موجة الصعود القوية للأسهم الأوروبية خلال العام الجاري، تترك مجالاً محدوداً لتحقيق مكاسب أكثر، وفق ما يراه خبراء استراتيجيون.
عقب تسجيله أفضل انطلاقة كبداية عام على الإطلاق، سينهي مؤشر "ستوكس 600" العام الجاري عند مستوى 452 نقطة، حسب متوسط الردود الواردة في استطلاع رأي لـ"بلومبرغ" بمشاركة 19 خبيراً قدموا توقعاتهم حول السوق، أي ما يعني تراجعاً بنسبة 1.2% عن إغلاق الأربعاء. يأتي ذلك رغم أن بنوكاً استثمارية رفعت توقعاتها منذ استطلاع الشهر الماضي، بما فيها مصرفا "غولدمان ساكس غروب" و"باركليز".
ذكرت شارون بيل، وهي خبيرة استراتيجية مختصة بالأسهم لدى "غولدمان"، والتي زادت توقعاتها خلال الشهر الجاري من 450 نقطة إلى 465 نقطة: "رغم قيامنا برفع السعر المستهدف، إلا أننا نواصل توقعاتنا فقط بتحقيق عوائد ضعيفة، وفي ظل بقاء مخاطر الأسهم مرتفعة، وترجيح حدوث ضعف أكثر للأرباح، فإن السندات والسيولة النقدية تمثلان بدائل بارزة".
مؤشر ستوكس 600
حققت أسواق الأسهم الأوروبية أداءً قوياً خلال يناير الجاري، إذ صعد مؤشر "ستوكس 600" بنسبة 7% تقريباً لتصل بذلك مكاسبه منذ أدنى مستوياته في 29 سبتمبر الماضي إلى نحو 19%، متجاوزاً الولايات المتحدة بمقدار 11 نقطة مئوية مقومة بالعملات المحلية. قادت الأسهم المرتبطة بالدورات الاقتصادية، بما فيها شركات التجزئة والسفر والبنوك والتكنولوجيا، جولة الصعود، بحافز من عملية إعادة فتح الاقتصاد الصيني بصورة أسرع من المتوقع، وتفادي حدوث أزمة طاقة أكثر حدة، وبروز مؤشرات تباطؤ معدلات التضخم. علاوة على ذلك، صمد الاقتصاد بصورة أفضل مما كان متوقعاً، في ظل التوقعات حالياً بحدوث ركود اقتصادي من قبل عددٍ من خبراء اقتصاد، ما يشير إلى أن الأرباح ربما تهبط بنسبة أقل مما كان يُخشى في بداية الأمر.
أكد المحلل الاستراتيجي لدى "باركليز"، إيمانويل كاو، أنه "ما دامت تقلبات العوائد آخذة بالانحسار، فإن الأسهم بمقدورها مجاراة ركود محدود في معدل الربح". خلال الأسبوع الجاري، رفع كاو المستوى مستهدف مؤشر "ستوكس 600" مع نهاية السنة الحالية من 450 إلى 475، ما يعني حدوث صعود بنسبة 5% تقريباً لباقي السنة، ويتوقع هبوطاً محدوداً بدرجة أكبر تبلغ نسبته 6% في أرباح الأسهم الأوروبية خلال 2023 مقارنةً بتوقعات سابقة له بحدوث انخفاض بنسبة 12%.
بالنسبة إلى ميلا سافوفا، وهي خبيرة استراتيجية لدى مصرف "بنك أوف أميركا"، فإن الصعود الأسهم الأوروبية يمثل تحدياً لنشاط الأعمال الآخذ بالانكماش في أوروبا والولايات المتحدة، وكلاهما يعمل عند مستويات الركود. في حالة ضعف الاقتصادات بما يتفق مع توقعات "بنك أوف أميركا"، فإن سافوفا تتوقع تقهقر مؤشر "ستوكس 600" بنسبة 20% تقريباً ليصل إلى 365 نقطة مع حلول منتصف العام الجاري. لكن، ورغم ذلك، فإنها تتوقع تعافي النمو لتعزيز الارتداد نحو مستوى 430 نقطة مع نهاية العام.
اتسع نطاق التوقعات منذ الشهر الماضي، في ظل مستوى مستهدف لمصرف "زي كيه بي" (ZKB) هو الأكثر تفاؤلاً عند 510 نقاط، ما يعني الصعود 12% تقريباً مقارنة بسعر إغلاق الأربعاء. يُعدّ توقع شركة "تي إف إس ديريفاتيفيز" (TFS Derivatives) الأكثر تشاؤماً عند 380 نقطة، ما يشكّل تراجعاً بنسبة 17%.
الاستثمار الحذر
يلتزم المستثمرون الحذر أيضاً. بحسب استطلاع رأي شمل مديري الصناديق الأوروبية أجراه "بنك أوف أميركا" خلال يناير الجاري، يعتقد أغلبية المشاركين في الاستطلاع أن السوق لم تبلغ القاع بعد، إذ توقع 73% منهم هبوطاً جديداً كرد فعل على تشديد السياسات النقدية وتباطؤ النمو الاقتصادي. يتوقع 5% فقط اتجاهاً صعودياً أكثر بسبب إعادة فتح الاقتصاد الصيني وانحسار أزمة نقص الطاقة.
توجد حالة أكثر تفاؤلاً على المدى البعيد، إذ يتوقع 70% من المشاركين في الاستطلاع ارتفاع الأسهم الأوروبية على مدى الـ12 شهراً المقبلة، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بـ58% الشهر الماضي. بصورة أكثر عمومية، زادت الاستثمارات المخصصة للمنطقة، في ظل زيادة بنسبة 4% من المستثمرين العالميين استثماراتهم، مقارنةً مع تخفيضهم لها 10% في ديسمبر الماضي. تُعدّ هذه البيانات، الأعلى منذ فبراير 2022.
وضع غيري فاولر، وهو خبير استراتيجي لدى مصرف "يو بي إس غروب" هدفاً لنهاية العام الجاري عند 410 نقاط لمؤشر "ستوكس 600"، ما يعني هبوطاً بنسبة 10% تقريباً مقارنة بالمستويات الحالية، وفق توقعات بتراجع الأرباح. رغم ذلك، يتوقع وجود بصيص من الأمل في تحسن الأداء.
قال فاولر: "نعتقد أن تقييمات الأسعار بلغت المستوى المناسب فعلاً، ولكن هناك خطر بحدوث ارتفاع أكثر في حال واصل المستثمرون ضخ الاستثمار بعيداً عن الولايات المتحدة، مع تحول عملية قيادة النمو الاقتصادي إلى باقي دول العالم".