قالت وزيرة الخزانة "جانيت يلين"، في جلسة الاعتماد التي عقدت الأسبوع الماضي، إنَّ العديد من العملات المشفَّرة تستخدم "بشكل أساسي للتمويل غير المشروع، وأعتقد أنَّنا بحاجة حقاً إلى دراسة الطرق التي يمكننا من خلالها تقليص استخدامها".
وعلى الرغم من أنَّ شهادتها المكتوبة تقول، إنَّ الحكومة بحاجة أيضاً إلى "النظر عن كثب في كيفية تشجيع استخدامها في أنشطة مشروعة"، يبدو واضحاً أنَّ المزيد من الأنظمة في طريقها إلى العملات المشفَّرة.
وهناك بالفعل لوائح مقترحة، ومن المحتمل أنَّه يتمُّ الآن إعادة النظر في هذه اللوائح، لتطلب قدراً أكبر من التقارير، ومراقبة عمليات النقل من "محافظ" العملة المشفَّرة الخاصة. وإذا كانت هناك قواعد أكثر شمولاً قيد الإعداد، فكيف ستبدو؟
تنظيم نسبي
من الصعب تنظيم العديد من جوانب العملات المشفَّرة. لا تستطيع الحكومات التحكُّم بسهولة في محتويات سلاسل الكتل (بلوكتشين)، وهي عبارة عن سجلات حسابات مجردة. علاوة على ذلك، فإنَّ أسواق العملات المشفَّرة هي أسواق دولية، ولا تعتمد على الدعم المالي أو التسهيلات من الولايات المتحدة؛ وفي الواقع، هذا أحد أسباب وجودهم. ومع ذلك، يمكن للإدارة التي تؤيد التنظيم نسبياً، وفعل المزيد لمحاولة التحكُّم في العملات المشفَّرة. ولسبب واحد، يمكن أن تستخدم التنظيم لجلب عمليات تبادل العملات المشفَّرة إلى النظام المصرفي.
في سبتمبر 2020، حصلت شركة "كراكين"(Kraken)، وهي إحدى بورصات العملات المشفَّرة الرائدة، على ترخيص مصرفي من ولاية وايومنغ، مما يتيح لها الوصول إلى البنية التحتية للمدفوعات الفيدرالية. كما أنَّ جزءاً من الصفقة، يوجب أنَّ على "كراكين" أن تحتفظ باحتياطيات بنسبة 100% لأصولها المشفَّرة، وفي الجوهر، فإنَّ معاملتها كمرآب للسيارات، من المفترض أن يدير السيارات. ومن السهل أن نتخيل أنَّ المنظمين الفيدراليين يقحمون عمليات تبادل العملات المشفَّرة في النظام المصرفي على نطاق أوسع، وربما تشتري البنوك أو تندمج مع بيوت العملات المشفَّرة، ومرة أخرى عبر متطلبات صارمة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
أصول التشفير
من غير الواضح ما يمكن أن يحققه مثل ذلك التنظيم. ستصبح بورصات العملات المشفَّرة أكثر بيروقراطية وأقل ابتكاراً، إذ سيكون لها حصة أكبر في الوضع المالي الراهن. ولا يزال من الممكن استخدام بورصات العملات المشفَّرة غير الموجودة في الولايات المتحدة، والأنظمة المجهولة الهوية لتحويل الأموال سراً أو بشكل غير قانوني. ومع ذلك، فإنَّ البنوك، شيء تتمتع الحكومة الفيدرالية بخبرة كبيرة به، عندما يتعلَّق الأمر في تنظيمها، وسيحقق المنظمون الأمريكيون وهماً أكيداً بالسيطرة.
وقد تجعل الأنظمة المحتملة الأخرى من إنشاء أنظمة معاملات جديدة فوق أصول التشفير الحالية أمراً صعباً، مثل "إيثريوم" (Ether). على سبيل المثال، تدعم منصة "إيثريوم" سلسلة متنامية من أسواق التنبؤ، مثل "أوغور"(Augur). وتمثِّل هذه الأنظمة أعمالاً في طور التقدُّم، ولكنَّ الهدف النهائي هو الحصول على صفقات سريعة ومنخفضة التكلفة للمعاملات، ويتمُّ تنفيذها من خلال سلاسل الكتل. تخيَّل، على سبيل المثال، نظاماً لإتمام المدفوعات الصغيرة للبضائع في الواقع الافتراضي.
ويجري العمل حالياً على إنشاء "إيثريوم 2.0"، المصمم لخفض تكاليف المعاملات لمثل هذه المغامرات. ويمكن أن تفرض محاولات تنظيم هذه المنصات متطلبات صارمة حول رفع التقارير، أو حول إنشاء متطلبات رأس المال، أو تحديد سقف نموها أو إجبارها على إيجاد مكان داخل هياكل الكيانات الرئيسية المنظمة حالياً، بما في ذلك البنوك. لكن من المحتمل أن تقوم هذه التكاليف الجديدة بوقف نموِّها تماماً، وذلك لأنَّ هذه التكاليف، بالكاد كانت قد حقَّقت أيَّ نجاح مثبت.
ليست خطرة على النظام الاقتصادي
إنَّ المبدأ الأكثر عمومية، هو أنَّ المنصات التي يسهل تنظيمها تميل أيضاً إلى أن تكون الأكثر شرعية، والأقل احتمالاً لأن تنخرط في ارتكاب مخالفات أو تشجيعها. مرة أخرى، سيكون التأثير الصافي هو جعل العملات المشفَّرة، على المستوى العالمي، صعبة المراقبة والتحكم بشكل أكبر. لكن، تتمثَّل الإستراتيجية الأفضل في تشجيع هيمنة شركات العملات المشفَّرة الأمريكية، والسماح لها ببطء بالتطور إلى جزء أكثر تقليدية من الأسواق المالية.
وهناك حجة معقولة، مفادها في النهاية، أنَّه يجب تنظيم عمليات تبادل العملات المشفَّرة على أنَّها غرف مقاصة مالية. ولكنَّ منصات العملات المشفَّرة صغيرة حالياً، وليست مصدراً لمخاطر على نظام الاقتصاد الكلي. ويبقى أن نرى كيف يجب أن يتطوروا أو الوظائف التي يجب أن يشغلونها، أو في الواقع، ما إذا كانوا سينجحون على الإطلاق.
إنَّ ما تتطلَّبه هذه اللحظة إذن هو التساهل التنظيمي. وتعمل التشريعات الحكومية بشكل أفضل مع الصناعات الأكثر نضجاً، إذ يوجد يقين نسبي حول كيفية عملها المطلوبة.
ويمكن طرح النقاط نفسها حول ما يسمى "دي فاي" (DeFi)، أو التمويل اللامركزي، الذي يستخدم البرامج بدلاً من الوسطاء الماليين التقليديين. وقد تحتاج "DeFi" في النهاية إلى تنظيم أكثر منهجية، لكنَّها حالياً في المرحلة التجريبية، ويجب السماح لها بالابتكار.
وإذا كان المنظِّمون يبحثون عن شيء ما يفعلونه، فماذا عن الطلب من تلك "العملات المستقرة" -المرتبطة عادةً بالدولار- أن تعلن بشكل أوضح عن أنَّها من غير المحتمل أن تكون مستقرة جداً؟ إذا لم تستطع عملية ربط عملة "بريتون وودز" (Bretton Woods) الصمود، فمن المحتمل ألا تصمد روابط "العملات المستقرة" أيضاً.
وفي غضون ذلك، لا تزال العملات المشفَّرة بحاجة إلى مساحة للنمو والتطور. إذا اعتقد المنظِّمون حقاً أنَّهم يعرفون إلى أين يتجه هذا القطاع؟، أو ما ينبغي أن يكون عليه؟، فهذا ما أطلق عليه الاقتصادي "فريدريش هايك" وصف "التظاهر بالمعرفة".