بدأت التغيرات في ثقة المستثمرين بسياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي النقدية تتضح من خلال عقود خيارات أسعار الفائدة، إذ برزت رهانات ضخمة عديدة على بلوغ سعر الفائدة الأساسي للبنك المركزي الأميركي 6%، وهو ما يتخطى توافق الآراء الحالي بمقدار نقطة مئوية تقريباً الأسبوع الجاري.
تُناقض الفكرة الكامنة وراء هذه الرهانات ما كان يُعد معتقداً راسخاً على مدى الشهرين الماضيين الذي يفيد أنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي يقترب من إنهاء دورة تشديد السياسة النقدية عقب زيادة أسعار الفائدة 8 مرات العام المنصرم. تعتبر أسعار الفائدة الفعلية عالية بما فيه الكفاية للتسبب في ركود اقتصادي مما يتطلب من البنك المركزي الأميركي قلب مساره العام الجاري، بحسب هذا التفكير.
لكنَّ بيانات التوظيف القوية التي صدرت الجمعة المنصرمة الخاصة بشهر يناير الماضي كانت مناهضة لهذه الفرضية التي أضعفتها بشكل أكبر تعقيبات لمسؤولين ببنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأسبوع الحالي. في الوقت الراهن، لا يبدو أنَّ التوقف عن زيادة أسعار الفائدة عقب رفعها مرة أو مرتين فقط مسألة محسومة.
عقود الخيارات
وضع مضاربون أموالهم بمراكز استثمارية ضخمة بعقود الخيارات الثلاثاء الماضي التي ستجني 135 مليون دولار في حال واصل البنك المركزي الأميركي تشديد سياسته النقدية حتى سبتمبر المقبل. استمرت عمليات الشراء بنفس الوتيرة الأربعاء، علاوة على رهانات مشابهة برزت بأساليب مختلفة.
أكدت البيانات المبدئية للعقود المفتوحة ببورصة شيكاغو التجارية أنَّ رهانات بقيمة 18 مليون دولار ضُخّت الثلاثاء الماضي في عقود خيارات سعر التمويل المضمون لليلة واحدة تنتهي صلاحياتها سبتمبر المقبل، مستهدفة بلوغ سعر الفائدة الأساسي 6%. يفوق ذلك نسبة 5.1% المقدرة لعقود مقايضة أسعار الفائدة للشهر الحالي بمقدار نقطة مئوية كاملة تقريباً.
استمرت عملية زيادة المراكز الاستثمارية طوال جلسة تداول الثلاثاء الماضي، برغم ارتفاعها بصورة كبيرة في فترة ما بعد الظهر عبر ما يسمى تداول الكتل عقب إشارة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول إلى أنَّ أحدث أرقام التوظيف الشهرية قد تحتاج لتشديد السياسة النقدية بدرجة أكبر مما كان يُتوقَّع بالسابق. ستبلغ هذه المراهنة نقطة التعادل عن سعر فائدة 5.6% تقريباً، وسيجني القائمون عليها 60 مليون دولار في حال رفعه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لـ5.8%، بحسب تقديرات "بلومبرغ".
سعر التمويل
تشكّل هذه العقود أحدث سلسلة من الرهانات الضخمة التي لا تعطي أي مؤشرات على أنَّها بدأت تنخفض، وذلك برغم إبطاء بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي دورة تشديد للسياسة النقدية هي الأسرع منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي. خلال الشهر الماضي، حققت رهانات عقود خيارات سعر التمويل المضمون لليلة واحدة التي صنعت تاريخ بورصة شيكاغو التجارية أكبر تدفقات استثمارية لأي منتج مالي متداول لديها ومدون بسجلاتها.
يعد ذلك تحولاً كبيراً عن الفكرة المهيمنة على السوق الأسبوع الماضي، قبل صدور بيانات الوظائف القوية، إذ كان المضاربون يراهنون على تخفيضات هائلة بأسعار الفائدة خلال النصف الثاني من 2023.
ما زال من المتوقَّع تراجع عقود المقايضة المرتبطة بمؤشر سعر الفائدة لليلة واحدة بوقت لاحق من السنة الجارية. في الوقت الراهن، تدل هذه العقود على أنَّ سعر فائدة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيصل ذروته قرب 5.17% في يوليو المقبل، قبل أن يختتم 2023 عند حوالي 4.84% متضمنة تخفيضات بمقدار 32 نقطة أساس تقريباً، لكن هذا أقل من 45 نقطة أساس بدأت في الظهور بداية من إغلاق جلسة تداول يوم الخميس.
توقعات المستقبل
يتطلع المستثمرون فعلاً في المستقبل إلى ما قد تُبديه توقُّعات أسعار الفائدة الجديدة، وهو ما يطلق عليه "المخطط النقطي" الخاص بالبنك المركزي الأميركي المزمع نشره عقب اجتماع السياسة النقدية التالي في مارس المقبل، وهو ما يمثل مجموعة التوقُّعات الأحدث الصادرة في ديسمبر الماضي التي يتسق معها أداء الأسواق حالياً.
رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك جون ويليامز، أكد أثناء فعالية بصحيفة "وول ستريت جورنال" أنَّ توقُّعات ديسمبر الماضي "ما زالت تبدو منطقية للغاية كوجهة نظر لما سيتطلب منا فعله خلال السنة الحالية".
التمسك بهذا الرأي سيعتمد على بيانات معدلات التضخم في الولايات المتحدة التالية، بحسب جيسون إنغلاند، مدير محفظة السندات العالمية بشركة "يانوس هندرسون إنفيستورز" (Janus Henderson Investors) في مدينة كورونا ديل مار بولاية كاليفورنيا الأميركية.
أضاف: "عادت السوق لتتسق مع ما يعد حالياً ذروة تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للسياسة النقدية، فهل سيرفعون توقُّعاتهم؟".