تُفاقِم تكاليف الشحن البحري المتزايدة الضغوط على أسواق النفط المادية، التي تضررت بالفعل بسبب الشكوك المحيطة بفرض سقف أسعار على النفط الخام الروسي، وضعف المشتريات من الصين.
تجاوز سعر نقل النفط على المسار التجاري المعياري للقطاع مستوى 100 ألف دولار يومياً، الاثنين الماضي، وهو الأعلى منذ أوائل 2020، عندما تسبب وباء كوفيد-19 في ارتفاع أسعار الناقلات التي تخزن الشحنات. ومع اضطرار السفن الآن إلى الإبحار في مسارات أطول بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، مع ما يسببه ذلك من انخفاض في عدد السفن المتاحة للشحن، يجد متداولو وشركات النفط أن عليهم الآن دفع أسعار أعلى من أي وقت مضى لنقل البضائع، وهو ما يرفع بالتالي تكلفة النفط الخام.
أعباء إضافية
قال فيكتور كاتونا، كبير محللي النفط الخام في "كبلر" (Kpler)، وهي شركة متخصصة في إصدار البيانات والتحليلات، إنّ "الشحن أصبح عبئاً ملموساً" على سعر النفط، إذ يجري تحميله، ما يُفاقِم الضغوط الناتجة عن تراجع مشتريات الصين، مضيفاً أنه إلى جانب ذلك يساور المشترين القلقُ إزاء الكيفية التي ستتأثر بها السوق بعد تحديد سقف لأسعار النفط الروسي.
اعتباراً من 5 ديسمبر المقبل سيُفرض سقف على أسعار النفط الروسي للشركات التي ترغب في الوصول إلى السفن والخدمات، بما في ذلك التأمين الذي توفره الشركات في مجموعة دول السبع. لم يحدد مستوى سقف الأسعار الفعلي حتى الآن، ما يجعل من الصعب على المشترين التخطيط للكمية التي قد يرغبون في شرائها من موسكو.
تتسبب أسعار الشحن المرتفعة التي يكسبها مالكو الناقلات أيضاً في ارتفاع تكاليف النقل للبرميل الواحد بالنسبة إلى المتداولين. أظهرت بيانات الشحن الآجلة في بورصة البلطيق التي جمعتها "بلومبرغ" أن الشحنات التي تُنقل من ساحل الخليج الأميركي إلى الصين -وهو واحد من أطول الطرق الرئيسية في القطاع- تكلف الآن 6.60 دولار للبرميل تقريباً. يعادل هذا ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما كان عليه في فبراير الماضي.
شحنات فائضة
تراجعت أسعار عديد من خامات البحر الأبيض المتوسط، التي يجري تداولها بفارق سعر مقارنة مع نفط خام بحر الشمال الذي يُعرف باسم "برنت المؤرخ"، ولا يقل هذا الفارق عن 1.50 دولار للبرميل عند مقارنته بسعر الشهر الماضي، في حين أن أكثر من 20 شحنة من غرب أفريقيا لا تزال تكافح للعثور على مشترين، حتى بعد خفض أسعارها مرات عدة.
قال كيت هاينز، المحلل في شركة "إنيرجي أسبكتس" (Energy Aspects)، إنّ فائض شحنات النفط الخام في أوروبا الناجم عن الإضرابات العمالية في جميع أنحاء القارة "يحد من أسعار السوق الفورية، في الوقت الذي تشتري فيه الأسواق البراميل من مناطق أبعد، بمنأى عن نفط الأورال".
أضاف هاينز: "هذا يعني أنه في أي وقت يكون لديك انقطاع غير مخطط له في الإمدادات فإن المبيعات الفورية للخام ستتلقى دعماً بسرعة كبيرة، ومع ابتعاد الصين عن السوق في الوقت الحالي، لا يوجد فعلياً مكان لاستيعاب الشحنات".
تنخفض الفوارق السعرية في السوق الفورية في الأميركتين مع تطبيق خصم على سعر النفط الخام الأميركي تحميل ديسمبر قدره 7 دولارات على سعر خام برنت في بورصة "إنتركونتيننتال"، مقارنة مع دولارين قبل بضعة أسابيع. في غضون ذلك، شهدت أسعار خام كاستيا الكولومبي أكبر خصومات عليها منذ الوباء.
تقلصت علاوات الأسعار الفورية في آسيا لأصناف مختلفة من خامات الشرق الأوسط بصورة أكبر على البراميل تحميل يناير، بما في ذلك خام مربان الرائد في أبوظبي، وقطر مارين، وفقاً لمتداولين يبيعون ويشترون هذه الشحنات.
تراجع الطلب
في الأشهُر العادية، يزداد الطلب على براميل الخليج العربي من قِبل المشترين الآسيويين، وقتها ترتفع أسعار الشحن وتلاحق شركات التكرير والمتداولون الإمدادات المحلية بدلاً من الخامات المستوردة من مناطق بعيدة في حوض المحيط الأطلسي.
مع ذلك، فإن تكاليف الشحن المتزايدة يجري تعويضها عن طريق خفض العلاوات السعرية في السوق الفورية خلال الدورة الحالية، حتى بالنسبة إلى أنواع النفط الخام من منتجي "أوبك"، حسب المتداولين.
تضررت سوق خام غرب أفريقيا بأكبر قدر من ارتفاع أسعار الشحن، إذ يجري شحن أكثر من نصف شحناتها إلى مواقع بعيدة، بما في ذلك الصين والهند. وما يقرب من نصف شحنات نيجيريا لشهر ديسمبر لم يجد مشترين في دول بعيدة، رغم بدء دورة التداول لشهر يناير بالفعل.
وفي البحر الأبيض المتوسط، عُرض مزيج قزوين (سي بي سي) بنحو 5 إلى 6 دولارات للبرميل أقل من معيار "برنت المؤرخ"، مقارنة بخصم يتراوح بين 3.50 و4 دولارات قبل شهر.
لا تؤدي قلة الناقلات المتاحة إلى زيادة أسعار الشحن فحسب، بل تتسبب أيضاً في زيادة معدلات غرامات التأخير، التي تشمل تكاليف التأخير في المواني وحولها. قال وسطاء بحريون إنّ تكاليف غرامات التأخير لما يسمى ناقلات النفط الخام الكبيرة جداً تقدّر الآن بنحو 120 إلى 130 ألف دولار يومياً، بزيادة تعادل 50 ألف دولار أكثر مما كانت عليه قبل شهرين.
لتقليل تلك الغرامات، يحاول عديد من ناقلي البضائع الوصول إلى المواني في الوقت المناسب للتحميل، وليس قبل ذلك، ما يزيد احتمال حدوث تأجيلات غير متوقعة في التسليم.
جرى تحميل شحنة من نفط بحر الشمال على ناقلة نفط كبيرة جداً من شركة "هاوند بوينت" (Hound Point) في اسكتلندا بعد خمسة أيام تقريباً مما كان مقرراً في الأصل، وهو تأخير نادر الحدوث في هذه المحطة، حسبما قال أشخاص على دراية بالأمر.
عودة الصين
قال هاينز إنّ التراجع في مشتريات الصين أتاح لأوروبا وقتاً إضافياً في سعيها إلى إيجاد طريقة للاستبدال بنحو 800 ألف برميل يومياً من خام الأورال الروسي الرائد، بعد دخول حظر الاتحاد الأوروبي على واردات الدولة العضو في تحالف "أوبك+" حيز التنفيذ في غضون أسبوعين، متوقعاً عودة الصين إلى الشراء من السوق في أوائل الربيع المقبل.
أضاف: "مشتريات الصين فاترة في الوقت الحالي، وهو ما سيخفف قوة الضربة. لكن بمجرد عودتها إلى السوق –من أجل شراء براميل للربع الثاني من العام المقبل على الأرجح- ستكون الصين سبباً رئيسياً لتغيير موازين السوق خلال عام 2023".
مع ذلك، يعتقد بعض المتداولين أن الأسعار قد انخفضت بالفعل بدرجة كافية لتحفيز عمليات شراء أكثر من آسيا. ارتفعت مبيعات براميل النفط الخام البرازيلي تسليم يناير وفبراير إلى الصين، عندما خفض البائعون السعر المطلوب إلى المستوى الذي كانت تقدمه شركات النفط الحكومية الصينية ومصافي التكرير في كوريا الجنوبية.