أسعار الفائدة الأساسية تستحوذ على الاهتمام الأكبر من تحركات "باول" وليست مؤشرات السوق

"الفيدرالي" لا يكترث كثيراً بالأسواق ومؤشراتها بقدر ما تفعل "وول ستريت"

جيروم باول أثناء جلسة استماع لجنة الشؤون المصرفية والإسكان والشؤون الحضرية في مجلس الشيوخ في واشنطن العاصمة في 22 يونيو 2022 - المصدر: بلومبرغ
جيروم باول أثناء جلسة استماع لجنة الشؤون المصرفية والإسكان والشؤون الحضرية في مجلس الشيوخ في واشنطن العاصمة في 22 يونيو 2022 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أصبح من الطقوس المصاحبة لكل مرة يتحدث فيها رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول أمام الصحافة أن يوجه أحد المراسلين سؤالاً له حول الظروف المالية فيرد قائلاً: إنهم شددوها للغاية، ما يثير سخرية مجتمع "وول ستريت".

بالنسبة لهم، تبدو الفكرة مثيرة للسخرية. رغم التراجع خلال الأسابيع القليلة الماضية، صعدت الأسواق في طفرات متقطعة على مدى 4 شهور، ما زاد من تقييمات الأسهم ويسّر على الشركات جمع السيولة المالية من أسواق الأسهم والسندات.

ترتب على ذلك أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سمح للمستثمرين بتقويض جهوده المبذولة للحد من تدفق الأموال وكبح معدل التضخم في الولايات المتحدة.

فلماذا جاءت هذه النتائج مختلفة بصورة هائلة؟

الظروف المالية

ترتبط الإجابة بشكل كبير بطريقة تعريف كل طرف للظروف المالية، حيث يميل المستثمرون لملاحظة المؤشرات التي تم إنشاؤها بواسطة المجتمع المالي. تحظى مؤشرات بنك "غولدمان ساكس غروب"، وشركة "بلومبرغ" وهي الشركة الأم لـ"بلومبرغ نيوز"، بشعبية واسعة.

تتمتع هذه المؤشرات بجودة عالية تقوم على قواعد مالية محددة تتسم بالتطور الكبير. وتلعب الفجوة بين أسعار الفائدة على سندات الشركات وسندات الخزانة الأميركية دوراً مهماً في كل واحد منها. وينطبق الأمر على مؤشر الذعر "فيكس" (VIX)، وهو مقياس لتقلبات سوق الأسهم، في مؤشر "بلومبرغ".

يبدو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يجعل فهم هذه المؤشرات أبسط بكثير، إذ أظهرت لايل برينارد طريقة تفكير صُناع السياسة النقدية حول هذا الموضوع الشهر الماضي أثناء خطابها الأخير كنائبة لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

استشهدت "برينارد" عند كشف الستار عن حجة تشديد الظروف المالية، بجانب أمور أخرى، بصعود أسعار الرهن العقاري بمقدار ضعفين السنة الماضية علاوة على حقيقة أن أسعار الفائدة قصيرة الأجل باتت تفوق معدل التضخم حالياً.

كانت رسالتها الواضحة متمثلة في تركيز بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بدرجة كبيرة على العامل المتغير الوحيد الذي يتحكم فيه ليمكنه من تقرير الظروف المالية -وهي أسعار الفائدة الأساسية- والتركيز بدرجة أقل للغاية على الأمور التي يتحكم فيها المضاربون.

بتعبير مختلف، لا يبدو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مهموم بما يجري في "وول ستريت" بنفس القدر الذي يعتقده مجتمع "وول ستريت".

يقول بوب إليوت، الذي شارك في تأسيس "أنلميتد فاندس" (Unlimited Funds) في نيويورك بعد قضاء 13 سنة من العمل لدى "بريدج وتر أسوسيشيتس" (Bridgewater Associates): "لا يولي باول حقاً اهتماماً لاتجاه سوق الأسهم سواء صعوداً أو هبوطاً".

وأضاف أن إدراك هذا الأمر يُعد مسألة ذات أهمية بالغة للمتداولين، حيث سيتخلص البعض من الأسهم في وقت مبكر مع بداية الصعود نتيجة مخاوف غير حقيقية من أن الارتفاعات تثير قلق مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. كما أن مستوى سوق الأسهم "ما لم يكن في أقصى الحدود، فلن يكون ذا صلة خاصة بسياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي".

تحركات الأسواق

في وقت من الأوقات، منح مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي الأمر اهتماماً أكبر بالأسواق. يرجع ذلك إلى وجود ويليام دادلي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

كان "دادلي" خبيراً اقتصادياً منذ مدة طويلة في "غولدمان ساكس"، وكان أحد واضعي مؤشر الظروف المالية الذي يصدره البنك. وعندما احتل رئاسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك خلال 2009، استحضر هذا النهج، الذي يضع الأسواق أمام عينيه، داخل مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

ستواصل أفرع لبنك الاحتياطي الفيدرالي الإقليمية -كانساس سيتي وشيكاغو وسانت لويس- وضع مقاييسها المشابهة، والتي تأخذ في حسبانها التحركات في سوقي الأسهم والسندات، وحفنة من نقاط البيانات الغامضة من بينها التقلبات في حركة أسعار السلع الأساسية، وعدد العقود المفتوحة في أسواق الأسهم والتباين في عائدات أسهم البنوك.

كانت هذه الأنواع من المؤشرات المتخمة ببيانات أسواق مفيدة، لا سيما في تحليل الظروف المالية في ذلك التوقيت. جاء ذلك عقب الأزمة المالية العالمية وظل سعر الفائدة الأساسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عالقاً قرب مستوى الصفر على مدى أعوام.

وفي ظل غياب لتحركات كبيرة في أسعار الفائدة ذات تأثير أوسع على الاقتصاد، فإن التطورات المالية الأكثر إحكاماً التي رصدتها المؤشرات -على غرار، مثلاً، القفزة المفاجئة في فارق العائد بين السندات غير الاستثمارية وسندات الخزانة الأميركية- حظيت بأهمية هائلة. وكانت المقاييس أيضاً مصممة بكفاءة شديدة للكشف المبكر عن احتمال وقوع أي مشكلة جديدة في النظام المالي.

السياسية النقدية

قطعاً، فإن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مستمرون في الاهتمام نسبياً بالأسواق. وكان محضر اجتماع الشهري الجاري ينطوي على هذا الاهتمام، إذ رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة الأساسي لثامن مرة على التوالي، ما يدل على أن بعض أعضاء مجلس إدارة البنك كانوا يراقبون الارتفاعات الأخيرة في الأسواق.

في حين أن الظروف المالية ما زالت "متشددة أكثر" مقارنة بما كانت عليه قبل سنة، حسبما ذكر هؤلاء الأعضاء، فمن الأهمية بمكان أن "تتوافق مع درجة تشديد السياسية النقدية الذي تحددها لجنة السوق المفتوحة"، لكن بصفة عامة، يبدو أن المؤشرات قد تراجعت للمرتبة الثانية أو الثالثة من حيث الأولوية.

"برينارد"، التي غادرت بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لتصبح كبير مستشاري الاقتصاد للرئيس الأميركي جو بايدن، لم تشر إلى تلك المؤشرات في أثناء خطابها الشهر الماضي. وغالباً ما تناولهم "باول" بشكل عام عند طرحه لموضوع الظروف المالية. وعندما خاض في تفاصيل دقيقة، فإنه رغم ذلك، فقد كان يميل على غرر برينارد، إلى التركيز في الأغلب على المستويات التي بلغتها أسعار الفائدة الأساسية في مواجهة معدلات التضخم.

يقول ستيف سوسنيك، كبير الخبراء الاستراتيجيين في شركة "إنترأكتيف بروكرز" (Interactive Brokers): "في حال كنت تراقب كافة هذه التدابير، فأنت تقول: ما الذي يسترعي انتباه باول، هذا مستحيل، لا تؤثر هذه المؤشرات على توجهه، لكن ظروف السياسة النقدية في أكثر مستوياتها تخفيفاً، كانت أكثر تشدداً مقارنة بالسنة الماضية".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك