لطالما كانت ديون إيطاليا نقطة ضعف "منطقة اليورو". وفي السنوات الماضية، كان التضخم منخفضاً للغاية، وهو ما دفع البنك المركزي الأوروبي إلى شراء الأصول على نطاق واسع. ساعد ذلك في الحفاظ على انخفاض تكاليف الاقتراض للحكومة في روما. لكن الآن، وضعت معركة السلطة النقدية ضد التضخم، ديون البلاد في مسار غير مستدام. قد يزداد الأمر سوءاً، إذ سيكافح البنك المركزي الأوروبي لحل المشكلة بمفرده، وفي الوقت ذاته توشك الحكومة الإيطالية الجديدة، بقيادة اليمينية جورجا ميلوني، على مواجهة تحديات كبيرة.
في ظل القفزة التي تسجلها عوائد السندات، تتجه نسبة الدين في إيطاليا للارتفاع إلى ما يقرب من 190% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2040، من 150% في الوقت الحالي، علماً أن توقعات يناير الماضي، كانت تشير إلى انخفاض هذا الرقم قليلاً في غضون هذا الإطار الزمني.
سيتطلب استقرار نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، أن يميل الميزان الرئيسي (الفرق بين الإيرادات الضريبية والإنفاق على الاستثمار والخدمات العامة) إلى تسجيل فائض بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي، مقانة مع عجز قدره 1.8% في عام 2022. وسيتطلب ذلك فرض بعض تدابير التقشف القاسية، والتي من غير المرجح أن أن تلقى دعماً من الناخبين.
دراما في الأفق
يجعل سبب التدهور، المشكلة صعبة الحل. فبدلاً من إظهار خوف غير منطقي من انهيار نظام العملة الموحدة، تظهر حساباتنا أن ثلاثة أرباع القفزة في عوائد السندات كانت مدفوعة بتوقعات ارتفاع أسعار الفائدة -إذ يرى المستثمرون أن البنك المركزي الأوروبي مضطر لفعل المزيد لإبقاء التضخم تحت السيطرة.
بالنسبة إلى مجلس حكام البنك المركزي الأوروبي، سيكون من الصعب عليه الإقرار بأن ديون إيطاليا مستدامة، وهو شرط أساسي لتفعيل أداته الائتمانية الجديدة لمكافحة الأزمات، التي تسمى "أداة حماية الانتقال" (TPI)، والتي يرجح استخدامها في نهاية المطاف، لكن فقط عندما تتفاوض إيطاليا مع الشركاء الأوروبيين.
لذلك، من المتوقع أن تكون هناك دراما.
إذا اندلعت أزمة، يمكن أن يتضمن الحل شكلاً من أشكال تعزيز وضع المالية العامة، أو ضمان الديون ضماناً مشتركاً، أو الشطب، وربما حتى مزيج من الثلاثة. وحتى ذلك الحين، ستؤدي الظروف المالية الأكثر تشدداً في إيطاليا، إلى تفاقم التباطؤ الناجم عن أزمة الطاقة.
آفاق متدهورة
ارتفعت تكاليف الاقتراض في إيطاليا بشكل كبير، وتجاوز عائد السندات لأجل 10 سنوات المستوى الذي كان سائداً قبل الاجتماع الطارئ لمجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي في يونيو، وهو الآن في المنطقة التي شوهد فيها لآخر مرة قبل أن تبدأ السلطة النقدية برنامجها الضخم لشراء السندات في عام 2014.
سترتفع تكلفة خدمة ديون إيطاليا بشكل حاد مع استحقاق السندات القديمة وإصدار سندات جديدة. تخصص روما حالياً حوالي 4.3% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً لمدفوعات الفائدة. وسيتضاعف ذلك تقريباً إلى 8.2% بحلول عام 2040، وفقاً لسيناريو عدم تغير السياسة الخاص بنا، والذي استندنا فيه على توقعات السوق الحالية لأسعار الفائدة. لكن بالطبع، سيتغير شيء ما قبل ذلك الحين.
يرى السيناريو الأساسي الخاص بنا أن إيطاليا ستحقق فائضاً أساسياً بنسبة 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2031، من عجز قدره 1.8% في عام 2022، وستحافظ على هذه النسبة حتى عام 2040. كان المتوسط من 2002 إلى 2019 يبلغ 1.3%، لكن علينا أن نتذكر أن تلك الفترة احتوت على موجة طويلة من التقشف المالي سيكون من الصعب تكرارها مرة أخرى.
تحدي مضاعفة الفائض
سيتعين على إيطاليا مضاعفة فائضها الأساسي في الموازنة ثلاث مرات تقريباً إلى حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي، كي تتمكن فقط من تحقيق الاستقرار في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. في المرة الماضية التي تعرضت فيها البلاد لتدابير تقشفية بهذا الحجم، طرد الناخبون بسرعة رئيس الوزراء التكنوقراطي، ماريو مونتي، من منصبه، لتُشرّع الأبواب أمام فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي.
كان التغيير في تكاليف الاقتراض في إيطاليا مدفوعاً في الغالب بتوقعات ارتفاع أسعار الفائدة في منطقة اليورو، في الوقت الذي يرتفع فيه التضخم. رجحت الأسواق المالية أن يرفع "المركزي الأوروبي" سعر الفائدة على الودائع إلى 3% خلال العام المقبل، قبل أن تستقر التوقعات عند 2.75%.
يمثل ذلك حوالي 75% من الزيادة في عائد السندات لأجل 10 سنوات. في المقابل، تخلق معدلات الفائدة المرتفعة الخالية من المخاطر، قلقاً بشأن قدرة إيطاليا على السداد، وتوسع الفجوة بين عائد سندات إيطاليا لأجل 10 سنوات وسعر عقود المبادلة لأجل 10 سنوات.
الوضع خطير للغاية بالفعل بالنسبة إلى إيطاليا، ويمكن أن تندلع أزمة في أي لحظة. يكمن الخطر في استمرار التضخم المرتفع، ويتوقع المتداولون أن يضطر البنك المركزي الأوروبي إلى رفع أسعار الفائدة بالقرب من المستويات المتوقعة في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة. سيكون ذلك كارثياً بالنسبة إلى إيطاليا – إذ إن إضافة 100 نقطة أساس على تكاليف الاقتراض من شأنه أن يضع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي على طريق تسجيل حوالي 215% بحلول عام 2040.
التعويل على "المركزي الأوروبي"
تضع قواعد أداة إدارة الأزمات الجديدة المصممة لهذا الغرض من قبل البنك المركزي الأوروبي، على عاتق مجلس الحكام خوض معركة. ولكي يتم تفعيل شراء السندات، يجب الحكم على ديون إيطاليا على أنها ديون مستدامة. لكن من كل الزوايا، وفي ظل الخطط المالية الحالية، والمستوى الحالي لأسعار الفائدة الخالية من المخاطر، فإن الديون الإيطالية ليست كذلك.
قد يكون البنك المركزي الأوروبي حتى الآن خط الدفاع الأول لإيطاليا، لكن في النهاية سيكون الحل السياسي مطلوباً. يمكن للمستثمرين أن يتوقعوا بدرجة معقولة سماع هراء، مع الكثير من الدراما على طول الطريق - كالعادة.
تسببت الخلافات بين بروكسل وروما حول الوضع المالي لإيطاليا، في انكماش الاقتصاد الإيطالي في الربع الأخير من عام 2019، مع اتساع فروق العائد. وكان ذلك خلال فترة معتدلة نسبياً بالنسبة إلى منطقة اليورو ككل. قد يكون الانكماش في إيطاليا أسوأ بكثير هذه المرة، مع انزلاق الكتلة بأكملها الآن إلى الركود.