كانت البداية التقليدية المواتية للأسواق المالية في 2023، بفضل تدفقات صناديق المستثمرين التي تصاحب عادة بدء العام الجديد، مدفوعة بالبيانات التي تشير إلى احتمال أكبر بحدوث هبوط سَلِس للاقتصاد الأميركي، بجانب الإشارات الصادرة عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي مؤخراً.
كان ارتفاع الأسعار بوجه عام سريعاً وكبيراً للغاية لكل من الأسهم والسندات، مما أثار سؤالاً مثيراً بالنسبة إلى المستثمرين الذين لم يضخوا استثمارات كافية ولم يستغلوا أموالهم بعد. ما يجب أن يفعلوه يرتبط بشكل وثيق، ولكن ليس كلياً، بآرائهم الاقتصادية والسياسية.
جاءت معظم بيانات الاقتصاد الكلي في الآونة الأخيرة أفضل من التوقعات التي تحظى بالإجماع.
أدى المزيج الناتج من مؤشرات التضخم المتراجعة، وتطورات النمو الأقل إثارة للقلق إلى تغيير ميزان المخاطر، نسبياً، نحو هبوط سلس والابتعاد عن الهبوط الحاد الذي يتميز بحدوث كساد أو ركود.
تزف هذه التطورات أخباراً سارة للغاية بالأسواق، كونها تؤدي إلى ارتفاع الأسعار الداعم بشكل متبادل بالنسبة إلى الأسهم والسندات. كما يعزز ارتفاع الأسهم والسندات من الرأي القائل بأنه بفضل هذه التطورات الاقتصادية لن يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة أعلى بكثير، وفي حال فعل ذلك، لن يُضطر إلى إبقاء المعدلات المرتفعة للفائدة دون تغيير خلال الفترة المتبقية من عام 2023.
في الواقع، زادت الأسواق الأسبوع الجاري من توقعاتها بخفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من 2023، مما زاد من ارتفاع الأسهم وأصول المخاطر الأخرى.
صعود شامل لكل الأسواق الرئيسية
التحركات الناتجة، عن تلك التطورات، في الأسواق مثيرة للغاية. لم يكد يمر شهر من بدء عام 2023، حتى ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 9% تقريباً.
على الصعيد الدولي، حققت الأسواق الأوروبية أداءً أفضل، إذ ارتفعت المؤشرات الرئيسية 11% لتصل إلى 14%، وأيضاً الأسواق الناشئة، التي صعدت نحو 10%.
كما ارتفعت الأصول الأكثر تقلباً أيضاً، إذ قفز مؤشر ناسداك المركب لأسهم شركات التكنولوجيا بأكثر من 16%، وصعدت عملة بتكوين أكثر من 44%.
أدوات الدخل الثابت ارتفعت أيضاً، وحققت مكاسب قوية للشرائح الأكثر خطورة وتقلباً مثل السندات ذات العائد المرتفع، والتي صعدت 5%.
يمثل هذا الارتفاع الحاد والسريع والشامل بالنسبة للأشخاص الذين لم يستثمروا أموالهم بعد، معادلة صعبة، فهل يجب عليهم الدخول بعد ارتفاع حقق بالفعل توقعات عدد قليل من المحللين في السوق بالنسبة للعام ككل، أم أنهم لحاجة لانتظار نقاط دخول أكثر جاذبية؟
يعتمد جزء مهم من الإجابة على وجهات نظرهم الاقتصادية والسياسية.
قد يميل أولئك المستثمرون إلى اللحاق بالارتفاع الهائل إذا كانوا يتوقعون استمرار النمو الاقتصادي والوظائف، وانخفاض التضخم بقوة وأن يمضي بثبات نحو المعدل المستهدف لـ"الاحتياطي الفيدرالي" البالغ 2%، أي استقراء البيانات الإيجابية خلال الأشهر القليلة الماضية.
قد يراهنون أيضاً على أحوال الاقتصاد الكلي لإقناع "الاحتياطي الفيدرالي" بإيقاف رفع أسعار الفائدة مؤقتاً، إما الآن أو بعد زيادة أخرى، ثم خفضها في النصف الثاني من العام.
لدى القيام بذلك، فإنهم يتجاهلون المؤشرات التي من شأنها أن تفضل الأمر البديل، وهو انتظار نقاط دخول أفضل إلى السوق.
ليس كل ما تتمناه الأسواق تدركه
تتضمن هذه المؤشرات بيانات اقتصادية مستقبلية لا تزال مثيرة للقلق، بما في ذلك مؤشرات مديري المشتريات وإعلانات تسريح الموظفين، بالإضافة إلى التوجيه المستقبلي للسياسة النقدية المتسقة مع تحركات مجلس "الاحتياطي الفيدرالي".
يتعين على أولئك المستثمرين، الاعتقاد أن البنك المركزي لن يشعر بالقلق إزاء الظروف المالية الأكثر مرونة بوجه عام خلال سنة.
الأمر يمثل توازناً صعباً على أقل تقدير. من جانبي، أشعر أن الآفاق الاقتصادية قد لا تكون سَلِسة كما ترى الأسواق في الوقت الحالي.
على سبيل المثال، وكما هو مفصل في المقالات السابقة، أظن أن مسار هبوط التضخم سيصل إلى نقطة ثابتة عند نحو 4% في وقت لاحق من 2023، ورغم أن الوظائف الشاغرة التي تفوق العاطلين عن العمل بمقدار 1.9 مرة، فإن مخاطر سوق العمل ستواجه بعض الضغط نتيجة تسريح العمال على نطاق واسع.
فلنتذكر أنه كلما زاد عدد الشركات التي تعلن عن تسريح العمال، كلما توفرت الأرضية لانضمام الآخرين إليها، بما في ذلك التي تتطلع إلى إعادة التوازن لتوزيع مهارات عمالها.
لا أثق بالأداة التي يستخدمها بنك الاحتياطي الفيدرالي لتطبيق سياسته النقدية خاصة بعد اجتماع الأسبوع الجاري.
أصبح هذا الأمر قضية أكثر أهمية بالنسبة لمسألة نقص الاستثمار، نظراً لمدى استقراء الأسواق لنتائج السياسة النقدية بما يتجاوز ما كان "الاحتياطي الفيدرالي" يشير إليه.
لا يكفي أن يقرر أولئك المستثمرون، مسار عملهم بناء على توقعاتهم إزاء تطورات الاقتصاد والسياسة النقدية فحسب.
الشكوك تسيطر على الوضع
في عالم اليوم المتسم بحالة عدم اليقين، يتعين على الأفراد الذين لم يستثمروا أموالهم بشكل كافٍ بعد، التفكير في أساليب التفضيل الشخصية لمواجهة المخاطر، والتي غالباً ما يتجاهلها البعض، إذا انتهى بهم الأمر إلى ارتكاب خطأ، فما هو الخطأ الأقل تعاسة الذي يتعين عليهم التعايش معه.
الخبر السار للأفراد الذين لم يستثمروا أموالهم بشكل كافٍ، هو أن الجزء من أموالهم الذي تم استثماره بالفعل قد حقق أداءً جيداً للغاية حتى الآن منذ بداية 2023.
الأمر غير الجيد، يتمثل في الصعوبات الكامنة التي يواجهونها في ظل التقييمات المرتفعة لتقرير ما يجب فعله بالسيولة النقدية أثناء ترقب الفرص الاستثمارية.
في نهاية المطاف، يستند القرار إلى تقييمهم لاحتمال تجاوز خطأ محتمل، وهو أمر قد يختلف بشأنه الأشخاص الذين يتقاسمون نفس التوقعات الاقتصادية والسياسية.