يثير قيام أكبر بنك في المملكة العربية السعودية ببيع نوع من السندات عالية المخاطر، وبأسعار أفضل من نظرائه الدوليين الأكبر حجماً والأعلى تصنيفاً، مخاوف من أنَّ المستثمرين يسيئون تسعير المخاطر وسط التقييمات العالمية المزدهرة.
وأصدر البنك الأهلي التجاري (أكبر بنك في السعودية)، الشهر الماضي صكوكاً من الفئة 1 بعائد بلغ 3.5% ، وهو أقل عائد حتى الآن لهذه الأداة المالية في المنطقة.
ويعدُّ هذا الإصدار أيضاً الأرخص على مدى الأشهر الستة الماضية من قبل المؤسسات الواقعة في تصنيف (ائتماني) أعلى، بما في ذلك بنك " إتش إس بي سي هولدينغز بي إل سي"، و بنك " يو بي إس غروب أيه جي"، و بنك "ستاندرد تشارترد بي إل سي ".
وتعدُّ هذه الأوراق النقدية معروفة أيضاً باسم " أيه تي 1 " ( (AT1 ، وهي النوع الأول من ديون البنوك التي تصدر عندما تتكبَّد خسائر في أوقات الأزمات (يمكن للبنك عدم سداد قيمة هذا النوع من السند، ودفع فائدة عليه مدى الحياة، فليس له تاريخ استحقاق ملزم، ويحق له إعادة شراء السند مرة أخرى وفقاً لشروط).
وشهد البنك الأهلي التجاري، ومقرُّه مدينة جدَّة السعودية، الذي كان قد دخل في قلب عملية استحواذ بقيمة 15 مليار دولار على منافس محلي، طلباً بمعدَّل أربعة أضعاف كمية الأوراق المالية المعروضة للبيع في 21 يناير المنقضي.
وتحدَّى هذا الإقبال تداعيات وباء كورونا العالمي، وهبوط النفط بنسبة 14 % منذ بداية عام 2020، بالإضافة إلى تحذير من وكالة " فيتش " للتصنيف الائتماني في شهر نوفمبر الماضي من أنَّ قفزة في تكلفة تغطية القروض المتعثِّرة قد تخلق ضغوطاً على الجدارة الائتمانية للبنوك.
وجرى استحداث السندات من نوع "إيه تي 1 " بعد الأزمة المالية العالمية ، وتسددها البنوك عادةً قبل انتهاء مدة صلاحية خيارات إعادة الشراء لإظهار قوَّتها المالية. وأصدرت البنوك في الشرق الأوسط 17.9 مليار دولار من الأوراق المالية من فئة " أيه تي 1 " ، وفقاً لبيانات جمعتها وكالة " بلومبرغ ".
وحدثت حالات انهارت فيها سندات من فئة " أيه تي 1 ". ومنعت الحكومة الهندية العام الماضي المستثمرين الأفراد من شراء الأوراق المالية من هذا النوع بعد استحواذها على أحد المقرضين في البلاد (لإنقاذه).
وقال ريدموند رامسدال، رئيس قسم التصنيفات المصرفية للشرق الأوسط في وكالة "فيتش" في لندن، إنَّ الاندفاع لشراء الأوراق المالية للبنك الأهلي التجاري جاء بعد قرارات من جانب اثنين من المقرضين العُمانيين بعدم إعادة شراء أدوات مالية من فئة " أيه تي 1 " بقيمة مجمعة بـِ 600 مليون دولار العام الماضي، إذ ربما كانت نتيجة أنَّ شروط إعادة التمويل، كانت أكثر تشدداً.
وقد يكون شراء أسهم البنك الأهلي التجاري رهاناً أفضل؛ لأنَّها تتداول بمتوسط عائد توزيع أرباح بلغ 3.9 % على مدى السنوات الخمس الماضية ، وفقاً لمحمد أحسن ، العضو المنتدب لأسعار الفائدة والدخل الثابت في بنك المشرق في دبي. وكان الطلب على السندات مدفوعاً بالصناديق المتوافقة مع الشريعة التي لا يمكنها الاستثمار في الأسهم.
وأضاف رامسدال: "اختار المستثمرون من خلال صكوك من فئة "أيه تي 1 " الحصول على إيرادات ضعيفة من العائد على المخاطر، فهو عائد أقل للمخاطر نفسها".
وجرى تداول سندات من فئة " أيه تي 1 " للبنك الأهلي التجاري لمدَّة ست سنوات بسعر 99.64 للدولار بحلول الساعة 4:05 مساء بتوقيت لندن يوم أمس الإثنين، بالقرب من القيمة الاسمية.
وصدرت سندات من فئة " أيه تي 1 " لبنك يو بي إس" بعائدات 5.125 % في شهر يوليو الماضي، وجرى تداولها آخر مرة في يناير عند 107.38 دولار، في حين أنَّه جرى تداول أسهم بنك "إتش إس بي سي"، وبنك " ستاندرد تشارترد " أيضاً بأعلى من قيمتها الاسمية.
الطلبات تتجاوز المعروض
وقال تشيراغ دوشي، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة قطر للتأمين في الدوحة الذي يدير محفظة أصول بقيمة 7 مليارات دولار: "لقد تجاوز الطلب حجم الإصدار لصفقة سندات من فئة " أيه تي 1 " لأول مرة ، ليس للبنك الأهلي التجاري فقط؛ ولكن لأوَّل عملية بيع من هذا النوع في السوق العامة بالمملكة العربية السعودية".. وقال، إنَّ الأسعار كانت مغرية (لانخفاض قيمتها) مقارنة بالمبيعات الأخيرة من قبل أقرانهم العالميين.
وقال البنك الأهلي التجاري، إنَّه أوفى بجميع مدفوعات العائدات على الأدوات المحلية المستحقة خلال فترة تفشي وباء كورونا، مضيفاً في رسالة عبر البريد الإلكتروني أنَّ قرار إصدار صكوك من فئة " أيه تي 1 " دولياً، قد استند إلى تقييمه لأفضل طريقة لإدارة رأس مال البنك بكفاءة.
صحة تقييم المستثمرين
وقال البنك الأهلي التجاري، إنَّ هذا جرى وضعه في الاعتبار عند التسعير، كما أنَّ تداول صكوك من فئة " أيه تي 1 " في نطاق قيمتها الاسمية؛ أثبت صحة تقييم المستثمرين".
من المتوقَّع أن تستمر العوائد الأعلى مقارنة بالعوائد المتوفِّرة في الأسواق المتقدِّمة في جذب المستثمرين إلى البنوك الخليجية ذات التصنيف الاستثماري.
وقال رامسدال، إنَّ وكالة "فيتش" تتوقَّع أن يجرى إعادة شراء ما قيمته 3.4 مليار دولار من سندات فئة " أيه تي 1 " خلال هذا العام ، مقارنة بـ 3 مليارات دولار العام الماضي، مضيفاً أنَّه يتوقَّع أن يظل الطلب من المستثمرين على الأوراق المالية الإقليمية من فئة "أيه تي 1 " قوياً.