ليس سهلاً أن تصبح بائعاً على المكشوف. الاحتمالات ستكون مكدسة ضدك منذ البداية. تميل الأسهم إلى الصعود باستمرار، وعكس الأقران الذين يشترون الأسهم قبل بيعها، لن يمكنك الاستفادة من صعود السوق. مع ذلك، يتعين عليك اتباع آلية دقيقة في إدارة المخاطر، فعندما تتحقق توقعاتك تنخفض أسعار أسهمك ويتراجع حجم رأس المال الذي تحتاج إليه، وبالتالي تزداد العوائد المحتملة، أما إذا أخطأت التوقع، فسيزداد رأس المال الذي تحتاج إليه وبالتالي تتزايد المخاطر.
أقصى أرباح يحققها البيع على المكشوف نمواً بنسبة 100% في سعر السهم، فيما الخسائر المحتملة غير محدودة.
إذا كان ما سبق ليس كافياً، فمن المخزي اتخاذ الجانب المقابل وسط عالم يهتف فيه الغالبية لارتفاع الأسعار. كان جون ماك، الرئيس التنفيذي السابق لـ"مورغان ستانلي" واضحاً في مذكراته المنشورة مؤخراً حين وصفهم بأشرار الأزمة المالية العالمية قائلاً: "كان البائعون على المكشوف يدمرون بناءً شامخاً جرى تشييده على نحو مدى ثلاثة أرباع قرن من العمل الجاد والنزاهة".
الحفاظ على كفاءة الأسواق
وجدت شركة الأبحاث "هيندنبرغ ريسيرش" (Hindenburg Research) نفسها عُرضة لانتقادات لاذعة مماثلة، عقب نشر وابل من الانتقادات ضد "أداني غروب" (Adani Group) الهندية، والكشف عن مركز بيع على المكشوف في أوراق مالية مرتبطة بالمجموعة. ورداً على الشركة، وصفتها "أداني غروب" بأنها "مادوف مانهاتن" وأن التقرير يُعتبر "هجوماً متعمداً ضد الهند".
وسط تلك التحديات، ليس غريباً استسلام أبرز البائعين على المكشوف. في 2021 أعلن بيل أكمان تقاعده عن نشاط البيع على المكشوف عقب خسارة مليار دولار في شركة "هربالايف" (Herbalife) للمكملات الغذائية، وكتب الأسبوع الماضي: "المغزى من القصة أن البيع على المكشوف قد لا يكون الطريقة المثلى لكسب المال، لكنه مادة جيدة لصناعة أفلام وثائقية ناجحة".
رغم ذلك، يلعب البائعون على المكشوف دوراً هاماً في الحفاظ على كفاءة أسواق رأس المال، إذ يزيدون السيولة من خلال حضور طرف مقابل على الجانب الآخر من الصفقة يستعدّ لدفع سعر السوق، والأهم من ذلك تعزيزها القدرة على كشف الاحتيال.
منع الاحتيال
يرتبط الدور الأخير بالبيع على المكشوف بشكل خاص، إذ أظهرت ورقة بحثية حديثة تقديرات باحثين من جامعات تورنتو وكاليفورنيا وشيكاغو أن "11% في المتوسط من كبرى الشركات المتداولة في البورصة ترتكب عمليات احتيال في الأوراق المالية سنوياً"، ويرى الباحثون أنه لا يُكتشف سوى ثُلث عمليات احتيال الشركات في الأوقات العادية، التي تقضي على 1.7% من قيمة حقوق الملكية سنوياً، ما يعادل 744 مليار دولار في 2020.
رغم مسؤولية جهات التنظيم وشركات التدقيق ومحللي الأبحاث عن مكافحة الاحتيال، فإنهم غالباً يفتقرون إلى الحوافز المناسبة، إذ تدفع الشركات محل التدقيق رواتب المدققين مباشرةً، كما تفتقر الجهات التنظيمية إلى الموارد المتوفرة لدى القطاع الخاص، فيما لا يرى محللو الأبحاث أن اكتشاف الاحتيال جزء أساسي من عملهم، فقد قال أحد المحللين خلال تحقيق برلماني في ألمانيا بشأن فضيحة "واير كارد" (Wirecard AG) إن "مهمة المحللين بيع الأفكار، وكانت (وايركارد) ضمن أبرز توصياتي".
اقرأ أيضاً: انتهاء الفصل الأخير في قصة "واير كارد" بشطبها من البورصة
تُحفّز الأرباح البائعين على المكشوف بشكل استثنائي. وعكس المُبلغين عن المخالفات، الذين يحصلون على حصة من العقوبات التي تفرضها لجنة الأوراق المالية والبورصات ضد الحالات التي يجري إثبات الاحتيال بشأنها، يعتمد البائعون على المكشوف غير المطلعين، على معلومات عامة، ويتسلحون بالفضول والمثابرة بما يكفي لجني أموال كثيرة، حتى يبحثوا في ما لا يريد الآخرون اكتشافه.
تكلفة باهظة
لكن الأمر يتطلب عدداً كبيراً من الموظفين، في ظل المصالح الكبيرة في المقابل، ليبقى عبء إثبات الاحتيال ثقيلاً، إذ ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن 1500 شخص عملوا على صياغة تقرير مجهول لتسليط الضوء على احتيال سلسلة القهوة الصينية "لوكين كوفي" (Luckin Coffee Inc) مطلع 2020، ركزوا على حساب عدد العملاء في 4000 متجر وسجلوا أكثر من 11 ألف ساعة فيديو، كذلك كان تقرير "هيندنبورغ" المكون من 100 صفحة عن "أداني غروب" تتويجاً لتحقيق استمر عامين.
قالت "أداني غروب"، رداً على "هيندنبورغ"، إنّ عديداً من النقاط التي أثارتها الشركة "جرى الإفصاح عنها" بالشكل المناسب، ووفقاً للقواعد المتعلقة بالمعلومات الداخلية، كما سلطت "أداني غروب" الضوء أيضاً على دافع "هيندنبورغ" لتحقيق الربح باعتباره تضارباً في المصالح، وقالت: "لم تنشر (هيندنبورغ) التقرير لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة ولكن لدوافع ذاتية بحتة"، وبالطبع يوجد حافز أيضاً لتقديم معلومات خاطئة للسوق، ومنذ انخفاض السهم عقب إصدار التقرير حققت "هيندنبورغ" أرباحاً رغم ذلك. ولكن إذا استمرت في العمل على المدى الطويل فلدى الشركة حافز مماثل لحماية سمعتها.
اقرأ أيضاً: "السيادي النرويجي" يتخلص من حيازاته بشركات "أداني غروب"
يصعب التوافق بين الحوافز، لكن الفوائد من وراء الدور الذي يلعبه البائعون على المكشوف الناشطون في الحفاظ على عدالة الأسواق كبيرة ولا ينبغي استبعادها. سيكون هناك دائماً داعمون لارتفاع الأسعار، ما يدفع السوق نحو توقعات مفرطة في التفاؤل وبيانات زائفة، ومن الضروري أن يكون في الجانب المقابل توازن ذو ثقل، مهما كان ضاراً.