أنقذت موجة صعود كبيرة في الأسهم، الجمعة الماضية، المستثمرين في شركات التكنولوجيا، لكنها لم تستطع محو الضرر، في السوق الأوسع نطاقاً، والناتج عن الإشارات الاقتصادية القاتمة بشكل متزايد، والتي صدر الكثير منها من سوق السندات.
الارتفاع في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" خلال 2023، الذي جاء مدفوعاً بتكهنات أن التضخم يتراجع، بدأ يُظهِر تصدعات خلال أسبوع العمل الماضي، الذي اقتصر على 4 أيام، إذ تحول التركيز إلى احتمالات حدوث انكماش اقتصادي. بدأت المخاوف من الإفراط في رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، تلوح بشكل كبير في سوق سندات الخزانة، في وقت يعكس تسبب تلك المخاوف في خسائر فادحة للأصول ذات المخاطر الأعلى، على مدار 3 أشهر، تزايد الرهانات على حدوث تباطؤ.
لا يتعلق الأمر بالمؤشرات الاقتصادية القاتمة لأدوات الدخل الثابت فحسب، فرغم الموجة الصعودية في بداية العام، تستمر السندات الحكومية في كونها منافساً طبيعياً للأسهم من حيث التقييم. وتشير مقارنة تقريبية بين العوائد إلى أن المجال لا يزال ممتداً أمام تعافي أسعار سندات الخزانة، إذا ما قورن بسوق الأسهم التي لا تزال مرتفعة التكلفة.
أكبر مكاسب العام
لم يكن أياً من ذلك كافياً لمنع تعافي الأسهم، بقيادة شركات التكنولوجيا، الجمعة الماضية، في أكبر مكاسب العام لمؤشر "ناسداك المركب".
مع ذلك، سجل مؤشر "ستاندرد آند بورز" أول هبوط أسبوعي له في 2023، بفعل خسائر الأربعاء والخميس من الأسبوع الماضي، بعدما أثارت تقارير عن مبيعات قطاع التجزئة وأسعار المنتجين ومعدات أنشطة الأعمال مخاوف من جديد بشأن مستقبل الاقتصاد.
دايفيد سبيكا، رئيس "غايدستون كابيتال مانجمنت" (GuideStone Capital Management) وكبير مسؤولي الاستثمار بالشركة، قال في مقابلة: "نؤمن أن مؤشر (ستاندرد آند بورز) تحديداً يُتداول عند تقييمات لا تتماشى مع ما سنراه على الأرجح في الأرباح. لا تزال السندات مرتفعة الثمن، لكن مقارنةً بالأسهم، فهي تتمتع بتقييمات أكثر إغراءً بكثير".
ملاذ آمن
الصندوق المتداول "آي شيرز لسندات الخزانة لآجَال 20 عاماً أو أكثر" (iShares 20+ Year Treasury Bond)، بقيمة تبلغ 32 مليار دولار، ارتفع بنسبة 6.7% في 2023، إذ يبحث المستثمرون عن ملاذ آمن في الأوراق المالية الحكومية طويلة الأجل، وذلك مقابل ارتفاع بلغ 3.5% في الصندوق المتداول "إس بي دي آر ستاندرد آند بورز 500 تراست" (SPDR S&P 500 Trust)، بقيمة تبلغ 365 مليار دولار. يؤهل ذلك "آي شيرز" للشهر الثالث على التوالي من الأداء المتفوق مقارنة بـ"إس بي دي آر"، وهي أطول موجة مكاسب منذ 2020.
سجل الصندوق المتداول للسندات طويلة الأجل للتو تقدماً على مدار 50 يوماً بأكثر من 12.5%، وهو ما حدث في الماضي فقط عندما كان الركود يلوح في الأفق أو تزداد المخاوف بشأنه، وفقاً لنيكولاس كولاس، المؤسس المشارك في "داتا تريك ريسيرش" (DataTrek Research).
تحولات هبوطية
وجد "كولاس" أنه على مدار العقدين الماضيين، حدث مثل ذلك الارتفاع بين عامي 2008 و2009، وأيضاً خلال 2020، عندما كانت التحولات الهبوطية وشيكة الحدوث، كما حدث بين 2010 و2012 وفي 2015 و2019 عندما كان المستثمرون قلقين بشأن تحول نزولي.
كتب "كولاس" في مذكرة: "لذلك، فرؤية السندات لأجَل أكثر من 20 عاماً ترتفع بهذا القدر ليست مؤشراً للركود لا مجال للخطأ فيه، لكنها تشير إلى مخاوف الأسواق من انكماش اقتصادي".
انخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" 0.7% خلال 4 أيام، مقلصاً مكاسبه هذا إلى 3.5%. وحتى بعد موجة البيع التاريخية في 2022، يوضح ما يسمى بنموذج الاحتياطي الفيدرالي، الذي يرسم عائد أرباح مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" مقابل عائد سندات الخزانة لأجَل 10 سنوات، أن السندات لا تزال رخيصة مقارنةً بالأسهم، على الأقل بناءً على التطورات الأخيرة.
مكاسب محدودة
مقارنةً بسعرها، "يقدم" مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" أرباحاً تبلغ نحو 5.2%، مقابل 3.5% تقريباً على السندات الأميركية المعيارية. يقترب ذلك من أصغر المكاسب التي حققتها الأسهم خلال العقد الماضي.
قالت ميرا بانديت، المحللة الاستراتيجية للأسواق العالمية، لتلفزيون "بلومبرغ": "قد تنخفض العوائد أكثر إلى حد ما، رغم حقيقة أنها تراجعت نسبياً على مدار اليومين الماضيين، وهي بيئة تصبح فيها السندات رخيصة مرة أخرى. ارتفعت جاذبية السندات مع بداية 2023".
أعادت تلك العوائد المبكرة إحياء استراتيجية الاستثمار بنسبة 60% للأسهم و40% للسندات، الموجودة منذ عقود، بعدما تسببت موجات البيع المزدوجة في أسواق الأسهم والسندات العام الماضي في أسوأ خسارة سنوية للاستراتيجية منذ الأزمة المالية في 2008.
تتمتع المحافظ المقسمة بين 60% للأسهم و40% للسندات بأفضل بداية لعام منذ 1987، وفقاً لأحد مؤشرات "بلومبرغ".
تعديل الاستراتيجية الكلاسيكية
تدفع هيمنة سوق السندات حتى الآن في مواجهة سوق الأسهم، التي لا تزال مرتفعة الثمن، بعض مديري المحافظ إلى تأييد فكرة تعديل الاستراتيجية الكلاسيكية، أي تغيير تقسيم بعض المكونات واستثمار أغلب الأصول في السندات.
قال جيفري غاندلاك، في بث عبر الإنترنت استضافته شركته "دبل لاين كابيتال" (DoubleLine Capital) مؤخراً: "سوق السندات رخيصة بشكل واضح مقارنةً بسوق الأسهم. لا أوصي بمحفظة مقسمة بين 60% للأسهم و40% للسندات، بل بواحدة مقسمة بين 40% للأسهم و60% للسندات، أو حتى محفظة مقسمة بين 60% للسندات و25% للأسهم و15% لأدوات أخرى".