ارتفاع كبير في الطلب، وعرض محدود، وتلاعب في الأسعار، واتهامات بالاحتكار، وفوق كل ذلك، العميل على استعداد لدفع أي شيء تقريباً.
مرحباً بكم في "اقتصاديات سويفت" (Swiftonomics).
تضم جولة تايلور سويفت القادمة في الولايات المتحدة والتي تتألف من 52 حفلة موسيقية جميع مكونات صدمة الطلب بعد كوفيد. إذ يقال إنَّ بعض الموزعين طلبوا 40,000 دولار أو أكثر مقابل تذاكر الحفل بعد نفاد المبيعات الرسمية الأسبوع الماضي، مما ترك الملايين مستعدين لدفع كل ما يتطلبه الأمر للحصول على مقعد.
استعداد للتبذير
يُشار إلى أنَّ "سويفتيز" (Swifties)، وهم معجبو نجمة البوب، لا يمثلون بالضرورة المواطن الأميركي العادي، لكنَّهم يجسدون اللحظة الحالية في اقتصاد ما بعد كوفيد. وحتى مع اقتراب الركود؛ فإنَّ العديد من المستهلكين على استعداد للتبذير على ما فاتهم في ذروة الجائحة، سواء كان ذلك عبر السفر أو الترفيه الحي.
يمثل عشاق سويفت نسخة متطرفة من ذلك المستهلك المندفع، فالملايين من جيل الألفية وجيل زد قد انتظروا أربع سنوات على الأقل لرؤية النجمة تعاود نشاطها مرة أخرى وخرجوا من الجائحة بمدخرات عالية تاريخياً.
في هذا الصدد، قالت ليزا يانغ، المحللة في "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs Group) التي تنشر التقرير السنوي المعنون بـ"ميوزك إن ذي إير" (Music in the Air) الصادر عن البنك بشأن الصناعة العالمية: "يُنظر إلى الحفلات الموسيقية على أنَّها رفاهية ميسورة التكلفة في أوقات الأزمات".
سوق ثانوية
وفي الوقت الحالي، لا تتوفر تذاكر جولة "ذي إيراس تور" (The Eras Tour) للفنانة سويفت إلا في السوق الثانوية، وهي ليست رخيصة على الإطلاق. فقد تم بيع حوالي 2.4 مليون تذكرة الأسبوع الماضي قبل أن توقف شركة "تيكت ماستر" (Ticketmaster) البيع المسبق الرسمي، إذ تعطّل موقع شركة التذاكر تحت ضغط 14 مليون شخص ممن يحاولون الحصول على مقاعد.
ومن بين هؤلاء كانت ميليسا كيرني، أستاذة الاقتصاد في جامعة ميريلاند، والتي تختبر الآن بشكل مباشر القوانين الأساسية للعرض والطلب. إذ قالت والدة اثنين من معجبي سويفت، وعمرهما 12 و15 عاماً، إنَّها تبحث في أسعار السوق الثانوية بعد أن فشلت في شراء التذاكر.
وقالت كيرني، التي تدير شركة "آسبن إيكونوميك استراتيجي غروب" (Aspen Economic Strategy Group): "لا يريدان من هذا العالم شيئاً أكثر من هذا؛ فقد غيّرت الجائحة بشكل عام الطريقة التي يفكر بها الناس بشأن ما هو مهم حقاً بالنسبة لهم، وما الذي يجلب لهم السعادة".
وقد جمع غوتافو كوتينيو، الذي لم يشاهد سويفت على الهواء مباشرة، ميزانية قدرها 2,000 دولار بعد 10 أشهر من المدخرات، وانتهى المطاف بالمستشار البالغ من العمر 25 عاماً في بوسطن إلى إنفاق حوالي 1,500 دولار لحضور حفلتين موسيقيتين. قال: "كنت سأدفع 3,000 دولار إذا اضطررت إلى ذلك".
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ابتكر الخبير الاقتصادي الراحل آلان كروجر مفهوم "اقتصاديات الروك" (Rockonomics) لشرح الاقتصاد من خلال عدسة صناعة الموسيقى. وغالباً ما استخدم كروجر الفنانة سويفت، التي أصدرت ألبومها الأول في عام 2006 عن عمر يناهز 16 عاماً، كمثال لشخص لعب باستراتيجيات عززت مبيعات الحفلات الموسيقية ومبيعات المنتجات، ووصفها بأنَّها "عبقرية اقتصادية".
اقتصاديات الروك
كما يوافقه تلاميذه الرأي؛ حيث قالت كارولين سلون، التي تُدرِّس فصلاً دراسياً بعنوان "اقتصاديات الروك" في جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد: "لقد أصبحت فئة كاملة تقريباً؛ والناس لا يرون بديلاً أروع من الذهاب إلى عرض تايلور سويفت. إنَّهم يريدون حقاً رؤيتها حية، وأنا أقول ذلك بصفتي معجبة".
كما أثبت فنانون آخرون، بمن فيهم بروس سبرينغستين، أنَّ المعجبين مستعدون لدفع أسعار باهظة للفعاليات الحية الضخمة بعد كوفيد – وليذهب الركود إلى الجحيم.
وفي الوقت نفسه؛ فإنَّ "اقتصاديات سويفت" عبارة عن دورة مكثفة حول مفهوم آخر: الاحتكار. حيث انتهز السياسيون والمدّعون العامون اللحظة لتجديد انتقاداتهم لشركة "تيكت ماستر"، اللاعب المهيمن في صناعة الموسيقى الحية.
حتى قبل الأسبوع الماضي، كانت "تيكت ماستر" والشركة الأم "لايف نيشن إنترتينمنت" (Live Nation Entertainment) هدفاً لتحقيق مرتبط بمكافحة الاحتكار من قبل وزارة العدل حول ما إذا كانت المنصة تسيء استخدام سلطتها، وفقاً لأشخاص مطّلعين على التحقيق.
في حين قالت "لايف نيشن" إنَّ "تيكت ماستر" هي شركة رائدة بسبب جودة نظامها الأساسي، وليس نتيجة لأي ممارسات تجارية مانعة للمنافسة. واعتذرت "تيكت ماستر" لمعجبي سويفت، قائلة إنَّها ستعمل على تحسين نظامها من الآن فصاعداً، كما قالت سويفت نفسها إنَّه من "المؤلم" مشاهدة الأخطاء تحدث.
العقل المدبر للعرض
في النهاية؛ المغنية هي العقل المدبر وراء العرض. فقد اختارت أن تقدّم عرضها الغنائي في الملاعب ذات السعة العالية، وأضافت حفلات موسيقية جديدة. ومع ذلك؛ ما تزال هناك نوبة من الجنون حول جولاتها. إذ قال باسكال كورتي، الخبير الاقتصادي بجامعة فيكتوريا في كندا الذي يبحث في أسواق إعادة بيع التذاكر: "غالباً ما يكون لديك شعور بأنَّ الندرة تزيد الطلب".
أحد أكبر الأسئلة في الاقتصاد الأوسع هو ما إذا كان المستهلكون سيستمرون في الإنفاق مع زيادة معدلات الفائدة والبطالة.
اقتصاديات سويفت
ربما لن تساعد "اقتصاديات سويفت" في الإجابة. إنَّه عالم اقتصادي مصغر خاص، والمشجعون لا يهتمون به كثيراً.
من جانبها قالت كيرني، الخبيرة الاقتصادية الأم لاثنين من معجبي سويفت: "أتردد في تحميل الكثير من التفسيرات لاستعداد الناس لدفع مبالغ باهظة لشراء تذاكر تايلور سويفت وما يقوله ذلك عن صحة الاقتصاد الأميركي؛ وأنا أميل أكثر إلى تفسير الموضوع بأنَّه بالنسبة لمحبي تايلور سويفت المتعصبين - والذين يوجد الكثير منهم - فإنَّ الطلب على التذاكر غير مرن تقريباً".