يركّز التجار وشركات الناقلات وأقوى الحكومات في العالم بشكل متزايد على سؤال واحد في سوق النفط: هل تستطيع سلسلة التوريد الخاصة بصناعة البترول التعامل مع أقسى العقوبات المفروضة على الصادرات الروسية في التاريخ؟.
في هذا الصدد، يُحشد أسطول ضخم من ناقلات النفط ذات المالكين المجهولين لخدمة مصالح موسكو. يدور جدل دبلوماسي مستمر ومكثّف بقيادة الولايات المتحدة لتخفيف عقوبات الاتحاد الأوروبي العنيفة منذ شهور، لكن الوقت يمر.
سقف أسعار النفط الروسي ليس الخطة البديلة المأمولة
لكن هل يكفي ذلك؟ ما زال أمام روسيا نحو 6 أسابيع حتى دخول إجراءات الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ، ولا يوجد وضوح يذكر حول ما إذا كانت هذه الخطوات ستكون كافية حقاً لمساعدة ثالث أكبر منتج للنفط في العالم على إيصال الكثير من إنتاجه إلى المشترين لدرء صدمة العرض.
أميركا تدق ناقوس الخطر
كانت الولايات المتحدة تدقّ ناقوس الخطر منذ شهور من أن عقوبات أوروبا على روسيا يمكن أن تثير مثل هذه الصدمة. وهي تدفع للسماح للشركات بالوصول إلى خدمات الاتحاد الأوروبي -وخاصة التأمين- لتجنب ارتفاع الأسعار قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر. للقيام بذلك، سيتعين على المشترين الانضمام إلى سقف أسعار النفط المثير للجدل.
لكن ما يبدو مؤكداً هو أن جزءاً كبيراً من التدفقات الروسية سيتم التعامل معه من خلال شبكة معقدة -وغالباً ما تكون سرية- من السفن والمالكين والموانئ والممرات الآمنة التي تهيمن عليها الكيانات التي ما تزال على استعداد للتعامل مع روسيا.
اقرأ أيضاً: النفط يواصل مسيرته المتقلبة مع ترقب تحركات "بايدن" للحد من ارتفاع الأسعار
من جانبه قال كريستيان إنغرسليف، الرئيس التنفيذي لشركة "مايرسك إنغرسلف" (Maersk Tankers) في كوبنهاغن، التي تدير أسطولاً من 170 سفينة - لا يخدم أي منها روسيا: "إذا نظرت إلى عدد السفن التي بيعت خلال الأشهر الستة الماضية لصالح مشترين لم يُكشف عنهم، فمن الواضح جداً أنه يتم إنشاء أسطول لنقل هذا".
حظر الاتحاد الأوروبي
في الفترة التي تسبق 5 ديسمبر، عندما يحظر الاتحاد الأوروبي واردات الخام الروسي ويوقف توفير الشحن والتمويل والتغطية التأمينية للعمليات ذات الصلة، فإن السؤال الأهم هو ما إذا كان سيكون هناك عدد كافٍ من السفن.
يُقدِّر سمسار السفن "برايمر" (Braemar) أنه لدعم أربعة ملايين برميل يومياً من الصادرات الروسية إلى الشرق الأقصى، يجب إضافة العديد من السفن المتداولة مؤخراً إلى 240 سفينة -102 سفينة أفراماكس، و58 سفينة سويزماكس، و80 ناقلة نفط كبيرة جداً- حملت الخام الإيراني والفنزويلي في العام الماضي لتشكيل أسطول ظل ضخم يدعم موسكو.
طالع أيضاً: العقوبات على نفط روسيا تُشعل موجة شراء لسفن الشحن الكاسحة للجليد
قال أنوب سينغ، رئيس بحوث الناقلات في "برايمر": "كان هناك ارتفاع حاد في تجارة الناقلات منذ الحرب وفي الفترة التي سبقت الموعد النهائي في 5 ديسمبر من قبل كيانات لم يُكشف عنها ومقرها دول مثل دبي، وهونغ كونغ، وسنغافورة، وقبرص". العديد منها عبارة عن سفن قديمة ستجد طريقها إلى أسطول الظل، حيث تقوم الشركة الروسية المالكة للسفن "سوفكومفلوت" (Sovcomflot) بتزويد بعض الناقلات أيضاً.
النقل من سفينة إلى أخرى
علاوة على ذلك، سيكون هناك أيضاً زيادة شبه مؤكدة في عمليات النقل من سفينة إلى أخرى- حيث يتم تحويل الشحنات من ناقلة إلى أخرى في البحر. وهذا نتيجة لكل من مخاطر العقوبات الناجمة عن التعامل مع الصادرات مباشرة من الموانئ الروسية والحاجة إلى تجميع عدد قليل من الشحنات الصغيرة على ناقلات أكبر للرحلات الطويلة.
مع ذلك، فإن هذا يمثّل تحدياً لوجستياً في حد ذاته، خاصة من بحر البلطيق، أكبر منطقة تصدير لروسيا.
حيث تتضمن عمليات النقل من سفينة إلى أخرى قيام السفينة بالمناورة لتكون جنباً إلى جنب مع سفينة أخرى، حيث يُربط أنبوب للسماح بضخ الشحنة بين الناقلتين. ويمكن أن يستغرق الأمر ما يصل إلى يومين ويُفضّل القيام به في أهدأ مياه ممكنة مع الطقس الجيد. كما يمكن أن يتضمن بعضها عملية متعددة المراحل لنقل النفط من ناقلة أولية إلى منشأة تخزين عائمة، قبل خطوة أخرى لنقل البضائع إلى سفينة أخرى.
عمليات سرية
في حين أن السفن غالباً ما تستخدم للإبحار مباشرة إلى المشترين الأوروبيين، يبدو أن آسيا -ولا سيما الصين والهند- ستصبح بالتأكيد من الوجهات الأولى بعد 5 ديسمبر.
وبمجرد بدء العقوبات، سيكون من شبه المؤكد أن تكون البحار الأوروبية خارج حدود ما يُسمّى بعمليات النقل من سفينة إلى أخرى، ولن يكون من المفيد جداً لروسيا أو مشتريها القيام بها داخل بحر البلطيق. هذا لأنه من الناحية المثالية، سيتم نقل النفط المتجه إلى آسيا إلى ناقلات عملاقة أكبر من أن تخرج من بحر البلطيق مع شحنات على متنها.
فوضى الديزل توجّه صفعة جديدة للاقتصاد العالمي
سوف تستدير السفينة الأولى بعد تفريغ حمولتها إلى تلك الناقلة العملاقة وتعود للحصول على المزيد من النفط الروسي، مما يخلق تأثيراً مكوكياً.
كما يمكن أن تتخذ مواقع النقل من سفينة إلى أخرى هذه شكل موانئ آمنة أو مياه البحر الهادئة نسبياً التي لا تقع في نطاق السلطات القضائية التي تفرض عقوبات أو قيوداً على الكرملين.
بينما طرح بعض سماسرة السفن مواقع مقترحة محتملة مثل جبل طارق وسبتة، كان لدى البعض الآخر شكوك في إشارة إلى صلاتها بالمملكة المتحدة وإسبانيا، والتي تقيّد التجارة مع روسيا.
أعالي البحار
فضلاً عن ذلك، هناك خيار آخر للنقل من سفينة إلى أخرى في أعالي البحار، حتى في وسط المحيط الأطلسي حيث تقع المياه خارج المناطق البحرية التي تسيطر عليها الدول الأوروبية. وقد ركّز الشاحنون على منطقة في منتصف شمال المحيط الأطلسي بالقرب من مجموعة من الجزر المعروفة باسم جزر الأزور، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في البرتغال، كاحتمال.
في حين أن عمليات النقل من سفينة إلى أخرى تميل إلى أن تكون مكلفة مع وجود عنصر مخاطرة، فإن هذه الممارسة ستكون ذات أهمية قصوى في ضمان استمرار تدفق الخام الروسي- من الناحية اللوجستية ولمساعدة بعض المشترين على الحفاظ على خصوصية أنشطتهم.
على الرغم من أنه ليس من غير المألوف أن تخضع الشحنات من الأنظمة الخاضعة للعقوبات لمرحلة واحدة من النقل من سفينة إلى أخرى، إلا أن الشاحنين لا يستبعدون إمكانية إجراء عمليتي نقل -إحداهما داخل بحر البلطيق، والأخرى في الخارج- للمساعدة في جلب البراميل إلى السوق.
التجارة المحمومة
على مدار الأشهر الماضية، كانت هناك نوبة من نشاط الشراء في سوق الناقلات المستعملة، والتي تركز بشكل خاص على نوع وفئة السفن التي سيتم استخدامها بكثافة لنقل الأورال وإسبو من محطات التصدير الخاصة بهما.
لقراءة المزيد: تخزين الطاقة يهدئ المخاوف من نقص الإمدادات في فصل الشتاء
وأحد هذه الأنواع من الناقلات هو أفراماكس، أصغر ناقلة دولية رئيسية يمكن أن تحمل نحو 650,000 إلى 750,000 برميل من النفط عبر المياه الضحلة ومن الموانئ الضحلة.
يُشار إلى أن أفراماكس ذات قدرات كسر الجليد كانت في دائرة الضوء لأنها ستكون ضرورية لتصدير خام الأورال من بحر البلطيق هذا الشتاء. وتكلف أفراماكس من فئة الجليد ضعف السعر مقارنة بالعام الماضي، حيث يفضّل المشترون الحفاظ على سرية هوياتهم.
كما لاحظ سماسرة السفن أيضاً ارتفاعاً في الأنشطة التجارية لغير فئة الجليد التي يبلغ عمرها 15 عاماً أو أكثر. ومن المتوقع أن تظهر بعض هذه الناقلات في شرق سيبيريا، حيث ستساعد في نقل خام إسبو الروسي إلى مشترين بما في ذلك مصافي التكرير الصينية والهندية.
التأمين
إذا لم تكن كل هذه الأشياء تمثّل تحدياً كافياً، فسوف تتفاقم العديد من هذه المشكلات بسبب الصعوبات في العثور على تأمين قياسي في الصناعة.
تتم تغطية معظم الناقلات ضد المخاطر بما في ذلك الانسكابات النفطية من قبل 13 منظمة عضو داخل المجموعة الدولية لنوادي الحماية والتعويض، والعديد منها في أوروبا. حيث تعني عقوبات الاتحاد الأوروبي أنه سيتعين على شركات الاتحاد التوقف عن توفير الغطاء بينما لا يمكن للمجموعة الدولية نفسها الاعتماد على إعادة التأمين من شركات الاتحاد الأوروبي.
طالع أيضاً: الاتحاد الأوروبي يقترح تخصيص 40 مليار يورو لدعم الطاقة
وما يزال يتعين على المملكة المتحدة أن تحذو حذو الاتحاد الأوروبي بالكامل، مما يعني أن بعض التغطية قد تظل متاحة؛ ويُشار إلى أن مقرّ المجموعة الدولية نفسها يقع في لندن.
سيؤدي سقف السعر إلى إتاحة الخدمات الأوروبية والتأمين للشركات التي تلتزم بسقف سعر النفط الروسي. وبصرف النظر عما إذا كانت روسيا ستتعاون مع برنامج سقف السعر، فإن مشاركة الاتحاد الأوروبي بعيدة كل البعد عن الوضوح.
عند الانضمام، كان للاتحاد شرطان مهمان.
- أولاً، سيتم تضمين شركات الشحن- بما في ذلك الأسطول اليوناني العملاق. بعبارة أخرى، يمكن للتاجر نظرياً أن يستأجر ناقلة يونانية فقط إذا دفع هذا التاجر سعراً محدداً للنفط.
- ثانياً، تنص قواعد الاتحاد الأوروبي كما هي مكتوبة حالياً على أنه لن يُسمح لأية ناقلة في أي مكان في العالم بالوصول إلى شركات التأمين وإعادة التأمين التابعة للاتحاد -لأية شحنة مستقبلية، بما في ذلك غير الروسية- إذا نقلت نفطاً لم يتم شراؤه تحت سقف السعر.
أسواق النفط متقلبة لكنها غير معطلة
يُذكر أن أوروبا هي مركز للتأمين وإعادة التأمين وبدون ذلك يخاطر المُلّاك بالتغطية ضد المخاطر بما في ذلك الانسكابات النفطية. وهذا يجعل الالتزام بعقوبات الاتحاد الأوروبي -والسقف- مسألة استقطابية للغاية وغير مؤكدة لأصحاب الناقلات. ولم يتم حتى الآن إضفاء الطابع الرسمي على تنفيذ الاتحاد الأوروبي لموضوع سقف السعر، وهو يعتمد أيضاً على اتخاذ دول أخرى في مجموعة السبع لإجراءات مماثلة. ولم يتبقّ سوى ما يزيد قليلاً عن ستة أسابيع.