لا تعدو الضجة المثارة في لندن حول تحول الإدراج من بورصتها إلى نيويورك أن تكون مجرد زوبعة في فنجان شاي بريطاني مقارنة بالغضب العارم الذي يجتاح إسبانيا بشأن الطموحات الأميركية لشركة "فيروفيال" (Ferrovial). فالشركة المالكة لمطار هيثرو، والتي يقع مقرها بمدريد تريد إدراج أسهمها في الولايات المتحدة أيضاً، ونقل مقرها الرئيسي إلى هولندا.
ربما يكون الرابط بين مكان تداول أسهم شركة ومكان مقرها الرئيسي غير مباشر، لكنه موجود ويستحق مزيداً من التدقيق.
تشهد لندن فجأة موجة من تفضيل الشركات المتعددة الجنسيات لنيويورك كمكان إدراج رئيسي أو وحيد لها. وتنطوي مثل هذه التحركات على قدر من المنطق المرتبط بتمويل الشركات. ربما يكون من الأكثر فاعلية لشركة ما الإبلاغ عن أرباحها وتداول أسهمها بالعملة المهيمنة على تدفقاتها النقدية- والتي تكون غالباً الدولار.
وإذا كانت تلك الشركة تتوسع في الولايات المتحدة عن طريق الاستحواذ، فيمكن استخدام الأسهم المدرجة في نيويورك كوسيلة للدفع. كما أن الإدراج في الولايات المتحدة يعني أن تكون في مرمى أنظار مجتمع المحللين والاستثمار الأميركي الضخم أكثر مما تحظى به عند الاكتتاب في أي مكان آخر.
عوامل جذب أميركية
علاوة على ذلك، عندما قالت "سي آر إتش"، ومقرها دبلن، والمدرجة في لندن الأسبوع الماضي إنها ستستفيد من كون الولايات المتحدة مقر إدراجها الأساسي، استشهدت شركة مواد البناء بالفرص "التجارية" و"التشغيلية" التي سيوفرها لها ذلك. وربما تبدو في موقفها هذا كشركة محلية قد يساعدها طرح أسهمها هناك في كسب الأعمال في بيئة ترفع شعار "اشترِ الأميركي" حالياً.
ثمة عوامل محددة تدفع في هذا الاتجاه أيضاً. فقاعدة المستثمرين المحليين في المملكة المتحدة تضاءلت مع تحول صناديق التقاعد إلى السندات. وعلى قدر وجود دعم محلي، هناك صناديق دخل ذات صوت عالٍ. والنتيجة هي أن مؤشر "فايننشال تايمز 100" نما بالكاد خلال عقدين من الزمن ويوزع أرباحاً عالية، يمكن القول إنها على حساب شركات تستثمر من أجل النمو المستقبلي.
اعتقدت "سي آر إتش" أنها ستستفيد من تحويل إدراجها الرئيسي إلى لندن من دبلن في 2011. لكن أحجام التداول تقلصت. وكانت شركة "آرم" (Arm) لصناعة الرقائق مدرجة في لندن قبل أن تشتريها "سوفت بنك غروب" في 2016.
وفي حين أن "آرم" ربما تكون كبيرة ومتميزة بما يكفي لجذب قاعدة مشترين قوية لأسهمها أينما تُدرج، يفضل "سوفت بنك" طرحها مجدداً في نيويورك، سعياً لتعظيم جاذبيتها لمديري المحافظ الأميركية.
أهمية المقر الرئيسي
بخصوص المقار الرئيسية، تعتزم "سي آر إتش" البقاء في أيرلندا، ولم يتضح بعد ما إذا كانت "آرم" ستنقل مقرها الرئيسي من كمبردج. إذاً، لماذا الوضع مختلف مع "فيروفيال"؟
أشارت الشركة إلى أن الانتقال المخطط له إلى هولندا مطلوب "لتسهيل" الإدراج في الولايات المتحدة مستقبلاً، ما يعني ضمناً أن قواعد السوق الإسبانية تمنع مثل هذه الخطوة. ورداً على ذلك، قالت السلطات التنظيمية الإسبانية إن الوضع لم يسبق له مثيل لأن الشركات تستخدم حتى الآن أوراقاً مالية بالوكالة تسمى إيصالات الإيداع الأميركية للوصول إلى المستثمرين الأميركيين. وأقرت بأن "تعديلات معينة" قد تكون مطلوبة كي يتسنى لشركة إسبانية إدراج أسهمها في الولايات المتحدة. منظومة الأعمال في أمستردام لا يكتنفها مثل هذا الغموض.
يمكن غضب الحكومة الإسبانية تفهمه، فالمقر الرئيسي هو المكان الذي تُتخذ فيه القرارات المهمة. ولا يقتصر الأمر على أن رؤساء الشركات ربما يعيدون النظر في خفض الاستثمار في بلدانهم. ويعد مركز الشركة مصدراً مباشراً للوظائف عالية القيمة، ويغذي ذلك شركات المساعدة والدعم في قطاع الخدمات المهنية، ما يعزز بدوره جاذبية المدينة للشركات الكبيرة الأخرى.
تأثير عنقودي
إذاً، فخسارة مقر رئيسي أمر له تأثير عنقودي من المعاناة. لسوء الحظ، عززت مدريد الانطباع بأنها ليست في صف الشركات الكبرى من خلال بحث ما إذا كان بإمكانها منع خروج "فيروفيال" بالقوة، لكن دائما الجزرة أفضل من العصا وما يدرك باللين لا يدرك بالشدة.
هنا لا يمكن إخلاء "فيروفيال" من المسؤولية واللوم تماماً. فكان على رئيس مجلس إدارتها الملياردير، رافائيل ديل بينو كالفو سوتيلو، أن يعد للأمر بعناية أكبر. وإذا كان تحرك الشركة نحو هولندا يرجع حقاً إلى أمور فنية في إسبانيا، فيجب أن تضغط لحلها. وفي الوضع الحالي، ستكافح "فيروفيال" لتبديد الشكوك حيال وجود دوافع أخرى، مثل إطار الحوكمة الذي يسهل من مهمة إدارة الشركات في هولندا، أو الإحباط من سياسة الأعمال الإسبانية.
لدى الشركات أربعة خيارات مميزة على ما يبدو فيما يتعلق بالموقع، وهي: مقرها الرئيسي، والإقامة لأغراض ضريبية، والإدراج الرئيسي، والمكان الذي تعيش فيه الإدارة وتعمل.
يمكن أن تتوافر هذه الخيارات في بلدان مختلفة. ولكن غالباً ما يتأثر خيار الإدراج باعتبارات مؤشر البورصة وقوته، ويمكن أن يكون موقع المقر الرئيسي عاملاً هنا. عندما أرادت شركة "يونيليفر" تبسيط هيكلها الفريد (الغريب) الذي يضم شركات منفصلة في المملكة المتحدة وهولندا، كان عليها التخلص من الإدراج في إحدى البلدين. تعثرت الخطة الأولية لتفضيل هولندا لأنها كانت تعني ترك المؤشر "فايننشال تايمز 100". لكن دمجها في بورصة لندن أبقى "يونيليفر" في كل من المملكة المتحدة وهولندا.
معركة المقار
لسيت هناك حاجة إلى وجود مقر الشركة في الولايات المتحدة لإدراجها على المؤشر "ستاندرد آند بورز 500" - فهناك حفنة من الشركات غير الأميركية في المؤشر- ولكن يمكن أن يكون ذلك عاملاً مساهماً في مساعدة الشركات على التأهل للإدراج.
لذلك فإن هناك عوامل جذب خاصة للشركات الأجنبية المدرجة في الأميركتين كي تنقل مقارها الرئيسية إلى هناك أيضاً. وأفادت تقارير بأن شركة "شل" تدرس نقل كل من الإدراج والمقر الرئيسي إلى الولايات المتحدة عندما كانت تبسط هيكلها الإنجليزي الهولندي. وختاماً، ربما تكون معارك الإدراج الحالية مجرد بداية معركة أكبر على المقار الرئيسية للشركات المتعددة الجنسيات.