تتراجع فرصة البنك المركزي الأوروبي لإقرار زيادة كبيرة في أسعار الفائدة إذ يلوح الركود الاقتصادي في الأفق وتقترب تكاليف الاقتراض من مستويات لم تعد تقدم دعماً للاقتصاد.
معدل التضخم القياسي وخطر نقص إمدادات الطاقة في فصل الشتاء يضعفان الثقة في اقتصاد منطقة اليورو، وفي ظل التدهور التدريجي لأرقام الاقتصاد الحقيقي، ليس لدى الصقور الذين يوجهون سياسة البنك المركزي الأوروبي حالياً إلا فرصة محدودة في إقرار زيادات كبيرة في أسعار الفائدة.
وقد تُتاح هذه الفرصة في الاجتماعين المقبلين في أكتوبر وديسمبر مع رهان الأسواق بالفعل على أن الاجتماع الأول سيشهد تحركاً تاريخياً مماثلاً لزيادة سبتمبر التي بلغت 75 نقطة أساس، أما في العام الجديد، وبافتراض أن المعركة ضد التضخم تضرب النمو -وهو موقف كثير من البنوك المركزية في العالم الآن- فإن زيادات الفائدة ستصبح أصعب بكثير.
صدام متوقع
سيحصل المسؤولون في واشنطن الأسبوع الجاري بعد حضور الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي على فكرة عن مدى تردي الأوضاع عندما يصدر الصندوق تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الأكثر قتامة في وقت لاحق من يوم الثلاثاء. ويهدد الاقتصاد المتدهور بالاصطدام مع المسؤولين الأكثر تساهلاً في البنك المركزي الأوروبي، الذين ظلوا هادئين إلى حد كبير مع انتهاء سياسة التيسير الكمي، وتغيير أدوات السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة بمقدار 125 نقطة أساس.
قال كارستن يونيوس، كبير الاقتصاديين في بنك "جيه سافرا ساراسين" (Bank J Safra Sarasin): "يحتاج البنك المركزي الأوروبي إلى التحرك سريعاً الآن لخفض توقعات التضخم قبل أن تسفر مفاوضات الأجور عن تأثيرات الجولة الثانية.. بمجرد أن تتحول مخاطر الركود إلى واقع وتبدأ القيود تظهر على الاقتصاد، سيكون من الصعب تبني زيادات أكبر في سعر الفائدة".
أزمة لا مفر منها
لا تتضمن أحدث توقعات البنك المركزي الأوروبي حدوث ركود في منطقة اليورو التي تضم 19 دولة، إلا أن التأثير الروسي في الآونة الأخيرة على سوق الطاقة من المحتمل أن يجعل التوقعات غير صالحة، وقد أشارت استطلاعات رأي مديري المشتريات إلى تقلص الإنتاج منذ يوليو، ويرى الاقتصاديون على نحو متزايد أن الأزمة الاقتصادية أمر لا مفر منه.
تقول رئيسة المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، إن الركود لن يشغلنا عن مهمة مواجهة التضخم حتى يعود للمستوى المستهدف البالغ 2% بدلاً من 10% الشهر الماضي، ولا تتوقع أن يروّض الركود وحده زيادة الأسعار.
وقالت لاغارد في 28 سبتمبر: "هدفنا الرئيسي هو استقرار الأسعار وينبغي أن نحققه، وإذا لم نحققه، سيتضرر الاقتصاد أكثر بكثير".
في كلتا الحالتين، لن تصدر بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث حتى 31 أكتوبر أي بعد أربعة أيام من قرار الشهر الجاري بشأن الفائدة، ولا يمكن أن تأتي تأكيدات الركود الأولية إلا عندما تُنشر أرقام الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2022 في يناير القادم.
بحلول هذا الوقت، يريد صُنّاع السياسة النقدية أن تبلغ أسعار الفائدة على الودائع، التي تصل حالياً إلى 0.75%، المستوى المعروف بالمستوى المحايد الذي لا يحفز الاقتصاد ولا يقيده والذي يُقدّر عند 2% تقريباً.
وللوصول لهذا المستوى سريعاً، يميل المسؤولون، ومن بينهم مارتينز كازاك من لاتفيا وجيديميناس سيمكوس من ليتوانيا، إلى مضاعفة معدل الفائدة إلى 1.5% الشهر الجاري، كما دعم أولي رين الفنلندي والألماني يواكيم ناغل تبني خطوة قوية.
وقال رئيس البنك المركزي الهولندي، كلاس نوت، أمس الإثنين، إن هناك حاجة لزيادة أو زيادتين "كبيرتين" إضافيتين.
أصوات تتعالى
يتردد المسؤولون في تحديد المستوى الذي ستبلغ عنده الفائدة ذروتها، لكن بالنسبة للمتشددين، فإن السرعة هي الأساس. في حين أن زيادات أسعار الفائدة ليست القوة الدافعة وراء تدهور الاقتصاد في أوروبا، فإنها ستصبح غير مستساغة كثيراً مع معاناة الأسر، وبدأت أصوات المتساهلين تتعالى بالفعل لتيسير السياسة النقدية.
ويُعدّ كبير الاقتصاديين، فيليب لين، من بين أولئك الذين يحثون على ضبط النفس، قائلاً إنه من السابق لأوانه تحديد الخطوة التالية للبنك المركزي الأوروبي، كذلك يحذر رئيس البنك المركزي البرتغالي، ماريو سينتينو، من أن المبالغة الآن في رفع الفائدة تخاطر بالاضطرار إلى التراجع في وقت لاحق.
أما محافظ المركزي الإيطالي، إغنازيو فيسكو، فربما عبّر عن الأمر بشكل أوضح، مشيراً في تعليقات عامة نادرة إلى "تدهور مفاجئ في توقعات النمو الاقتصادي".
وقال في أواخر سبتمبر: "زيادة الفائدة بنسب كبيرة وسريعة بشكل مفرط قد ينتهي بها إلى زيادة مخاطر الركود".