واصلت مصر المضي قدماً في أحدث تخفيض لقيمة عملتها بعد حصولها على تأكيدات بدعم صندوق النقد الدولي، ليلامس سعر الجنيه في السوق الموازية، في الوقت الذي ما تزال التوقُّعات متشائمة بشأن سعر الصرف في الـ12 شهراً المقبلة.
هبط الجنيه المصري 10% أمام الدولار اليوم الأربعاء، مسجلاً أكبر انخفاض في يوم واحد منذ أواخر أكتوبر، فيما يُعد جزءاً مما تعهدت به الحكومة، وهو الالتزام بنظام سعر صرف أكثر مرونة. ويبدو أنَّ ذلك يهدف إلى المساعدة في القضاء على السوق الموازية التي ظهرت وسط أسوأ أزمة للصرف الأجنبي في مصر منذ سنوات.
تراجع الجنيه إلى مستوى قياسي ليُتداول بنحو 31.4 للدولار في الساعة 12:48 مساءً في القاهرة. وذلك مقارنة بسعره في السوق الموازية الذي يدور فوق مستوى 31 أمام الدولار، وفق ما نشرته "بلومبرغ" نقلاً عن متداولين.
اقرأ المزيد: الجنيه المصري يهوي لمستوى قياسي جديد متجاوزاً 32 جنيهاً للدولار
سياسة سعر صرف مرنة
صندوق النقد الدولي عرض أمس الثلاثاء تفاصيل حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار لمصر. وقال إنَّ الدولة تتجه نحو سياسة سعر صرف مرنة، كما أنَّ أي تدخل من قبل البنك المركزي سيكون "مُوجهاً" وفقاً للحاجة إلى التخفيف من حدة التقلبات بالسوق.
ومع ذلك؛ حذّر الصندوق من أنَّ استمرارية تحول سياسة سعر الصرف في مصر "ما يزال يتعين إثباتها، وقد يواجه البنك المركزي ضغوطاً سياسية واجتماعية لعكس مساره".
"صندوق النقد" يستبعد انحسار التضخم في مصر قبل 2024
ما تزال السيولة الأجنبية شحيحة، حيث يكافح اقتصاد أكبر دولة من حيث عدد السكان في الشرق الأوسط مع تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على تكلفة السلع من الغذاء إلى الوقود. تحتاج مصر إلى الحصول على المزيد من التمويل الخارجي في الوقت الذي تحاول فيه التخلص من مأزق تكدس الواردات في موانئها مما يضيف إلى تراكم الطلب غير المحقق على الدولار.
قال فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في "غولدمان ساكس" في تقرير، "يجب أن يكون هدف الحكومة هو التخلص من أزمة الصرف الأجنبي والتأكد من تلبية الطلب على العملات الأجنبية في السوق الرسمية، وبالتالي؛ توحيد سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية".
صعود البورصة وارتفاع العقود الآجلة
يتحوّط التجار ضد مخاطر هبوط الجنيه إلى نحو 35.4 للدولار في الأشهر الـ12 المقبلة، وفقاً لسوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم.
من جهة أخرى، انخرطت الأسهم المصرية في موجة صعودية منذ أن بدأت جولة التخفيض الأخيرة لقيمة العملة في أكتوبر الماضي في ظل توجه المستثمرين لاقتناص الأسهم الرخيصة. ارتفع مؤشر "EGX 30" القياسي بما يصل إلى 4.4% مقوّماً بالجنيه اليوم الأربعاء، مسجلاً أعلى مستوى في شهرين.
قد يكون تحرّك اليوم الأربعاء إشارة إلى أنَّ مصر تتجه أكثر نحو سياسة سعر صرف مرنة يدعمها صندوق النقد الدولي، على الرغم من أنَّ الأيام المقبلة ستكشف عن مدى عزمها.
عندما خفّضت مصر عملتها مرتين العام الماضي، أعقبت نوبات الهبوط فترات طويلة من الاستقرار في الجنيه.
قال صندوق النقد الدولي إنَّ البنك المركزي "قد يتدخل من حين لآخر في أوقات التقلب المفرط في أسعار الصرف.. لكن لن يكون هناك لجوء إلى تدخلات الصرف الأجنبي أو استخدام الأصول الأجنبية الصافية للبنوك بقصد تثبيت أو ضمان مستوى سعر الصرف".
ويقدّر صندوق النقد الدولي فجوة التمويل الخارجي في مصر بنحو 17 مليار دولار خلال فترة البرنامج الذي يستمر 46 شهراً، ومن المتوقَّع أن يُسهّل الاتفاق سيولة بنحو 14 مليار دولار إضافية من الشركاء الدوليين والإقليميين. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الحلفاء الخليجيين قدّموا استثمارات وودائع لدعم الموارد المالية لبلد يُنظر إليه على أنَّه محور إقليمي.
توقعات بهبوط أكبر لعملة مصر يحفز جذب 15 مليار دولار من الأجانب
قالت كارلا سليم الخبيرة الاقتصادية في "ستاندرد تشارترد": "سيظل الجنيه المصري تحت الضغط حتى يتحقق المزيد من التدفقات الدولارية، مما يوازن الطلب والعرض بالنقد الأجنبي.. ومن المرجح أن يدفع سد الفجوة مع السوق الموازية الجنيه إلى الهبوط بعنف قبل أن يستقر".