تواجه الحكومات والشركات في كافة أنحاء العالم تكاليف لم يسبق لها مثيل لإعادة تمويل السندات، وهو عبء سيعمق الفجوات في أسواق الديون وسيكشف مزيداً من نقاط الهشاشة بين المقترضين الأضعف.
على الأرجح سيدفع المدير المالي في شركة أو وزير المالية الذي يتطلع إلى إصدار سندات جديدة حالياً فائدة تزيد بنحو 156 نقطة أساس في المتوسط عن توزيعات عوائد الأوراق المالية القائمة عقب صعود هذه الفجوة لمستوى قياسي في الأيام الأخيرة. يمثّل كل هذا ما يناهز 1.01 تريليون دولار من التكاليف الإضافية في حال أُعيد تمويل كافة هذه الأوراق المالية، بحسب تقديرات تقوم على استخدام مؤشر بلومبرغ الذي يتعقب نحو 65 تريليون دولار من ديون الحكومات والشركات المقوّمة بعملات مختلفة.
فقد هذا المؤشر الواسع للديون العالمية 6.8% في الربع الماضي، وهو ثاني أسوأ تراجع له عقب تسجيله هبوطاً قياسياً في الأشهر الثلاثة السابقة، بحسب البيانات التي تعود لسنة 1999. لم يشهد يوم الإثنين سوى قدر محدود من الهدوء، حيث تغيرت فروق السندات الدولارية الآسيوية مرتفعة الجودة بصورة طفيفة بعد أن سجلت أكبر خسارة في 6 شهور الأسبوع الماضي.
شد الحزام
يتضح أن عملية إعادة تمويل الديون مسألة صعبة بطريقة متزايدة للمقترضين الأضعف، إذ يأخذ الدائنون مخاطر حدوث ركود عالمي في الحسبان. ما تزال غالبية الحكومات والشركات قادرة على تحمل فواتير التمويل العالية، لكن تدفقات الأموال الخارجة المتنامية والتقلبات المتزايدة تؤدي لشد أسواق الائتمان للأحزمة، وأُجبرت البنوك الأسبوع الماضي على إلغاء صفقات استحواذ مموّل بالديون بقيمة 4 مليارات دولار، وحتى صناديق الاستثمار في الديون ذات الدرجة الاستثمارية عانت من واحدة من أكبر عمليات الاسترداد على الإطلاق.
سيعتمد إجمالي التكلفة الفعلية لإعادة التمويل على أسعار الفائدة عندما يعيد المقترضون تمويل ديونهم، وبالطبع لن يحتاج كثير من أصحاب الالتزامات طويلة الأجل لفعل ذلك في أي وقت قريب. رغم ذلك، ومع توقع زيادة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة المستهدف أكثر من نقطة مئوية قبيل نهاية السنة الجارية، توجد أيضاً مخاطر أن يواجه المقترضون تكاليف أكبر إذا أجلوا إعادة التمويل.
يتعين أن تحافظ البنوك المركزية على توازنها وهي تكافح بعضاً من أسوأ معدلات التضخم منذ عقود، إذ حذّر خبراء استراتيجيون من "بنك أوف أميركا" مؤخراً من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يحتاج إلى إبطاء وتيرة زيادة أسعار الفائدة لمنع حدوث عطب في سوق الائتمان.
مخاوف السيولة
تتنامى المخاوف أيضاً إزاء استنزاف السيولة من النظام المالي العالمي حيث تتقلب عقود مقايضات أسعار الفائدة -أحد أعمق الأسواق في العالم– بصورة هائلة. تأرجحت الفجوة بين أسعار الفائدة المتغيرة والثابتة للمقايضات طويلة الأجل والمرتبطة بمعدل التمويل المضمون لليلة واحدة في الولايات المتحدة في بعض الأيام الأخيرة بأعلى نسبة على الإطلاق على المؤشر، الذي طُرح في أكتوبر 2020 كبديل لمؤشر لندن لسعر الفائدة بين البنوك.
تخلّف 6 مقترضين مقرهم في الولايات المتحدة تتعقبهم وكالة "ستاندرد أند بورز غلوبال ريتينغز" عن سداد ديونهم في أغسطس الماضي، إذ تتزايد المؤشرات على أن أسعار الفائدة العالية تؤثر فعلاً على قدرة المقترضين المرهَقة على مواصلة إصدار ديون حديثة لسداد الديون القديمة. تكثر الأمثلة الأخرى على تعثر الديون، بما فيها آسيا حيث تخلفت سريلانكا عن سداد قروضها في وقت سابق من العام الجاري، وعانت شركات العقارات الصينية من مستويات قياسية من عدم السداد.
قال نيل شيرينغ، كبير خبراء الاقتصاد في شركة "كابيتال إيكونوميكس" (Capital Economics): " انتهى عصر النقود الرخيصة بالفعل ونحن في بداية ركود عالمي من وجهة نظرنا وهذا يشتمل على وقوع ركود في أوروبا الضعيفة بشكل خاص".
تشديد متواصل
بدد مصرفيو الفيدرالي خلال الأسابيع الماضية أي إشارة تدلل على أنهم يقتربون من وقف زيادات أسعار الفائدة حتى لو كان ذلك يعني معاناة الاقتصاد. يأتي هذا حتى في أعقاب بدء واحدة من أكثر دورات التشديد النقدي قوةً خلال العصر الحديث وزيادة أسعار الفائدة للمرة الثالثة على التوالي بمقدار 75 نقطة أساس في سبتمبر الماضي.
فقد مؤشر "بلومبرغ مالتيفيرس" للسندات ذات الدرجة الاستثمارية وذات العائد المرتفع عبر العملات 20% تقريباً السنة الحالية، في طريقه لتسجيل أسوأ تراجع سنوي في تاريخه. انخفضت الأوراق المالية لتقع في أول سوق هابطة لها منذ جيل في سبتمبر الماضي.
تواجه الديون السيادية النامية المقوّمة بالعملات الأجنبية والشركات عالية الاستدانة أكبر ضغوط محتملة، بحسب شيرينغ من "كابيتال إيكونوميكس". أضاف أنه برغم اختلاف طبيعتها، فإن الاضطرابات الأخيرة التي حدثت في أسواق المملكة المتحدة عقب إعلان حكومتها عن تخفيضات ضريبية كبيرة تُعدّ بمثابة "تحذير" للحكومات الأخرى من أن لديها مجالًا أقل للمناورة المالية أو الوقوع في خطأ في السياسة النقدية حالياً.
طرحاً غير جاذب
تؤثر تكاليف الاقتراض المرتفعة على الشركات القوية أيضاً. بلغ الفارق بين العائدات الحالية ومتوسط توزيعات الفوائد القائمة لكل من المقترضين الأميركيين والأوروبيين في الوقت الحاضر أعلى مستوى له منذ ما يفوق عقداً. يعد الهدوء المفاجئ في الأسواق الرئيسية الأميركية الذي يتزامن مع الصعود الأخير في العوائد دليلاً على أن الاقتراض بالمستويات الحالية بات طرحاً غير جاذب بصورة متنامية.
كتب زوسو ديفيز وجيني أفدوي، استراتيجيي الائتمان في مصرف "باركليز"، في رسالة بتاريخ 30 سبتمبر: "نتوقع أن تزداد تكلفة التمويل تدريجياً مع إعادة تمويل الشركات للديون بتوزيعات فائدة أعلى مع حلول مواعيد استحقاق مزيد من الديون مع مرور الوقت".
كما تُصعّب سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي النقدية المتشددة من مهمة المقترضين لأنها ترفع الدولار إلى أعلى مستوياته منذ عدة عقود مقابل العديد من نظرائه الكبار، بما فيهم اليورو والين. يمكن أن يزيد ذلك التكاليف على المصدرين غير الأميركيين الذين يحتاجون للحصول على تمويل بالدولار، علاوة على تشديد الأوضاع المالية في كافة أنحاء العالم.
سيولة قياسية
كتب خبراء استراتيجيات الأسواق الناشئة، بمن فيهم دوناتو غوارينو، من "سيتي غروب" في تقرير حديث: "أبلغ المستثمرون عن حيازات نقدية قياسية في أحدث استطلاعات الرأي ربع السنوية، ولكن نشاط التداول الأخير يدل على ارتفاع في مبيعات العملاء ربما كانت مدفوعة جزئياً بالحاجة إلى جمع سيولة إضافية من أجل عمليات الاسترداد المتوقعة، وبعبارة أخرى، ربما يتضاءل غطاء السيولة، مما يجعل أي هزة أخرى في السوق أشد ضرراً على قيم الأصول".
بلغ متوسط العوائد على سندات الشركات العالمية المقومة عبر مختلف العملات والتصنيفات الائتمانية مؤخراً 6% لأول مرة منذ 2009، بحسب مؤشر بلومبرغ.
قالت بولين كريستال، مديرة محفظة أصول في "كاب ستريم كابيتال" (Kapstream Capital) في سيدني: "لم نشهد حتى الآن القدر الأكبر من تأثير رفع أسعار الفائدة على الاقتصاد، وما نزال نتوقع أن نشهد تراجعاً في النشاط والتوظيف وارتفاع حالات التخلف عن السداد".
في موقع آخر من أسواق الائتمان:
آسيا
تباطأ تدفق الصفقات الجديدة في سوق السندات الدولارية الآسيوية يوم الإثنين مع إغلاق الأسواق الصينية لمدة أسبوع لعطلة الأسبوع الذهبي وعطلة كوريا الجنوبية.
- امتدت خسائر السندات الدولارية الآسيوية للربع الخامس على التوالي، في أطول سلسلة هبوط عل الإطلاق، وتراجعت السندات 4.2% في الثلاثة أشهر المنتهية في 30 سبتمبر الماضي.
- رغم ذلك، فإن هذه الخسارة تأتي أقل من الربعين السابقين، عقب إجراءات السياسة النقدية في الصين التي تهدف إلى مساعدة قطاع العقارات المضطرب في البلاد.
- جاءت أحدث علامة على توفير تحفيز من ذلك النوع في أواخر الأسبوع الماضي، عندما قال أشخاص مطلعون على الموضوع إن الجهات التنظيمية المالية طلبت من أكبر البنوك المملوكة للدولة توفير تمويل 85 مليار دولار على الأقل لقطاع العقارات المحطم.
- صعدت أسهم وسندات شركات التطوير العقاري الصينية يوم الإثنين عقب ورود تلك الأخبار.
- قد تزداد مكاسب بعض السندات الدولارية لدى " تشاينا هوارونغ" عقب إعلان مديرة الديون الرديئة الأسبوع الماضي عن خطط لإعادة شراء بعض السندات الخارجية واسترداد السندات الدائمة.
- تكتسب شركات الوساطة الصغيرة حصة سوقية في سوق الائتمان الياباني بعد أن تأثر اللاعب الكبير السابق "إس إم بي سي نيكو سيكيورتيز " (SMBC Nikko Securities) بفضيحة تداول.
الأميركتان
تتجه السندات الأميركية عالية المخاطر إلى أسوأ خسائر على الإطلاق منذ بداية العام وحتى تاريخه.
- في سوق السندات الأولية من الدرجة الاستثمارية، لم يكن هناك مُصدرون جدد الجمعة الماضية، حيث اختتمت أسبوعاً سيئاً سجل مبيعات بقيمة 1.7 مليار دولار فقط.
- يتعافى قطاع الرحلات البحرية بصورة أكثر بطئاً مما كان متوقعاً، إذ تراجعت أسعار سندات شركتي الرحلات البحرية "كرنفال" (Carnival) و"رويال كاريبيان" (Royal Caribbean) الجمعة الماضية.
- كتب أحد المحللين إن الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري تقدم واحدة من أفضل أوقات دخول السوق جاذبية خلال الـ10 أعوام الماضية نظراً لخليط العائد المرتفع ومخاطر الدفع المسبق المنخفضة.
أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا
فشلت الإصدارات في سوق السندات الأولية للمنطقة في الارتقاء لمستوى التوقعات، بإصدارات تفوق بقليل 15 مليار يورو (ما يعادل 14.7 مليار دولار)، وكانت الجمعة الماضية هي اليوم الـ39 بدون مبيعات خلال السنة الجارية.
- البنوك التي تموّل الاستحواذ على سندات شركة "هاوس أوف إتش أر" (House of HR) ستحتفظ على الأرجح بربع الصفقة تقريباً في مركزها المالي، مما يزيد الديون العالقة المقدرة بالمليارات في دفاتر البنوك.
- في المملكة المتحدة، دخلت السندات الحكومية البريطانية في هدنة عقب التراجعات الأخيرة جراء التفاؤل المحيط باجتماع الحكومة مع مكتب مسؤولية الموازنة.
- سجلت مبيعات الديون المستدامة أرقاماً قياسية في سوق الديون الأرخص وغير المسجلة الألمانية (Schuldschein)، إذ بلغت ما يفوق 8 مليارات يورو في الثلاثة أرباع الأولى من السنة الحالية، لتتجاوز مجموع السنة الماضية كاملاً.