار سيليكون فالي بنك تشير على ما يبدو إلى صدمة ثقة وليس صدمة ائتمان".
وأضاف: "ما رأيناه خلال اليومين الماضيين هو أن الأسواق تعمل من خلال (مخاطر الذيل) - تعني مخاطر الخسارة في ظل سيناريوهات ذات احتمالية منخفضة للغاية - التي ظهرت. إذا استمرت التقلبات أيضاً في التراجع، فقد يسمح هذا باستئناف نشاط أسواق الأسهم الطبيعي بشكل أكبر في وقت قريب للغاية ربما الأسبوع المقبل".