سجلت السندات البريطانية بعضاً من أكبر مكاسبها على الإطلاق حيث يراهن المستثمرون على أن رئيس الوزراء القادم ريشي سوناك سيطوي أسابيع من الاضطرابات التي عصفت بأسواق المملكة المتحدة وسيعيد المصداقية إلى صناعة السياسة الاقتصادية.
قادت الأوراق النقدية قصيرة الأجل الارتفاع، حيث انخفض العائد لأجل عامين بأكبر قدر منذ عام 1993 بعد أن ظهر سوناك -وزير الخزانة السابق الذي حذّر بشأن التخفيضات الضريبية "الخيالية" لليز ترَس- باعتباره الفائز في السباق إلى رئاسة الوزراء. كانت المكاسب ضخمة حيث قلص التجار الرهانات على رفع أسعار الفائدة في المستقبل.
استقالت ترَس يوم الخميس الماضي بعد انهيار السوق الذي دفع العائدات إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، وأجبر البنك المركزي على التدخل لتحقيق الاستقرار في الأسواق ودفعها في النهاية إلى التراجع عن خطط التحفيز المالي الواسع. يتوقع المستثمرون أن سوناك سيعمل على تصحيح الضرر الاقتصادي.
رصيد كبير بالسوق
قال مارك أوستوالد، كبير الاقتصاديين والاستراتيجيين العالميين في "أيه دي إم إنفستور سرفيسز" (ADM Investor Services): "في الوقت الحالي، من المريح أن (الفوضى الكاملة انتهت).. ينبع رصيد سوناك لدى الأسواق من كونه راسخاً كوزير خزانة وكونه محاوراً مصقولاً لن (ينهار) مثل حكومة ترَس".
بدوره، سارع سوناك إلى التحذير يوم الإثنين من أن المملكة المتحدة تواجه "تحدياً اقتصادياً عميقاً".
انخفض العائد على السندات البريطانية لأجل عامين 37 نقطة أساس يوم الإثنين لينهي التعاملات عند 3.43%. كما ارتفعت الأوراق النقدية الأطول أجلاً بقوة، مما أدى إلى بلوغ عائد السندات لأجل 10 سنوات إلى 3.75%، وهو أدنى مستوى منذ اليوم الذي أعلن فيه المستشار السابق كواسي كوارتنغ لأول مرة عما يُسمّى بالميزانية المصغرة.
قال راسل ماثيوز ، كبير مديري المحافظ في "بلو باي أسيت مانجمنت" (BlueBay Asset Management): "من الواضح أن سوناك هو خيار السوق، وسيكون هناك ارتياح لأن لدينا يداً آمنة تتولى المسؤولية.. قد لا يستمر هذا طويلاً، لكن ستكون هناك فترة مربحة.. إن تجربة مزيج السياسة الاقتصادية الليبرالية الجديدة المتطرفة قد انتهت بالفعل".
إعادة الضبط المالي
يتجه الانتباه بالفعل إلى حكومة سوناك وما إذا كان سيحتفظ بوزير الخزانة جيريمي هانت، الذي ساعد في تهدئة الأسواق بعد عكسه سياسات ترَس. ومن المقرر أن يضع هانت الخطة المالية متوسطة المدى للحكومة في 31 أكتوبر، جنباً إلى جنب مع توقعات من مكتب مسؤولية الميزانية. وتجدر الإشارة إلى أن المخاوف من إمكانية تأجيلها ظلت تضغط على السوق.
كما يلوح في الأفق الاجتماع القادم لبنك إنجلترا الأسبوع المقبل. في حين أن السوق لا تزال تتوقع زيادة الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس بالكامل، تلاشت التوقعات بزيادة أكبر الآن حيث يبدو أن الاستقامة المالية تعود. كررت صانعة السياسة النقدية كاثرين مان يوم الأحد التعليقات الأخيرة التي أدلى بها الزميل بن برودبنت، قائلة إن "المنحنى ربما تم تسعيره بعنف".
تحديات متعددة
ومع ذلك، بمجرد أن يتلاشى التفاؤل الأولي، من المرجح أن يعود الاهتمام إلى النظرة الاقتصادية القاتمة للمملكة المتحدة: التضخم الذي وصل لأعلى مستوى في 40 عاماً، وارتفاع أسعار الفائدة، وتراجع ثقة المستهلكين، وربما حدوث ركود حاد. لا يزال صافي إصدارات السندات البريطانية للسنة المالية القادمة ضخماً وتكاليف الاقتراض مرتفعة.
في هذه الأثناء، يتواصل الضرر الذي ألحقته رئاسة ترَس للوزراء. وفقاً لجيمس لينش، مدير المحافظ في "أيغون أسيت مانجمنت" (Aegon Asset Management)، لافتاً إلى أن عودة المستثمرين للسندات البريطانية الحكومية قد يستغرق بعض الوقت.
قال لينش: "تقلصت المخاطر كثيراً وسيستغرق الأمر بعض الوقت حتى يعود المستثمرون..نحن بحاجة إلى بعض الاستقرار".
تراجع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.4% ليصل إلى 1.1262 دولار حتى الساعة 5:42 مساءً بتوقيت لندن. ليقبع أقل بكثير من الذروة التي بلغها خلال انتخابات رئاسة الوزراء الأولى خلال الصيف، وتحت ضغوط من الرياح الاقتصادية الضخمة المقبلة. وقامت وكالة "موديز" بخفض نظرتها المستقبلية لدرجة الائتمان في المملكة المتحدة إلى سلبية يوم الجمعة.
كتبت جين فولي، الخبيرة الاستراتيجية في "رابوبنك إف إكس" (Rabobank FX) في مذكرة للعملاء: "بينما من المتوقع أن يعلن بنك إنجلترا المركزي عن رفع كبير في سعر الفائدة في 3 نوفمبر، فإن هذا قد لا يقدّم الكثير لدعم الجنيه.. "تشير الخلفية الأساسية السيئة للمملكة المتحدة إلى أنه من المرجح أن يستمر الجنيه في المعاناة".