قبل وقت طويل من إدارته لأفضل صندوق تحوط أداء في العالم، ترأس كيوين يونغكيانغ أكبر خدمة مواعدة عبر الانترنت في الصين. وقضى خريج جامعة "يال Yale" ساعات في تتبع وغربلة المستخدمين الجذابين ذوي الحسابات المريبة وإلغاء الآلاف من حسابات المحتالين لتحسين مصداقية الموقع وضمان نجاحه.
ويراهن يونغكيانغ على أن نفس الاهتمام بالتفاصيل والعائدات القوية ستحول شركته السنغافورية إلى عملاق في إدارة الثروات. وفي الفترة بين يناير وسبتمبر، سجلت " كيو كيو كيو كابيتال مانجمت QQQ Capital Management" مكاسب بنسبة 275%، ما جعلها أكثر صندوق تحوط ربحية في العالم، وفقاً لبيانات "يوريكهيدج"، وقالت "كيو كيو كيو" إن أصولها تحت الإدارة ارتفعت إلى حوالي مليار دولار خلال الشهر الماضي، وجاءت أغلب الأموال من كيوين يونغكيانغ.
وصاحب المكاسب مخاطر تركيز الأصول في قطاعات محددة، وهو أمر يتردد العديد من مديري الصناديق في القيام به، وتستثمر "كيو كيو كيو" أكثر من ثلث أصولها في شركات التعليم الصينية. ورغم أن أسهم تلك الشركات ارتفع العام الجاري، فقد تضررت نتيجة مخاوف بشأن الحملات التنظيمية وإدعاءات الاحتيال المحاسبي؛ وهبطت أسهم تلك الشركات بحدة في الأسابيع الماضية بعد توصيات المحللين بالابتعاد عنها.
وقال كيوين في مقابلة: "عندما نستثمر، نعرف كل شيء عن القطاع أولاً، وأكبر خمسة أشخاص به، وطبيعة شخصياتهم، ونقاط ضعفهم، وقوتهم، وكل شيء عنهم".
ثورة ثقافية
ولد كيوين يونغكيانغ في عام 1972 – نفس العام الذي زار فيه الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الصين – وترعرع وسط النمو الاقتصادي السريع الذي تلى الثورة الثقافية. وبعدما تخرج من جامعة "نورث تشاينا" للتكنولوجيا، التحق بمركز تعليم وتخصص في مساعدة الطلاب الذي يتحضرون للدراسة في الجامعات بالخارج، ثم أخذ الخطوة بنفسه، وحصل على شهادة إدارة الأعمال من كلية "يال Yale" للإدارة في عام 2000. والآن يترأس مجلس مستشاري الصين الكبرى بالكلية.
وبعد العودة إلى الصين، عاد يونغكيانغ إلى مركز التعليم وأصبح شريكاً مؤسساً نتيجة توسعه وتسميته فيما بعد بمجموعة "نيو أورينتال إديوكيشن آند تكنولوجي" العملاقة في مجالها بقيمة سوقية تبلغ حوالي 26 مليار دولار في بورصة نيويورك. وبعدما ترك هذه الشركة، ساعد في بناء وبيع شركة مزودي المحتويات "أتوب سينشري"، واشترى حصة كبيرة في خدمة المواعدة عبر الإنترنت "جيايوان دوت كوم Jiayuan.com". ولكن مع ازدياد الضباب في بكين وإصابة أطفاله بالربو، انتقل إلى سنغافورة في 2013.
وقال: "أردت أن أؤسس شركة إنترنت في سنغافورة ولكن لم يكن الأمر ممكناً لأنه لا يوجد ما يكفي من الأشخاص الموهوبين تكنولوجياً.. لذا كان الشيء الوحيد الذي يمكن أن أقوم به هو في القطاع المالي".
وبعد خمس سنوات من إدارة حسابه الخاص، أصبح يونغكيانغ، البالغ من العمر 48 عاماً، محترفاً في 2018، وأسس "كيو كيو كيو" برأس مال 100 مليون دولار من ثروته الخاصة. وفي هذا العام بلغت عائدات الصندوق حوالي 40% رغم أنه عمل لثلاثة أرباع فقط. وفي عام 2019، حقق عائدات بنسبة 31%، متفوقاً على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في كلا العامين؛ وحصل الصندوق على رخصة محدثة من سنغافورة في أغسطس الماضي، ما مكنه من رفع أصوله فوق 250 مليون دولار سنغافوري (183 مليون دولار).
الحدائق النباتية
تتخصص "كيو كيو كيو" بشكل حصري في الأسهم المدرجة في بورصات الولايات المتحدة؛ لذا يستيقظ يونغكيانغ عند الظهيرة ويأكل قبل أن يمارس الرياضة حول الحدائق النباتية في سنغافورة، فيما يقضي بقية اليوم بالتواصل مع أصدقائه وعائلته قبل أن يبدأ العمل في الثامنة مساء قبل 90 دقيقة من افتتاح سوق نيويورك. وفي الساعات الثماني اللاحقة يظل منشغلاً على الإنترنت، يتصفح الأنباء، وتقارير الشركات، ووسائل التواصل الاجتماعي، ويتفحص الأسهم المتداولة.
ومثله مثل صناديق التحوط الأخرى، يقوم فريقه المكون من ستة أشخاص بالكثير من تحليلات البيانات البديلة، ويتداولون باستمرار أسهم شركة "تيسلا"، لذا هو يتفحص صور الأقمار الصناعية لمصنع السيارات وإفصاحات الشحن. ولدى شركته أيضاً أشخاص يحضرون حصص التعليم بعد المدرسة في الصين لمتابعة نسب الحضور، وتشتري الشركة أيضاً عقود خيارات البيع والشراء للمساعدة في التحوط من التحركات العنيفة في السوق.
ويقول كيوين يونغكيانغ إن الميزة التي يتمتع بها هي خبراته الريادية الناتجة عن إدارة الشركات، مضيفاً أن كل شركة يراهن عليها يتم اختيارها بعد آلاف الساعات من الأبحاث، وهو ما يعطيها الثقة في القيام برهانات كبيرة على مجالات مختارة بعناية. ولدى الشركة حالياً 55% من أصولها في صورة نقدية قبيل الانتخابات الأمريكية، وتراهن على أن مفاوضات المزيد من المحفزات ستفشل ما سيزعزع الأسواق.
وتراجع مؤشر "ستاندرد آندبورز 500" في أربع من خمس جلسات الأسبوع الماضي، ووصل لأدنى مستوى في خمسة أسابيع.
مبيعات مزورة
وآتت الرهانات المركزة على مجالات معينة ثمارها حتى الآن. وعلى مدار العام الماضي، ارتفعت "نيو أورينتال اديوكيشن New Oriental Education" بنسبة 31%، بينما ارتفعت "جي إس اكس تيك إديو GSX Techedu Inc" أربعة أضعاف، وصعدت "تال إديوكيشن غروب TAL Education Group" بنسبة 55%.
وقال محمد حسن، كبير المحللين في "يوركهيدج"، في بريد إلكتروني للوكالة: "يعود الأداء الفائق بقدر كبير إلى اختيارات الأسهم الجيدة في مجال التكنولوجية التعليمية". وأشار إلى أن الصندوق حقق عائدا بنسبة 444% منذ يونيو 2019؛ بينما ارتفع صندوق تحوط "يوريكهيدج لونغ شورت إكويتيز Eurekahedge Long Short Equities" بنسبة 4.7% حتى الآن العام الجاري.
وتأتي الرهانات بمخاطر كثيرة، فقط اعترفت شركة "تال TAL" في أبريل أن موظفاً قد يكون زور عقود بيع. وأعلنت "جي إس أكس GSX" الشهر الماضي أنها تخضع للتحقيق من قبل اللجنة الأمريكية للأورواق المالية والبورصات. وطلب المشرعون سجلات مالية تعود إلى 2017 بعد بلاغات تقدمت بها شركات البيع على المكشوف مثل "مادي واترز Muddy Waters".
وعندما نصح بنك "كريدي سويس غروب" – وهو أحد مستشاري طرح "GSX" الأولي للجمهور العام الماضي – عملائه ببيع أسهم الشركة في 21 أكتوبر، هبط السهم بنسبة 31%، وهذا التراجع يهدد مركز شركة "كيو كيو كيو" كأكبر رابح بين صناديق التحوط.
وقال ميلفن توي، أستاذ التمويل بجامعة سنغافورة للإدارة: "قد يسير عدم تنويع الأصول في الاتجاهين، فإذا كنت محقاً في تحليلاتك الاستثمارية فستحقق على الأرجح أموالاً كثيرة، ولكن إذا كنت مخطئاً فسيظهر الجانب السلبي الكبير"؛ مضيفاً أن التركيز الشديد لشركته قد يردع مستثمرين كبار عن الاستثمار فيها نظراً لأنهم يفضلون التنويع أكثر.
وقال متحدث باسم "كيو كيو كيو" إن الصندوق شهد "سحوبات صغيرة" مؤخراً ولكن استثمارات الصندوق محوّطة ولا يزال أداؤها جيداً.
ورفض كيوين يونغكيانغ التعليق على المزاعم ضد شركات التعليم، وقال إنه يثق في الشركات الرائدة الرئيسية ويفهم أسس القطاع.
وأوضح أن شركته منفتحة مع عملائها بشأن المخاطر، وفي بعض الأوقات ترفض أخذ أموال من مستثمرين تشعر أنهم لن يتحملوا الخسائر المحتملة.
وقال: "أنا لم أعط فريقي أي أهداف لجمع الأموال- ونحن نعمل منذ عامين ونصف العام فقط وسِجِلنا هو أهم شيء".