تقترب فئة سندات محلية بالصين قيمتها تريليوني دولار أميركي من نقطة تحول خطيرة، إذ تواجه جهات الإصدار صعوبات في إعادة تمويل ديون بدأ يحين موعد استحقاقها.
صافي التمويل -أي قيمة إصدارات سندات جديدة مقومة باليوان مطروحاً منها السندات مستحقة السداد- لآليات تمويل الحكومات المحلية بالبلاد، أو (LGFVs)، سجل رقماً سالباً خلال الربع الأخير من 2022 للمرة الأولى منذ 4 أعوام على أقل تقدير، بحسب بيانات مؤسسة التصنيف الائتماني "إس أند بي غلوبال ريتينغز"، ورغم أن صافي التمويل تحول إلى رقم موجب في يناير الماضي، فإنه ما يزال منخفضاً بنسبة 83% مقارنة بالسنة السابقة عند 48.9 مليار يوان (ما يعادل 7.1 مليار دولار).
التخلف عن السداد
أزمة التمويل، التي تزامنت مع زيادة عمليات إلغاء صفقات طرح سندات، تضيف إلى دلائل التوتر في جانب يتسم بالغموض من سوق ديون يعتبرها المتشككون إزاء الصين منذ مدة طويلة تهديداً للاستقرار المالي ولكنها تفادت حتى الآن موجة هائلة من حالات التخلف عن السداد.
رغم تخلص أكبر اقتصاد آسيوي من قيود سياسة صفر كوفيد الصارمة، أخفقت 22 جهة إصدار ضمن آلية تمويل الحكومات المحلية في سداد أوراق الدفع التجارية مع حلول المواعيد النهائية بيناير الماضي، بزيادة قدرها 5 جهات إصدار مقارنة بالشهر السابق، بحسب شركة "هوان سيكيوريتيز" (Huaan Securities). كما خضعت سندات هذه الأذرع التمويلية للحكومات المحلية لعملية تدقيق مجدداً عقب تمديد شركة تشييد بمقاطعة قويتشو بجنوب غرب البلاد مدة استحقاق قروض إجماليها 15.6 مليار يوان تقريباً لـ20 سنة. قد تنذر خطوة من هذا النوع بزيادة العروض المماثلة وتشير إلى زيادة مخاطر إعادة الهيكلة بالنسبة لحائزي الائتمان الخاص من إصدارات آلية تمويل الحكومات المحلية في المقاطعات الهشة مالياً، بحسب تقرير مؤسسة "فيتش ريتينغز".
أوضحت لورا لي، وهي محللة ائتمان في "إس أند بي غلوبال ريتينغز": "يتعين على المستثمرين توخي الحذر إزاء ديون آلية تمويل الحكومات المحلية منخفضة الجودة بالمقاطعات مرتفعة المخاطر، فإذا تعثرت عملية إعادة التمويل بصورة أكبر وليس بالإمكان تخصيص موارد حكومية في وقت ملائم، فقد يترتب على ذلك أزمات أخرى في سداد الديون أو حتى التخلف عن سداد سندات مخصصة لتمويل مشروعات عامة".
تمويل المشروعات العامة
هذه الأذرع التمويلية المحلية مكلفة بتمويل مشروعات عامة مثل تشييد الطرق ومد الجسور وإنشاء الأنفاق، وقد برزت كواحدة من أضعف الحلقات في القطاع العام بالصين وتعاني من تراكم المديونية عقب أزمة طويلة الأجل بقطاع العقارات وعمليات الإنفاق الهائلة ذات الصلة باحتواء وباء كوفيد. ورغم أنها لم تتخلف حتى الآن عن تسديد أي سندات تمويل أغراض عامة، فإن جفاف الإصدارات الجديدة يفاقم مخاوف من أن تواجه بعضها صعوبات في سد العجز في التمويلات رغم السياسة النقدية التيسيرية.
تسبب ارتفاع عوائد السندات وزيادة مخاوف المستثمرين في سحب الشركات، بما فيها العديد من جهات الإصدار في آلية تمويل الحكومات المحلية، عمليات طرح سندات مزمعة قيمتها 150 مليار يوان تقريباً منذ بداية نوفمبر الماضي، بحسب بيانات جمعتها بلومبرغ. وفي منتصف ديسمبر الماضي، بلغت علاوة المخاطر في سندات الشركات المحلية لأجل 3 أعوام المصنفة (AAA) أعلى مستوياتها منذ 2020، ويُعزى ذلك جزئياً إلى ضغوط الاسترداد التي تتعرض لها صناديق إدارة الثروات. لكن علاوة المخاطر انخفضت بمقدار 35 نقطة أساس منذ ذلك الوقت.
مع نهاية ديسمبر الماضي، كان لدى آليات تمويل الحكومات المحلية 13.5 تريليون يوان تقريباً من السندات المحلية القائمة، بحسب بيانات "إس أند بي غلوبال ريتينغز".
الرقابة الحكومية
خلال الأعوام الأخيرة، سعت الجهات التنظيمية لتثبيط توقعات مستثمرين بأن الحكومة ستتدخل لإنقاذ ديون الأذرع التمويلية للحكومات المحلية المتعثرة. هرعت مقاطعات عديدة لبذل جهود مضنية لخفض ما يطلق عليها الديون المستترة المتراكمة لديها، والتي يقصد بها بصفة أساسية قروض هذه الأذرع، ووعدت باستمرار العمل على خفض إجمالي الديون العام الجاري، بحسب تقارير ميزانيتها لسنة 2023.
شكل إخضاع الديون المستترة لرقابة الجهات التنظيمية أيضاً أولوية للحكومة المركزية. وتعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابه في ديسمبر أمام مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي بتشديد الإجراءات الرقابية على الديون المستترة والمعلنة للحكومات المحلية.
شهدت عمليات التمويل للعديد من آليات تمويل الحكومات المحلية تحولاً للأسوأ عقب تورطها في صفقات بالقطاع العقاري، إذ بدأت المدن والإدارات المحلية في التدخل للعب دور البطل المنقذ لمساعدة شركات التطوير العقاري المتعثرة بالبلاد.
قطاع العقارات
في إطار جهود مدعومة من قبل الحكومة تهدف لإنهاء أزمة قطاع العقارات، استحوذت آليات تمويل الحكومات المحلية على ما يفوق من نصف الأراضي السكنية المبيعة السنة الماضية، حيث أنفقت 2.2 تريليون يوان، بحسب إحصاء شركة "غوانغفا سيكيوريتيز" (Guangfa Securities) في وقت سابق من الشهر الحالي. لكن رغم هذه المشتريات، تراجع إيراد الحكومة المحلية من مبيعات الأراضي 23% لتحقق 6.69 تريليون يوان السنة الماضية، ما يُعد أدنى إيراد سنوي منذ 2018، بحسب البيانات الرسمية.
علاوة على هبوط إيرادات بيع الأراضي، نالت النفقات المرتبطة بمكافحة وباء كوفيد من قدرة السلطات الإقليمية على دعم آليات تمويل الحكومات المحلية مما جعل الأخيرة عرضة للخطر.
أكد تيري تشانغ، كبير مديري "سي إس بي آي كرديت ريتيغز" (CSPI Credit Ratings) أن عدم وجود حالات تخلف عن السداد أوجد "اعتقاداً سائداً" في سوق السندات المحلية بأن سندات آليات تمويل الحكومات المحلية للأغراض العامة تُعد نوعاً "مختلفاً" إلى حد ما من الائتمان الرشيد، بالمقارنة مع القروض المصرفية وغيرها من الأدوات المالية "غير التقليدية". لكن وجهة النظر هذه ربما تكون هشة على أحسن تقدير.
اختتم تشانغ: "قد يكون تصور بهذا الشكل عرضة لتأثير مجريات أحداث الائتمان وآراء الجهات التنظيمية".