حذّر بعض كبار خبراء الاقتصاد في بريطانيا، من أن بنك إنجلترا يخاطر بجعل الوضع السيئ، أكثر سوءاً، من خلال نشر توقعات بحدوث ركود اقتصادي على أساس مسار أسعار الفائدة الذي لا ينوي اتباعه.
قال بنك إنجلترا يوم الخميس الماضي، إن المملكة المتحدة قد تواجه أطول ركود على الإطلاق- انكماش بمعدل 2.9%، سيكون عميقاً كذلك- والذي عانت منه المملكة المتحدة في التسعينيات.
يفترض ذاك السيناريو أن معدل الفائدة الرئيسي لبنك إنجلترا يصل إلى 5.25%، ويظل أعلى من 4% حتى عام 2025. في الوقت ذاته، نأى البنك بنفسه عن تلك التوقعات، وأشار إلى أن الاقتصاد قد ينكمش لفترة زمنية أقصر وبنسبة طفيفة.
نادراً ما يحذر بنك إنجلترا من حدوث ركود، كما أن إثارة احتمال حدوثه يمكن أن تؤدي إلى "تضخيم سلبي للصدمة"، حسبما قال جاجيت تشادا، مدير المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، والذي أضاف: "قد تكبح الأسر الإنفاق، ويمكن للشركات أن تبطئ الاستثمار".
قد يمنح خطر التسبب في حدوث التباطؤ ذاتياً بنك إنجلترا، سبباً للتوقف عن رفع أسعار الفائدة، لا سيما عندما لا يتفق مع الافتراضات المستخدمة لبناء التوقعات.
أمس الجمعة، قال كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، هوو بيل، إن هناك حاجة لرفع معدلات الفائدة فوق المعدل الحالي البالغ 3% للسيطرة على التضخم - ولكن ليس إلى 5.25%، وهو معدل توقعته السوق عند إعداد التوقعات. وأضاف بيل أن رفع الفائدة إلى 5.25%، أمر غير مرجح "على وجه التحديد، لأنه سيؤدي إلى تباطؤ في الاقتصاد أكبر مما نحتاجه".
قال تشادا : إن مسؤولي بنك إنجلترا، "ينشرون توقعات لا يصدقونها، ولا أحد يصدقها".
رفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة يوم الخميس بمقدار ثلاثة أرباع النقطة المئوية، إلى 3%، وقال إن الاقتصاد سينكمش بمعدل 1.7%، حتى لو ظلت السياسة النقدية ثابتة.
كان يُنظر إلى موقف بنك إنجلترا الذي يميل إلى التيسير النقدي، على أنه تأكيد على "التحوّل" نحو التركيز على مواجهة مخاوف حدوث الركود بدلاً من استهداف التضخم. إنها إشارة إلى أن سياسة أسعار الفائدة وصلت إلى نقطة تحول أو اقتربت منها، إذ بدلاً من التشديد النقدي السريع، يبحث المسؤولون عن الوقت الذي يمكنهم فيه التحول إلى عدم إجراء أي تغيير.
أثارت التوقعات ردود فعل متباينة لدى خبراء الاقتصاد.
خفّض بنك "إتش إس بي سي" أمس الجمعة توقعاته، وهو يتوقع حالياً أن تصل أسعار الفائدة إلى ذروتها عند 3.75% في فبراير، انخفاضاً من 4.5% في توقعات سابقة. وأشار آلان مونكس، الخبير الاقتصادي في "جيه بي مورغان تشيس آند كو"، إلى أنه غير مقتنع بالمسار الذي يسلكه بنك إنجلترا. قال مونكس: " أمضى بنك إنجلترا أيضاً معظم العام الماضي في التقليل من حجم التشديد الضروري للسيطرة على التضخم".
رسائل محيّرة
اعتبر أندرو سينتانس، الذي كان سابقاً أحد المشاركين في تحديد أسعار الفائدة لدى بنك إنجلترا، أن رسائل البنك يوم الخميس، كانت محيّرة.
قال سينتانس: "القول بأن هذه ستكون أطول فترة ركود منذ الحرب العالمية الأولى، هو وجهة نظر لا أساس لها على الإطلاق - فهي لا تستند إلى البيانات، بل إلى توقعات السوق لأسعار الفائدة غير المستقرة تماماً". وأضاف: "الخطر أن مثل هذا التصريح، يجعل الناس أكثر توتراً وغير واثقين مما يحتاجون إليه".
كان بنك إنجلترا مضطراً إلى إصدار توقعات قاتمة، لأن ميثاقه يقضي باستخدام توقعات سعر الفائدة السائد في السوق بدلاً من توقعاته الخاصة.
تتناقض هذه الممارسة مع ما تفعله البنوك المركزية الأخرى. يستخدم كل من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنك السويد المركزي، مسار أسعار الفائدة لديهما لتجنب الارتباك عند إصدار التوقعات الاقتصادية.
قال تشادا إن الميثاق يعني أن على بنك إنجلترا أن يراعي وضع الأسواق بدلاً من إخبار الناس بما يعتقدون حقاً بأنه سيحدث". وتساءل: "إذا كانت أداتك هي سعر الفائدة، فلماذا لا تكون واضحاً بشأن مسارها المستقبلي؟ إنه أمر منطقي".
كانت المشكلة هذا الأسبوع، دقيقة بشكل خاص، لأن أسعار الفائدة في السوق مرتفعة بسبب الاضطرابات الناجمة عن وعد رئيسة الوزراء السابقة ليز ترَس بإقرار تخفيضات ضريبية من دون توافر المصادر لتمويلها. ثم جرى التراجع عن خطة التخفيضات تلك، عندما استقالت ترَس، وسلمت السلطة إلى رئيس الوزراء الحالي، ريشي سوناك.
قد يكون الميثاق البديل هو اتباع نهج بنك الاحتياطي الفيدرالي، وإنتاج "مخططات نقطية"، والتي بموجبها يكشف كل من الأعضاء التسعة في لجنة السياسة النقدية عن تصورهم لمسار تطور سعر الفائدة. دعا جيرتجان فليغي، العضو السابق في لجنة السياسة النقدية، إلى تطبيق آلية "المخطط النقطي" لدى بنك إنجلترا.
نشر بن برودبنت، نائب محافظ بنك إنجلترا، الشهر الماضي، شيئاً مثل المخطط النقطي في خطاب عارض فيه اتباع مسار السوق.
كان بديله يعتمد على نهج يتبني "أفضل توقعات السياسة" التي يستخدمها بنك إنجلترا المركزي كأفضل نموذج لإعادة التضخم إلى مستوياته المستهدفة، مع أدنى حد ممكن من الإضرار بالنمو. يتم استخدام نموذج "أفضل توقعات السياسة" كأداة مطابقة على المستوى الداخلي من أجل تسهيل "التواصل والإبلاغ".
رفض بنك إنجلترا التعليق، فيما قال سنتانس، إنه سيواصل استخدام مسار السوق في التوقعات، حيث وافق على مبدأ الحفاظ على موضوعية الافتراضات. لكنه قال إن ذلك يتطلب تواصلاً واضحاً.