يلتقي أعضاء البرلمان في الصين المعروف باسم مؤتمر الشعب الوطني، للمرة الأولى منذ انتهاء العمل بسياسة "صفر كوفيد"، للاطلاع على خطط كبار القادة في البلاد ممن يستهدفون دفع عجلة النمو الاقتصادي. ثم سيقدِّم النواب، البالغ عددهم قرابة 3 آلاف نائب، موافقة شكلية –في خطوة ليست مفاجئة– على كل المقترحات.
مع ذلك، فإن الدورة السنوية للمؤتمر تستحق المتابعة، حيث تتيح فرصة للاطلاع على أسلوب عمل قادة المستقبل في الصين. وقد يلتقي بالصحفيين كل من وزير الخارجية الجديد، تشين غانغ، ولي تشيانغ، الذي يُرجَّح أن يصبح رئيس مجلس الدولة، وهو بالفعل الرجل الثاني في الحزب الشيوعي بعد الرئيس الصيني شي جين بينغ.
يبدأ الاجتماع، الذي يُعقَد في قاعة الشعب الكبرى في بكين، الأحد المقبل، ومن المتوقع من يستمر أسبوعاً أو نحو ذلك.
1) ماذا تضم أجندة البرلمان؟
موجات تفشي فيروس كورونا والقيود المفروضة لاحتوائه انتهت فجأة في العام الماضي، بعدما أضرت القيود بالنمو الاقتصادي، وتسبّبت بانهيار الميزانية، وأدت إلى موجة من الاحتجاجات ضد الإغلاقات. وحتى بعد إعادة فتح الاقتصاد، لا تزال هناك آثار باقية، بدءاً من معنويات المستثمرين المنخفضة، مروراً بثقة المستهلكين التي تقلصت بعض الشيء، ووصولاً إلى العزلة عن بقية العالم.
سيراجع مؤتمر الشعب الوطني أداء الحكومة، ويطَّلع على أهداف السياسات، والأهداف الاقتصادية المحددة للعام الجاري التي ستسهم في تعافي الاقتصاد.
ومن بين الأمور الرئيسية، سيختار البرلمان بشكل رسمي المسؤولين الجدد في المناصب الحكومية، ومن بينهم رئيس مجلس الدولة ونوابه، إلى جانب المناصب القيادية في القطاعين المالي والاقتصادي، بما فيها مناصب رؤساء الجهات التنظيمية للأسواق. ويُرجَّح أن تجري هذه العملية في الأيام الأخيرة من انعقاد المؤتمر.
تُعقد فعاليات مؤتمر الشعب الصيني في التوقيت ذاته لانعقاد المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وهو هيئة استشارية مكوَّنة من ممثلي الأحزاب وشخصيات من عالم الفنون والأعمال والقانون. ويُعرف المؤتمر الاستشاري ومؤتمر الشعب معاً باسم "ليانغهوي" (Lianghui)، أو ما يعني "الدورتين".
2) لماذا يُعتبر تغيير القيادات مهماً هذا العام؟
يُعتبر الرئيس شي جين بينغ أقوى الزعماء الصينيين منذ ماو تسي تونغ، بعدما عيّن حلفاءه في أرفع المناصب بحزبه خلال اجتماع في أكتوبر الماضي، وهو الاجتماع الذي يُعقد مرة كل 5 سنوات.
ويثير التعيين المرجَّح للمزيد من أعضاء جماعته في مناصب رفيعة، المخاوف بشأن قلة الأصوات في قمة هرم السلطة، سواء كان ذلك للأشخاص المستعدين أو القادرين على مساءلة القائد. وقد يعني ذلك أيضاً طمس الحدود بين الدولة والحزب بشكل أكبر.
3) من هي الشخصيات المرجَّح اختيارها في موجة التعيينات الجديدة؟
يُرجّح أن يخلف رئيس مجلس الدولة، لي كه تشيانغ، ونائب رئيس المجلس، ليو هي، حلفاء الرئيس الصيني، لي تشيانغ وهي ليفنغ على التوالي. وتقليدياً، يُعد منصب رئيس مجلس الدولة منصباً اقتصادياً ذا أهمية كبيرة، حيث يشرف على كل وزارات الحكومة، بما فيها البنك المركزي، رغم أن السلطة المخولة له تضاءلت في عهد شي.
على الجانب الآخر، يُعد نائب رئيس المجلس مسؤولاً عن السياسة النقدية. كما سيعيِّن مؤتمر الشعب الوطني أيضاً محافظ البنك المركزي ووزير المالية. ويُرجِّح الكثيرون أن يتنحى محافظ بنك الشعب الصيني، يي غانغ، عن منصبه، ومن المحتمل أن يخلفه المصرفي المخضرم، تشو هيكسين.
والصين مهيأة أيضاً لاختيار مسؤولي الهيئات التنظيمية المتمرسين -المعروف عنهم التشدّد في المخالفات المالية- كمديرين جدد للهيئات الرقابية في قطاعي البنوك والأوراق المالية في البلاد، حسبما ذكرت "بلومبرغ نيوز".
4) ماذا عن بقية الأجندة؟
سيصوّت مؤتمر الشعب الوطني على تعديل قانون يحكم العملية والنظام التشريعي، ويدرس المؤتمر تقارير من المحكمة العليا والمدعي العام ولجنة التشريع رفيعة المستوى.
وإلى جانب ذلك، يُرجَّح أن يصوّت المؤتمر على خطة لتجديد الحزب والمؤسسات الحكومية، وهو ما سيكون موضع نقاش قبل الموعد المحدد خلال جلسة عامة للحزب.
5) ماذا يعني التغيير في المؤسسات؟
المرة الأخيرة التي شهدت فيها المؤسسات الصينية تعديلات، كانت في 2018، واستهدفت حينها تعزيز قوة الحزب ومنح الرئيس شي مزيداً من السيطرة المباشرة على البلاد.
كما شملت التغييرات عملية دمج الجهة التأمينية في البلاد والجهات المنظِّمة للقطاع المصرفي، والتي ساهمت في توسيع نطاق سلطة البنك المركزي، ووكالة تطوير دولي لمشروع شي الخاص، الذي يحمل اسم "مبادرة الحزام والطريق".
هناك علامات بالفعل على أن شي، ربما يعكف حالياً على تقوية نفوذه من جديد، إذ تخطط السلطات لإعادة إحياء لجنة قوية لتنسيق السياسة المالية.
6) ما هي أولويات الحكومة الجديدة؟
على رأس قائمة أولويات الحكومة، مساعدة الاقتصاد على التعافي من فترات الركود التي حدثت العام الماضي، حينما تسبب فيروس كوفيد، والتحوّل الهبوطي في قطاع العقارات، وحملة القمع واسعة النطاق على شركات التكنولوجيا والتعليم الخاصة، في دفع النمو لتسجيل ثاني أسوأ مستوياته منذ سبعينيات القرن الماضي.
والآن بعد رفع قيود كوفيد، ترغب بكين في تحقيق الاستقرار في سوق العقارات، ومنعها من إشعال فتيل أزمة في القطاع البنكي أو بين الحكومات المحلية التي تعتمد على مبيعات الأراضي للحصول على جزء كبير من دخلها.
تسعى السلطات أيضاً إلى الترويج للاستثمار والاستهلاك المحليين، في مواجهة ضعف الطلب العالمي على السلع الصينية وزيادة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على الصين في قطاع التكنولوجيا.
وعلى المدى الأطول، يمكن القول إن الصين مهيأة لابتكار طرق لتقليص عدم المساواة في المداخيل، ورفع الإنتاجية لخفض تأثير تضاؤل التعداد السكاني، وتحسين الأمن القومي، وزيادة اعتماد الدولة على نفسها.
7) ما الذي ينتظر شي في الدورة البرلمانية؟
لا تزال التحديات قائمة، وقد تأثرت مصداقية حكومة الرئيس شي بسبب التحوّل الجذري عن سياسة "صفر كوفيد"، إذ يشعر المواطنون بجرأة أكبر في إبداء رأيهم.
يُعد التعافي الاقتصادي –الذي تلا إعادة فتح اقتصاد البلاد بعد كوفيد– غير متكافئ، رغم الانتعاش السريع في التنقل والطلب على الخدمات، إذ يستمر ضعف مبيعات قطاع العقارات والصادرات في الضغط على الاقتصاد.
وفي ما يتعلق بالسياسة الخارجية، تدهورت العلاقات المتوترة بين الصين والولايات المتحدة بعدما سادت حالة من الاضطراب بسبب منطاد صيني، كما تتزايد تكلفة شراكة الصين مع روسيا على المستوى العالمي.
8) ما أوجه المقارنة بين هذه الدورة والدورات السابقة؟
تُعتبر دورة العام الجاري لمؤتمر الشعب الوطني، جزءاً من عرض أوسع نطاقاً لعودة الدولة إلى الوضع الطبيعي، وذلك بعد 3 سنوات من فرض قواعد صارمة بسبب الفيروس.
تبدأ الدورة فعالياتها في 5 مارس -وهو التاريخ المعتاد لها- باستثناء عام 2020 الذي أُرجئت دورة المؤتمر فيه حتى مايو بسبب الجائحة. ومن المتوقع أن يستمر اجتماع العام الجاري أيضاً للمدة المعتادة التي تبلغ أكثر من أسبوع.
الجدير بالذكر أن مدة الدورات للأعوام 2020 و2021 و2022، تقلصت، حيث عُقدت على مدى أسبوع واحد فقط.