يلوح في الأفق تغيير ملحوظ في الطلب على النفط، حيث يُتوقع أن تتفوق الهند على الصين باعتبارها أهم محرك للنمو العالمي- وربما الأخير، في ظل تحول العالم إلى مستقبل أكثر اخضراراً.
سيساعد تضخم عدد السكان في الهند الذي يُرجح أن يكون قد تجاوز بالفعل عدد سكان الصين، في دعم هذا النمو إلى جانب اتجاهات الاستهلاك. يُتوقع أن تتأخر الهند في تحولها عن وسائل النقل التقليدية التي تعتمد على البنزين والديزل مقارنةً بالدول الأخرى، بينما يُواصل اعتماد الصين على السيارات الكهربائية ارتفاعه.
رغم استبعاد احتمال تكرير الهند الحجم الهائل لشبكة النفط الصينية التوسعية –حيث يبلغ استهلاك النفط الخام اليومي في الهند ثلاثة أضعاف الدولة المجاورة– يُراهن التجار ومنتجو النفط الذين يتطلعون إلى الاستفادة من نمو الطلب العالمي المتناقص، على الدولة الواقعة في جنوب آسيا خلال العقد المقبل.
قالت بارسلي أونغ، رئيسة أبحاث الطاقة والكيماويات في آسيا في بنك "جيه بي مورغان تشيس"، في هونغ كونغ: "لطالما كان متوقعاً أن تتجاوز الهند الصين، لكونها محرك نمو الطلب العالمي، ويرجع ذلك أساساً إلى العوامل الديموغرافية مثل النمو السكاني".
حوّل انتعاش اقتصاد الصين في بداية القرن، الدولة إلى مستهلك قوي للسلع بدءاً من النفط الخام وصولاً إلى المعادن والحبوب، ما وفّر دفعة للبلدان الغنية بالموارد في جميع أنحاء العالم. أما بالنسبة إلى النفط، تقترب نهاية فترة ازدهاره، حيث توقعت مؤسسة الصين الوطنية للبترول مؤخراً أن يبلغ استهلاك النفط في الصين ذروته في نحو عام 2030.
ويبدو أن التغيير الذي قد يشهده قائد نمو الطلب أقرب من المتوقع.
"الازدهار الأخير" في الصين
يتوقع إد مورس، رئيس أبحاث السلع في "سيتي غروب"، أن يكون انتعاش الصين بعد سنوات من قيود كوفيد الصارمة، بمثابة "آخر ازدهار" للطلب في البلاد. كما يعتقد فيكتور كاتونا، كبير محللي النفط الخام في شركة "كبلر"، أن نمو الطلب على النفط في الهند سيتجاوز الطلب في الصين اعتباراً من عام 2026. كما يُتوقع أن يصل الطلب على النفط في الهند إلى ذروته في وقت لاحق من عام 2036.
في هذا الإطار، قالت إيما ريتشاردز، كبيرة المحللين في "فيتش سوليوشنز" في لندن: "إن دور الصين كمحرك عالمي لنمو الطلب على النفط يتلاشى بسرعة". مُضيفةً أنه على مدى العقد المقبل، ستنخفض حصة الصين من إجمالي نمو الطلب على النفط في الأسواق الناشئة من نحو 50% إلى 15%، بينما ستتضاعف حصة الهند لتصل إلى 24%.
تبرز الهند كلاعب فعال في سوق النفط بعد غزو روسيا لأوكرانيا منذ أكثر من عام. حيث أصبحت الدولة الواقعة في جنوب آسيا مستهلكاً رئيسيا للخام الروسي، ما حول نفط الدولة المنتجة في "أوبك+" إلى وقود يُشحن غالباً إلى مناطق أخرى مثل أوروبا والولايات المتحدة.
فرصة جذابة
ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن الهند كمركز جديد لنمو الطلب على النفط، مع توقعات مماثلة في منتصف العقد الماضي. وإذا تحقق ذلك هذه المرة، يُرجح أن يكون الانتقال إلى الصدارة بعيداً عن السلاسة ومتعثراً بسبب البيروقراطية.
كانت شركات التكرير التي تديرها الدولة بطيئة في تحديث عملياتها، حيث لا تزال تتبع بصرامة العملية التقليدية والمرهقة لإصدار مناقصات للمشتريات الفورية للنفط، بدلاً من اتباع نهج أكثر مرونة للتفاوض وتوقيع الصفقات مباشرةً مع الأطراف المقابلة.
مع ذلك، فإن حماس الهند السريع نحو النفط الخام سيجعل من الدولة الواقعة في جنوب آسيا فرصة جذابة للتجار والمنتجين الأجانب على المدى الطويل، كما قالت فاندانا هاري، مؤسسة "فاندا إنسايتس" في سنغافورة.
طفرة السيارات الكهربائية
تسعى الهند جاهدةً للتحول إلى صناعة السيارات الكهربائية، بما في ذلك الانتقال إلى مصادر طاقة بديلة أقل تلويثاً، لكن تُعتبر الهند متأخرة عن الدول الكبرى الأخرى، ما يُرجح استمرار اعتمادها على الوقود الأحفوري لفترة أطول.
في المقابل، كان تبني الصين للسيارات الكهربائية سريعاً، وهي علامة مشؤومة على تراجع الطلب على البنزين على المدى الطويل في أكبر سوق للسيارات في العالم. حيث تضاعفت مبيعات السيارات الكهربائية في الصين تقريباً لتصل إلى 6.1 مليون سيارة في 2022، مقارنةً بـ48 ألف سيارة للهند، وفقاً لـ"بلومبرغ إن إي إف"، كما أشارت إلى أن المركبات الكهربائية تحل مكان أكثر من 1.4 مليون برميل يومياً من النفط على مستوى العالم.