بعد شهرين من زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية، سار جون لي زعيم هونغ كونغ على خطاه واصطحب وفداً من كبار المسؤولين إلى المملكة.
لي، الذي اختتم رحلة استغرقت يومين إلى السعودية يوم الإثنين، كشف أن هدفه هو إقناع عملاقة النفط "أرامكو" السعودية بالإدراج في المركز المالي على الرغم من المنافسة من قبل متسابقين مثل نيويورك ولندن، وهو الأمر الذي إن نجح سيكون بمثابة انتصار كبير لـ"لي"، الذي ركز منذ توليه السلطة في يوليو على إعادة فتح هونغ كونغ بعد سنوات من عزلتها بسبب الوباء والتي أضرت باقتصاد المدينة وسمعتها.
تبلغ القيمة السوقية لـ"أرامكو" نحو 1.9 تريليون دولار، أي أكثر من أربعة أمثال قيمة "تينسنت هولدينغز" (Tencent Holdings) الشركة الأعلى قيمة في بورصة هونغ كونغ. لن يضيف الفوز بمثل هذا الإدراج فقط للتنوع الذي تشتد الحاجة إليه بالبورصة التي تهيمن عليها الصين، والتي فقدت قيمتها السوقية 2.3 تريليون دولار في العامين الماضيين بسبب انهيار ثقة المستثمرين العالميين في البلاد، ولكن أيضاً سيعزز أهداف شي في تعميق العلاقات مع الخليج العربي.
قال دونغشو ليو، الأستاذ المساعد المتخصص في السياسة الصينية بجامعة مدينة هونغ كونغ: "عندما تفكر الصين في شركاء وحلفاء جدد، فإنها تسعى إلى استخدام هونغ كونغ أكثر من المنظور المالي.. والتعاون المالي بين تلك البلدان سيكون بحاجة إلى مركز كبير".
طموح هونغ كونغ
هونغ كونغ تضغط بقوة. حيث تعمل الجزيرة- بالتعاون مع بورصات البر الرئيسي الصيني- على تغيير القواعد للسماح للمستثمرين الأفراد الصينيين بشراء أسهم الشركات الأجنبية المدرجة في البورصة المحلية لأول مرة. سيشمل ذلك"أرامكو"، إذا أجرت إدراجاً أولياً مزدوجاً في المدينة.
التقى لي رئيس "أرامكو"، أمين الناصر، خلال زيارته وقال إن المدينة ستدعم الإدراج وستعمل على معالجة ترتيبات التمويل المستقبلية، وفقاً لبيان صادر عن حكومة هونغ كونغ.
كان ضمن الوفد الزائر نيكولاس أجوزين، الرئيس التنفيذي لشركة "هونغ كونغ للمقاصة وتداول الأوراق المالية" (Hong Kong Exchanges & Clearing)، بالإضافة إلى وزراء الحكومة المسؤولين عن التجارة والخدمات المالية. خلال الزيارة، وقعت بورصة هونغ كونغ وشركة مجموعة تداول السعودية القابضة المالكة لسوق المال بالمملكة، اتفاقية للتعاون في مجالات تشمل الإدراج المزدوج، وهي تعتبر خطوة أولية يمكن أن تسهل بيع الأسهم في هونغ كونغ.
قال شارني وونغ، المحلل في بلومبرغ إنتليجنس في هونغ كونغ، إن إدراج أسهم أرامكو سيقدم "دفعة كبيرة لمكانة المدينة كمركز للأسهم".
تقارب صيني
شي يتطلع إلى الاستفادة من أهمية الصين المتزايدة بالنسبة للمملكة، خاصة في ظل اضطراب العلاقات الأميركية السعودية. وتجدر الإشارة إلى أن الصين هي أكبر مشتر للنفط من السعودية. وقع البلدان اتفاقيات تبلغ قيمتها نحو 50 مليار دولار بعد زيارة شي في ديسمبر. كما كلف الرئيس شي "لي" بتعزيز توجه البلاد لدول الحزام والطريق لتوفير توازن موازن لعالم تهيمن عليه الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، لدى "لي" أولوية في دعم دور هونغ كونغ كمركز مالي دولي، وسط تزايد القلق في العواصم الغربية بشأن تراجع الحريات المدنية. وتتطلع المستعمرة البريطانية السابقة إلى تعزيز العلاقات مع دول في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا قد يكون لديها مخاوف أقل بشأن اعتقال شخصيات مؤيدة للديمقراطية أو بشأن تآكل سيادة القانون في المدينة. ومؤخراً، سافر مسؤولون محليون إلى فيتنام وتايلندا.
اعتماد بورصة هونغ كونغ على الشركات الصينية
أدى اعتماد المدينة على الطروحات العامة الأولية الصينية في العقد الماضي إلى جعل البورصة المحلية معرضة لتقلبات التوجهات العالمية حيال الدولة وكذلك علاقاتها مع الولايات المتحدة.
انخفض مؤشر "هانغ سنغ" إلى أدنى مستوياته في 13 عاماً بشهر أكتوبر بسبب مخاوف المستثمرين من الإجراءات الصارمة المفروضة على الشركات الخاصة وسياسة "صفر كوفيد". كما أدت القواعد الأكثر صرامة على إدراج الشركات الصينية في الخارج لأسباب تتعلق بالأمن القومي إلى انخفاض حاد في اكتتابات الأسهم في هونغ كونغ، حيث تراجعت عائدات الطروحات العامة في المدينة العام الماضي بنسبة 69% إلى أدنى مستوى لها منذ 2012.
جمعت "أرامكو" 29 مليار دولار من طرح أسهمها بالسوق السعوديةعام 2019، في اكتتاب عام أوّلي يُعد الأكبر عالمياً، واعتمد بشكل كبير على المستثمرين المحليين، في ظل تجنّب السعوديين البورصات الأجنبية وسط خلافات بشأن التقييمات. تمتلك الحكومة السعودية نحو 94% من أسهم الشركة المدرجة، وهي نسبة مشابهه لأكبر شركة لإنتاج النفط في الصين "بتروتشاينا" (PetroChina) التي تمتلك الدولة 90% من أسهمها.
ومن جانبها، تسعى الرياض إلى تعزيز العلاقات مع الشركاء التجاريين المهمين، بما في ذلك الصين. وخلال زيارة شي، اتفقت الدولتان على تعزيز التنسيق بشأن سياسة الطاقة والاستكشاف، بما في ذلك استخدام العملة الصينية لتسوية تجارة النفط والغاز.
سافر "لي" والوفد المرافق له إلى الإمارات العربية المتحدة يوم الثلاثاء ويُنتظر عودتهم إلى هونغ كونغ يوم السبت.