بعدما وفرت ملاذاً آمناً للمستثمرين من الخسائر التي تكبدتها أسواق الأسهم على مستوى العالم في 2022، يبدو أن الأسهم الهندية في طريقها لأن تفقد الزخم خلال العام المقبل، حيث تقلّل التقييمات المرتفعة من الحماسة التي اتسمت بها السوق.
هذا ما يُجمع هذا عليه محللون وخبراء استراتيجيون، حيث يتوقعون أيضاً أن يكون أداء العملة الهندية، الروبية، أقل من أداء عملات الأسواق الناشئة على نطاق واسع، وأن تستفيد سندات البلاد من إدراجها ضمن مؤشرات عالمية رئيسية.
قال هيرين داساني، العضو المنتدب في صندوق "غولدمان ساكس أسيت مانجمنت": "إن كان هناك بعض التعافي في النمو والثقة حول العالم، فربما يكون أداء بعض هذه الأسواق التي بلغت ذروة البيع، أفضل بالمقارنة مع الهند خلال الفترة من 6 إلى 12 شهراً المقبلة، نظراً لأن أداء السوق الهندية تفوقت تماماً خلال الـ18 شهراً الماضية". وأضاف: "لكن على المدى المتوسط، سيكون أداء الهند أفضل بكثير بفضل فرصة النمو المركبة".
نستعرض فيما يلي، ما هو متوقع في الأسواق الهندية خلال 2023:
تحدي التقييمات
رغم أن الهند سوق متميزة خلال العام الحالي، مع صعود مؤشر "نيفتي 50" (NSE Nifty 50) بأكثر من 7%، بالمقارنة مع تراجع الأسهم على مستوى العالم 18%، إلا أنها تبقى الأعلى تكلفة في آسيا. قال خبراء استراتيجيون في "غولدمان ساكس غروب"، إن هذا سيؤدي على الأرجح إلى هبوط أداء سوق الأسهم الهندية مقارنة بالصين وكوريا الجنوبية خلال العام المقبل.
تضع "سيتي غروب" هدفاً لمؤشر "نيفتي" عند 17,000 نقطة بحلول نهاية 2023، أي بما يقل 5% تقريباً عن مستواه في نهاية هذا الأسبوع. يُتداول المؤشر الرئيسي للأسهم القيادية أقل بـ20 مرة عن تقديرات الأرباح الآجلة، مقارنة مع 13 مرة تقريباً لمؤشر "مورغان ستانلي للأسهم اللآسيوية" (MSCI Asia Pacific Index).
كتب محللو شركة "جيفريز فاينانشال غروب" (Jefferies Financial Group) بمن فيهم أكشات أغاروال في مذكرة الشهر الجاري: "نحن حذرون إزاء الهند نتيجة التقييمات العالية".
لماذا لا يؤدي النمو الهائل للهند إلى توفير فرص عمل؟
رغم ذلك، قالت "سيتي غروب": إن الشركات الهندية المدرجة، بارعة في تحويل النمو الاقتصادي إلى أرباح في الأسهم، كما أن التقلبات الناجمة عن الدورة الاقتصادية كانت محدودة". وكتب محللون في مذكرة حديثة: "على الأرجح، ستتخلف الهند عن أي انتعاش مرتبط بدورة الاقتصاد في أي مكان آخر، لكننا نقدّر هذا الأداء المتسق".
يضع "غولدمان ساكس" هدفاً مختلفاً لمؤشر "نيفتي" عند 20,500 نقطة للفترة ذاته، أي أعلى بـ10% تقريباً.
رياح معاكسة للروبية
سيستغل بنك الاحتياطي الهندي على الأرجح كل فرصة متاحة من أجل ترميم مخزونه من احتياطي النقد الأجنبي، في ظل عودة التدفقات إلى الأسواق الناشئة، وهو تحرك ربما يلقي بثقله على سعر صرف الروبية.
هل ترتكب الأسواق الناشئة خطأً بالسياسية النقدية مع تضارب الأولويات؟
شهدت سلطة النقد في الهند تراجعاً في احتياطياتها الأجنبية خلال العام الجاري بمقدار 83 مليار دولار، إذ باعت عملة الدولار من أجل تدعيم سعر صرف الروبية وتقلصت حيازاتها من العملات الأجنبية الأخرى. ساهم ذلك في الحد من تراجع العملة ليصل إلى 10% تقريباً مقابل الدولار الأميركي، ما جعل الخسائر تواكب نظيراتها الآسيوية من الأسواق الناشئة.
كتب محللو " غولدمان ساكس غروب"، ومن بينهم داني سوانابروتي في مذكرة: "نعتقد أن البنوك المركزية التي لديها مستوى منخفض من الاحتياطي النقدي أو أنها شهدت تدهوراً هائلاً في حساباتها الجارية، أو كلا الأمرين معاً، بما فيها الهند وماليزيا والفلبين، ستستغل الفرصة لتعزيز احتياطياتها النقدية، وبالتالي، الحد من ارتفاع الأسعار".
تتوقع "آي إن جي غروب" أن يبلغ سعر صرف عملة الروبية، 83 مقابل الدولار بحلول نهاية العام المقبل، بينما يتوقع مصرف "غولدمان ساكس" أن تبلغ 82 خلال الأشهر الـ12 المقبلة، بما يتماشى إلى حد كبير مع المستويات الراهنة. تراوح سعر صرف الروبية حول 82.30 للدولار في نهاية الأسبوع.
الهند تقول إن سياسة الفيدرالي الأميركي تهدد تدفقات رأس المال الأجنبي
رغم ذلك، يتوقع محللو "جيه بي مورغان تشيس آند كو"، أن تكون هناك ضغوط أكبر على العملة خلال 2023، ناجمة عن وضع تجارة الهند.
كتب فريق من بينهم ميرا تشاندان في مذكرة: "على الأرجح ستتعرض الموازين التجارية لضغوط مزدوجة خلال العام المقبل بين واردات الطاقة العالية والصادرات الضعيفة، ما يبرز قرارنا بالاحتفاظ بمركز استثماري كبير من الدولار مقابل الروبية".
مؤشر الأمل
يتطلع مستثمرو السندات لانضمام الهند إلى مؤشرات عالمية عقب تراجع مؤشري "جيه بي مورغان" و"فوتسي راسل" عن تحرك من هذا النوع خلال العام الجاري، بحجة المشكلات التشغيلية التي لا تزال تحتاج إلى إيجاد حلول لها.
باعت الصناديق حول العالم سندات الهند السيادية المؤهلة للانضمام إلى مؤشر "جيه بي مورغان" للمرة الأولى في 7 أشهر خلال أكتوبر الماضي، عقب إحجام "جيه بي مورغان" عن تسجيل أدوات الدين تلك ضمن مؤشره.
قال "غولدمان ساكس" إن عملية التسجيل في مؤشر "جيه بي مورغان" للأسواق مسألة وقت فقط، ومن المرجح أن تتم خلال 2023. يحتفظ المستثمرون الأجانب بحيازة تقل عن 2% من الديون السيادية الهندية في ظل تزايد عمليات الاقتراض من قبل الحكومة الفيدرالية.
ماذا ستعني إضافة الهند إلى مؤشرات السندات العالمية؟
لكن هذه الزيادة في الاقتراض، تُعدّ أيضاً أحد الأسباب التي تجعل مصرف "دي بي إس بنك" يقلص من حجم استثماراته في الأوراق المالية الحكومية للهند خلال العام المقبل.
كتب الخبيران الاستراتيجيان يوجين ليو، ودانكان تان، الثلاثاء الماضي: "قد تكون عملية ضبط الأوضاع المالية محدودة نوعاً ما مع الأخذ في الاعتبار أن عام 2024 هو عام إجراء الانتخابات العامة، ومن ثم، نتوقع أن تبقى عمليات طرح الأوراق المالية الحكومية ضخمة إلى حد ما خلال 2023. وفي ظل نقص السيولة المالية الذي يؤثر سلباً على الطلب من البنوك، فإن استيعاب السوق لعمليات الطرح الضخمة قد يواجه صعوبات".
تعافي إصدار الديون
من المنتظر أن تتعافى مبيعات الشركات الهندية من السندات المقومة بالروبية خلال العام المقبل، مع انتقال المُصدرين من القروض المصرفية إلى الأوراق المالية التي تقدم وفورات أكثر. باعت الشركات سندات محلية بلغت قيمتها 8 تريليونات روبية تقريباً (ما يعادل 97.1 مليار دولار أميركي) حتى الآن خلال العام الجاري، ولم تتغير بدرجة كبيرة بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، بحسب بيانات جمعتها بلومبرغ.
قال أجاي مانغلونيا، العضو المنتدب ورئيس وحدة الدخل الثابت المؤسسي في شركة "جيه إم فاينانشال" (JM Financial)، الذي يتوقع أن يرتفع إجمالي مبيعات السندات المقومة بالروبية بنسبة تُقدّر بـ25% في 2023: "ستشكل السندات المسار المفضل للاقتراض خلال العام المقبل، في ظل اتساع فروق العائدات مع سعر فائدة إقراض البنوك". وأضاف: "سنشاهد الشركات تفضل إصدار السندات خلال العام المقبل، مع استقرار تكاليف الاقتراض، نظراً لأن معظم تحركات أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي قد تم أخذه في الحسبان".
توصي كل من شركة " تي رو برايس غروب" وشركة "نومورا هولدينغز" بسندات الشركات في قطاع الطاقة المتجددة في الهند خلال العام المقبل. أشار المحلل في "نومورا"، إريك ليو في مذكرة، إلى اتساع فوارق العائدات على السندات، واعتبارات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية وتدابير سياسات تقديم الدعم، باعتبارها بعضاً من أسباب وجود "فرص استثمار جذابة"، سانحة في القطاع.