التقلبات اليومية الكبيرة في الأسعار تدفع لانسحاب اللاعبين من المشاركة في التداول

تحول تاريخي بأسواق السلع العالمية بعد خروج تدفقات بـ129 مليار دولار

ماكينات حصاد من شركة "أستارتا كييف" للصناعات الزراعية تقوم بتفريغ حمولتها من القمح في شاحنة في 5 أغسطس 2022 بمنطقة خميلنيتسكي بأوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
ماكينات حصاد من شركة "أستارتا كييف" للصناعات الزراعية تقوم بتفريغ حمولتها من القمح في شاحنة في 5 أغسطس 2022 بمنطقة خميلنيتسكي بأوكرانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

خلال عام واحد فقط، تحول حماس المستثمرين المتفائل بالصعود تجاه السلع إلى تراجع مثير للدهشة.

يُعدّ ذلك واحداً من أكبر تحولات المعنويات في التاريخ بشأن المواد الخام. خلال هذه الفترة، ساهمت تقلبات الأسعار الجامحة في تحفيز الاندفاع نحو عمليات الخروج التي سحبت معها 129 مليار دولار من السوق العالمية، ما يُعتبر رقماً قياسياً مقارنة بأي فترة سنوية حتى منتصف ديسمبر الجاري، بحسب بنك "جيه بي مورغان أند تشيس". يأتي النزوح الأخير للأموال عقب تدفقات داخلة لسوق السلع على مدى أول شهرين من العام الجاري.

انتعش الطلب على كافة الأشياء بداية من النفط وصولاً للمعادن ذات الاستخدام الصناعي في وقت سابق من السنة الحالية، إذ تخلى العالم عن عمليات الإغلاق المرتبطة بوباء كورونا، وسعى المستثمرون للتحوط ضد معدلات التضخم العالية. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا والمخاوف من الركود الاقتصادي على مستوى العالم حولت السلع -وهي أصول المتقلبة المعروفة بالتأثر بمتغيرات مثل الطقس والكوارث التي يصنعها الإنسان- إلى مقامرة خطرة. وشهدت السلع أيضاً خلال 2020 و2021 تدفقات خارجة.

مخاطر كبيرة

تُعدّ تلك حالة صعبة لا يمكن الفكاك منها، إذ كلما ارتفعت الأسعار، كلما تم سحب أموال أكثر، وباتت السلع أشد خطورة. تعمل غرف المقاصة على زيادة متطلبات الضمانات للحماية من حالات التخلف عن السداد، بينما تُفاقم أسعار الفائدة المرتفعة من تكاليف الاقتراض، ما يترك التداول أعلى تكلفة. تنذر أزمة السيولة بتعطيل سلاسل التوريد المتأزمة فعلاً، وتعزز من معدلات التضخم، وتقود لوقوع حالات إفلاس وخطط إنقاذ.

يحدث هذا فعلياً في أوروبا، حيث دفعت الزيادات الكبيرة بتكلفة الطاقة لدى ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة لفرض عمليات تأميم للمرافق المتعثرة، بينما يخشى مزارعو الأغذية بهولندا من اضطرارهم للتوقف عن العمل. وعلى صعيد الولايات المتحدة، طُلب من الجهات التنظيمية فتح تحقيقات حول ما إذا كان المضاربون يساهمون في تقلبات الأسعار الكبيرة.

غولدمان: أسعار السلع تصعد 43% في 2023 بسبب نقص المعروض

مثّلت توقعات الاقتصاد الكلي أكبر مشكلة للمستثمرين والمشاركين التجاريين بالسوق. قالت تريسي ألين، الخبيرة الاستراتيجية المتخصصة في السلع الزراعية في بنك "جيه بي مورغان": "في ظل صعود أسعار الفائدة التي رأيناها، يتعين زيادة عائدات السلع لتغطية التكلفة الباهظة للمشاركة بالتجارة، وعندما يصبح لدينا تقلب هائل من هذا النوع، تكون عملية إدارة هوامش الأرباح أعلى كلفة كثيراً".

العقود المفتوحة

حالياً، تقترب أعداد العقود النشطة وسط العقود الآجلة للخام الأميركي من مستوى هو الأدنى منذ 2014. وتدور العقود المفتوحة بسوق الغاز الطبيعي الأوروبي الرئيسية، والتي تعرضت لواحدة من أشد عمليات صعود الأسعار المتطرفة لأي سلعة، حول أدنى مستوى لها منذ 4 أعوام تقريباً، رغم أنها لا تعد جزءاً من حصيلة التدفقات الخارجة الخاصة بـ"جيه بي مورغان".

وهبطت العقود المفتوحة الخاصة بالقمح المتداول ببورصة شيكاغو مؤخراً لأدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية التي وقعت في 2008، وتراجعت السيولة النقدية بالعقود الآجلة للنيكل المتداولة ببورصة لندن بالقرب من مستوى هو الأدنى منذ 8 أعوام تقريباً.

يأتي الانخفاض في وقت تزيد فيه غرف المقاصة للسلع متطلبات الضمانات لمستويات عالية تاريخية للوقاية من مخاطر خروج السوق عن السيطرة. زادت هوامش الأرباح للعقود الآجلة للنفط الأميركي لأقرب شهر استحقاق لتصل إلى 12 ألف دولار خلال العام الجاري، لتواكب أقصى حدود 2020 عندما بات النفط يباع بالسالب. مع نهاية أكتوبر الماضي، بلغت الهوامش 7500 دولار تقريباً، أي أعلى بـ50% تقريباً من السنة السابقة. على صعيد نفط خام برنت، المعيار العالمي، صعدت هوامش الأرباح 60% مقارنة بذات الفترة من السنة الماضية، وتخلت هوامش الأرباح للعقود الآجلة القياسية للغاز الأوروبي عن مستويات ذروتها، لكنها لا زالت تزيد عن ضعف ما كانت عليه قبل سنة.

الصين تزيح الكآبة عن أسواق السلع رغم تأخر التعافي

يستدعي رام فيتال، رئيس شركة "مايركس غروب" (Marex Group) لوساطة العقود الآجلة وعقود الخيارات في منطقة أميركا الشمالية، من الذاكرة وقتاً طالبت بورصة شيكاغو التجارية فيه بسداد ما يصل إلى مليار دولار كضمان لتغطية مراكز استثمار عملاء الشركة، لكن السوق تحركت بصورة هائلة حتى أنه خلال 5 ساعات، حولت البورصة 100 مليون دولار إلى "مايركس" لأنه لم يعد هناك حاجة لضمانات السداد.

مراكز الاستثمار

يُعتبر تغير التقلبات من هذا النوع بمثابة طريقة ممارسة اللاعبين بالسوق لأنشطتهم التجارية. يحتفظ غالبية المضاربين حالياً بمراكز استثمارية أصغر كثيراً، حيث تزداد مخاطر أن ينتهي بهم المطاف على الجانب الخطأ من الرهان. في هذه الأثناء، انتقل بعض التجار من سوق العقود الآجلة إلى سوق عقود الخيارات، والتي من المعتاد أن تشترط وجود ضمانات أقل. عندما بلغت هوامش الأرباح لمستويات ذروتها في وقت سابق من السنة الجارية، قفزت العقود المفتوحة ببعض عقود خيارات النفط المتخصصة لأعلى مستوى خلال 6 أعوام، وتخطى إجمالي نشاط عقود الخيارات حجم تداول العقود الآجلة.

أشار بيتر كييفي، رئيس وحدة الطاقة ببورصة شيكاغو التجارية، إلى أن هوامش الأرباح "تعكس تقلبات السوق ولذلك فهم يؤدون عملهم عند مستوى ما عن طريق الحد من إجمالي الاستدانة في منظومة التداول والسماح بمشاركة ملائمة".

ارتفاع الدولار القياسي يهوي بالمعادن.. والذهب يهبط إلى أدنى مستوى منذ 2020

يترك بلوغ هوامش الأرباح مستويات عالية وزيادة أسعار الفائدة الأمر أعلى كلفة للشركات من أجل التحوط ضد تقلبات أسعار السلع الأساسية، حيث أعلنت شركة إنتاج النفط الأميركية "هيس" أكتوبر الماضي أنها ربما تؤجل إنشاء مراكز استثمار العام الجاري بسبب التكلفة المرتفعة. وسط بعض أكبر شركات التحوط بقطاع النفط الصخري، يوجد تأمين بنسبة 16% فقط على إنتاج النفط ضد تقلبات الأسعار للسنة المقبلة، مقارنة بـ39% في 2021 و81% بـ2017، بحسب رسالة للعملاء من بنك "ستاندرد تشارترد" خلال نوفمبر الماضي. حتى لو امتلكت شركات أموالاً لتدعيم تجارتها، فإن نقص السيولة المالية يؤدي لعدم توافر عدد كافٍ من المشاركين بالسوق لإبرام عدد ضخم من الصفقات لعدة شهور مستقبلية.

أوضحت ناتاشا كانيفا، رئيسة وحدة استراتيجية السلع الأساسية لدى "جيه بي مورغان"، خلال فعالية لجمعية قطاع العقود الآجلة بشيكاغو الشهر الماضي: "لا يشعر المستثمرون فعلاً بالارتياح للدخول في السوق".

حتى اللاعبون أصحاب الملاءة المالية الكبيرة عرضة لمخاطر هائلة.

مقياس المخاطر

توقعت شركة "ترافيغورا غروب" (Trafigura Group)، وهي واحدة من أكبر شركات تجار السلع المستقلة، أن تكون القيمة المعرضة للمخاطر لديها -وهو مقياس للمقدار الذي قد تخسره الشركة خلال يوم عادي من التداول– ربما تزداد خلال العام الجاري. عبر 6 شهور تنتهي في مارس الماضي، وصل متوسط هذ المقياس لـ244 مليون دولار، أي ما يفوق 5 أضعاف متوسط السنة السابقة. كانت القيمة المعرضة للمخاطر لـ"غولدمان ساكس" بالسلع الأساسية على نفس المنوال بالربع الثاني من 2022 لتبلغ نحو 63 مليون دولار، وهو المستوى الأعلى المسجل منذ 2001 على أقل تقدير وأكثر من ضعف ما كان عليه أثناء ذروة تفشي وباء كورونا، عندما هبطت أسعار النفط. باتت النماذج التي تعتمد عليها البنوك والشركات الأخرى للتنبؤ بتحركات السوق أقل دقة في ظل مستويات استثنائية من التقلبات، بحسب أبحاث "غولدمان".

قفزة في أسعار كافة السلع الرئيسية بعد تخفيف الصين قيود كورونا جزئياً

قال جورج كالترارو، رئيس قسم السلع لدى "بنك أوف أميركا": "في الوقت الراهن، يبدو أن الموقف والمخاطرة أخف حدة مما شاهدناه عبر التاريخ، يتعين وجود حالة من الخضوع للمخاطر، وهي موجودة فعلاً، نظراً لحدوث هذا التقلب في اتجاهين، إذ من الصعب ببعض الأحيان العثور على أسباب جذرية تقف وراء بعض من هذه التحركات".

عندما حاول وسيط نيويورك خلال سبتمبر الماضي شراء فارق سعر خام برنت لأقرب شهر استحقاق، وهي نافذة تداول مهمة، زادت الأسعار كثيراً على مدار ساعة بحيث تجاوز الفرق بين سعر الشراء والسعر الذي تمت به الصفقة 20 سنتاً للبرميل الواحد، أو أكثر من 100 ألف دولار لإجمالي الصفقة. رغم أن عميله استفاد من الارتفاع بنهاية المطاف، إلا أن هذا التحرك أذهل الوسيط الذي يحظى بخبرة تتجاوز عقدين.

أزمة سيولة

كان بعض تجار النفط يشيرون إلى هذه الظاهرة باسم "السيولة المعطلة"، ويتوقعون استمرار الوضع ما لم تنه روسيا غزوها لأوكرانيا وأن تبقى السوق دائماً في هيكل يُعرف بمسمى بحالة "كونتانغو" (contango) حيث سعر العقود المستقبلية أعلى من الفورية، مما يدلل على حدوث زيادة في المعروض. وقال التجار إن المشاركة بالسوق تتجه للصعود مع حالة التحوط في ظل زيادة كميات براميل الخام التي تُعتبر بحاجة للتحوط وتدويرها من شهر لآخر.

أكد رايان فيتزموريس، المتداول الكبير لمؤشر السلع الأساسية بشركة "مايركس": "نتوقع أن نشاهد عودة أحجام الصفقات للارتفاع مع بدء تصفية التقلبات الناجمة عن الحرب من نماذج المخاطر"، لكنه أشار إلى أن ذلك سيحث على الأرجح خلال النصف الثاني من 2023.

رغم ذلك، ما دامت التقلبات متواصلة، فعلى الأرجح ستبقى متطلبات الضمان مرتفعة، ما يُبقي قدراً من رأس المال معلقاً في احتياطات التغطية.

قالت إليا بوشوييف، متداولة سابقة والأستاذة المساعدة بجامعة نيويورك: "التقلبات تولد التقلبات، فهي حلقة من من ردود الفعل".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
NAMEالمؤشرVALUEقراءة المؤشرNET CHANGEالتغيرCHANGE %نسبة التغير1 MONTHشهر1 YEARسنةTIME (GMT)الوقت2 DAYيومان
JBO1:COMالفولاذ352.00-2.00-0.56%-6.26%-8.33%2024-11-22الفولاذ
LN1:COMالنيكل15,801.13+257.56+1.66%-2.11%-2.87%2024-11-22النيكل
LCO1:COMكوبالت24,300.000.000.00%0.00%-26.62%2024-11-22كوبالت
LA1:COMألمنيوم2,607.35-5.87-0.22%-0.27%+18.87%2024-11-22ألمنيوم
HG1:COMنحاس (Comex)416.70+3.40+0.82%-4.67%+8.73%15:44:18.000نحاس (Comex)
تصنيفات

قصص قد تهمك