يبدو الانتعاش الأخير الذي شهده الاقتصاد الأميركي، هو أقصى ما يمكن أن يحققه من نمو.
في الوقت الذي كشفت فيه البيانات الحكومية يوم الخميس أن إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة نما بنسبة 2.6% على أساس سنوي في الربع الثالث، فإن هذا النمو لا يشكّل سوى مجرد تعويض عن انكماش الاقتصاد خلال النصف الأول من العام.
استقر إجمالي الناتج المحلي المعدل حسب التضخم في الربع الثالث، عند المستويات التي كان عليها تقريباً في نهاية عام 2021، وقد يبدأ قريباً في التدهور من جديد، حيث تضمن تقرير وزارة التجارة علامات تنذر بالخطر بالنسبة إلى الاقتصاد:
· تراجع الاستثمار في العقارات السكنية بمعدل سنوي بلغ نحو 26%- حيث وصفه الخبير الاقتصادي في "سيتي غروب"، ناثان شيتس بأنه انخفاض "مخيف"، ومن المحتمل أن يكون ذلك نتيجة ارتفاع معدلات الرهن العقاري إلى أعلى مستوياتها منذ عقدين.
· ارتفع الإنفاق الاستهلاكي، الذي يُعتبر محرك الاقتصاد في البلاد، بنسبة 1.4% مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، بعد ثلاثة أرباع سنوية شهدت أدنى المستويات منذ تدمير الطلب في أوائل عام 2020.
· مع استبعاد التجارة والمخزونات، يتبيّن أن المبيعات النهائية للمشترين المحليين سجلت معدل نمو سنوي بلغ 0.5% فقط. ويُقارن ذلك بمتوسط بلغ 2.6% تقريباً على مدى السنوات الخمس التي سبقت الجائحة.
قال سال غواتيري، كبير الاقتصاديين في "بي إم أو كابيتال ماركتس" في تعليق على مؤشر الطلب النهائي: "من غير المعتاد أن نرى هذا المؤشر يتباطأ بشكل أساسي في فترة لا يكون فيها ركود.. هذا يعني أن الاقتصاد الأميركي، يفقد زخمه، على عكس ما يظهر على السطح".
تسلّط علامات الضعف الكامنة، الضوء على الصعوبة التي واجهها الرئيس الأميركي جو بايدن والمشرعون الديمقراطيون في صياغة سرد يتردد صداه لدى الناخبين في الفترة التي تسبق انتخابات الكونغرس المقررة في 8 نوفمبر. ففي حين تستمر سوق العمل في التوسع، يأتي ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة بتأثيرات سلبية، كما هو واضح في تقرير يوم الخميس.
أشاد بايدن بنفسه بصدور هذا التقرير، باعتباره يظهر أن الاقتصاد "يمضي قدماً نحو النمو"، وليس في حالة ركود.
في هذا الإطار، قال كريس كيمبزينكسي، الرئيس التنفيذي لشركة "ماكدونالدز" يوم الخميس: "هذا لا يثني الكثيرين عن التنبؤ بحدوث ركود مرتقب". وأشار إلى أنه يتوقع حدوث ركود خفيف إلى معتدل في الولايات المتحدة- على الرغم من أن شركته لا تواجه أي مشكلة، بل إنها شهدت انتعاشاً في مقياس رئيسي للمبيعات في البلاد هذا الشهر.
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"...
"إن العودة إلى النمو الاقتصادي في الربع الثالث، تحجب العلامات المستمرة على تباطؤ المكونات التي توفر إشارة أوضح للزخم... ومن المرجح أن ينظر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى المكونات الأضعف على أنها العواقب المقصودة لسياسته النقدية الأكثر تشدداً، وليست كأسباب تدفعه إلى التراجع عن دورة التشديد حتى الآن".
-- الاقتصاديان، أندرو هوسبي وإليزا وينغر
ارتفع الاستثمار التجاري المعدل حسب التضخم بنسبة 3.7%، ما يعكس زيادة قوية في الإنفاق على المعدات ومنتجات الملكية الفكرية. وفي الوقت ذاته، أظهر تقرير منفصل يوم الخميس أن طلبيات السلع الرأسمالية غير الدفاعية، باستثناء الطائرات -وهي بديل للاستثمار التجاري- انخفضت بنسبة 0.7% في سبتمبر، وهو أعلى مستوى تسجله في أكثر من عام.
كتب الاقتصاديون الأميركيون في "مورغان ستانلي" بقيادة إلين زينتنر في مذكرة: "نتوقع أن يكون الربع الثالث من عام 2022 هو ذروة النمو الفصلي، حيث يتجلى التأثير التراكمي للسياسة النقدية الأكثر تشدداً في دفع النمو إلى ما دون الإمكانات". وهم يتوقعون أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الرابع 0.8%.
لم تمنع بيانات يوم الخميس المتداولين من التوقع بأن يقوم رئيس مجلس الاحتياطي االفيدرالي جيروم باول وزملاؤه برفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس خلال الأسبوع المقبل، حيث يعكس تداول العقود الآجلة التوقعات بزيادة بمقدار نصف نقطة خلال الاجتماع التالي، في ديسمبر.
ارتفع أحد مقاييس التضخم المدرجة في بيانات إجمالي الناتج المحلي، وهو مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، بنسبة 4.2% على أساس سنوي في الربع الثالث، وهي أبطأ وتيرة يشهدها منذ نهاية عام 2020. لكن من المرجح أن يعكس ذلك تراجعاً في أسعار التجارة والاستثمار السكني، حسبما قال فريق الاقتصاديين في "مورغان ستانلي"، ما يحد من آثاره على بنك الاحتياطي الفيدرالي.
ومع استبعاد الغذاء والطاقة، ارتفع مؤشر الأسعار بنسبة 4.5%. من المقرر أن تصدر البيانات الشهرية لشهر سبتمبر يوم الجمعة.
رأي المديرين التنفيذيين
• "من المؤكد أن مؤشرات البيئة الكلية على حدوث ركود آخذة في الارتفاع" - جون غرين، المدير المالي لشركة "ديسكفر فاينانشال سيرفيسز"، خلال الإعلان عن نتائج الشركة يوم 25 أكتوبر.
• "تعكس معنويات المستهلكين على المدى القصير والطلب الاستهلاكي بوضوح بيئة الركود. لكن في الوقت ذاته، لا تزال تكاليف المدخلات، التي من المتوقع أن تنخفض في بيئة ركود، مرتفعة"- مارك بيتزر، الرئيس التنفيذي لشركة "ويرلبول كورب"، خلال الإعلان عن نتائج الشركة يوم 21 أكتوبر.
• "ما زلنا نعتقد أن الطلب على السفر الجوي في عام 2023 سيكون قوياً، حيث لا نرى حالياً أي علامات تُشير إلى تباطؤ الطلب مع انتقالنا إلى العام الجديد."- ديريك كير، المدير المالي لمجموعة "أميركان إيرلاينز" ، خلال الإعلان عن نتائج الشركة يوم 20 أكتوبر.