بينما تتسبب حرب الاحتياطي الفيدرالي المكثفة ضد التضخم في انخفاض كافة الأصول في وول ستريت، يتساءل المستثمرون: لماذا نشتري الآن بينما يمكن أن تصبح الأسعار أرخص؟
ما بدأ هذا الشهر من بيع طفيف للأسهم تحول إلى اضطراب عميق بسبب أسعار الفائدة، مما أدى إلى محو كافة مكاسب مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" خلال الصيف.
لم تجذب العوائد على سندات الشركات المشترين بما يكفي في ظل احتفاظ المستثمرين بأموالهم نقداً في انتظار مزيد من الألم الذي يلحقه البنك المركزي بالاقتصاد، وظهور فرصة شراء أفضل. في الوقت نفسه، تسلط كارثة ديون "سيتريكس سيستمز" (Citrix Systems) الضوء على المناخ الأكثر تشدداً لزيادة رأس مال الشركات الأميركية مما يؤدي إلى تعتيم آفاق الشركات المثقلة بالديون في سوق الأسهم.
تباطؤ مطلوب
يأتي كل هذا في وقت سيئ بالنسبة للشركات، التي تواجه تراجعاً في هوامش الربحية، فرغم أن أسعار الأسهم أقل من أعلى مستوياتها على مدار عدة سنوات، قد تتعرض لمزيد من الانخفاض عقب ارتفاع مضاعف لمؤشر "ستاندرد آند بورز" من القاع الذي سجله أثناء الوباء. وحتى مع وصول العوائد الإسمية لسندات الخزانة لأعلى مستوى منذ أكثر من عقد، فإن معدلات الفائدة المعدلة حسب التضخم لديها متسع لمزيد من الصعود.
اقرأ أيضاً: مخاوف التشديد النقدي والركود العالمي تهوي بالأسهم الأميركية
لن ينزعج جيروم باول وزملاؤه في الاحتياطي الفيدرالي من الانخفاض الحاد في أسعار الأصول، حيث أمضوا الأشهر الستة الماضية بدايةً من القول على استحياء ثم بشكل مباشر، إن التضخم لا يمكن أن ينخفض إلا مع تباطؤ القفزات التي تشهدها الأسواق المالية، فمنذ بدأ البنك المركزي التشديد النقدي في مارس، قفزت عوائد السندات لأجل 10 سنوات أكثر من 1.5%، بينما انخفضت الأسهم 20%، واتسعت هوامش السندات المصنفة غير استثمارية بنحو 90 نقطة أساس، مع احتمال زيادة المعاناة.
ويرى جورج بيركس، المحلل الاستراتيجي للاقتصاد العالمي لدى مجموعة "بيسبوك إنفستمنت غروب" أن "رسالة مجلس الاحتياطي الفيدرالي هي مواصلة السير حتى يحدث خطأ ما". ويتساءل: "إذا كان ذلك هو توجه الاحتياطي الفيدرالي، فكيف يُفترض أن تنخفض الأسواق؟"
خلل سوق العمل
تراجع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" الجمعة لليوم الرابع على التوالي، بعد تسجيل أسوأ أداء منذ يناير 2021. يعكس هذا الأداء استجابة المستثمرين أخيراً لرسالة البنك المركزي أنه بعد عصر ذروة التحفيز النقدي، وتضخم أسعار الأصول، يصبح ضرورياً وبالتبعية تهدئة ضغوط الأسعار في الاقتصاد الأوسع.
اقرأ أيضاً: مستثمرو "وول ستريت" يتهيأون لـ"سقوط حرّ" لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500"
قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، نيل كاشكاري نهاية أغسطس إنه "سعيد" برؤية انهيار السوق رداً على خطاب باول في مؤتمر جاكسون هول السنوي، حين أكد الرئيس جيروم باول أن البنك المركزي ملتزم بالقضاء على التضخم.
أشار باول مراراً في المؤتمر الصحفي الأربعاء إلى سوق العمل، وأن قوتها لا تزال "غير متوازنة"، بينما يسعى صانعو السياسة النقدية إلى السيطرة على التضخم الأكثر سخونة منذ جيل.
عقاب المضاربين
تظهر بيانات بلومبرغ أنه بعد أن شهد أغسطس كسر سلسلة التدفقات الخارجة التي استمرت ثلاثة أشهر متتالية، تم استنزاف أكثر من 5 مليارات دولار من الصناديق المتداولة في البورصة الأميركية. وفي الوقت نفسه، تتم معاقبة المضاربين في السوق، حيث تراجع مؤشر "غولدمان ساكس" لشركات التكنولوجيا غير الرابحة 12% منذ بداية سبتمبر، وتتجه إلى تسجيل أسوأ أداء شهري منذ مايو الماضي.
في هذا الشأن قال آرت هوغان، كبير محللي السوق في "بي رايلي" (B. Riley)، في مكالمة هاتفية: "إذا كان هناك بائعون أكثر قوة ومشترون أقل، فإن عدم التوازن بين العرض والطلب سيؤدي بالتأكيد إلى تباطؤ وتيرة ارتفاع أسعار الأسهم وصولاً إلى الحد الذي نشهده الآن، ما يشبه تقلص الطلب على باقي الأشياء الأخرى".
أصول أرخص
على الرغم من ذلك، وبينما تستمر أسعار أغلب فئات الأصول في الانخفاض، لا توجد مؤشرات كبيرة على ذعر المستثمرين مثل الإجبار على التصفية أو التراجع طويل المدى نتيجة ركود الاقتصاد. الظروف المالية التي تُعدّ المؤشر على توازن ضغوط السوق للعديد من الأصول، تقترب من المستويات التي دفعت الاحتياطي الفيدرالي إلى بدء رفع الفائدة في مارس. ورغم تباطؤ إصدار الائتمان، ما تزال الشركات ذات التصنيف الاستثماري قادرة على نطاق واسع الاستفادة من الأسواق الأولية، وإن كان بتكلفة أكبر.
اقرأ أيضاً: متداولو الأسهم الأميركية يواجهون تشديداً نقدياً في أسوأ وقت من العام
وفي ظل تلك الظروف، ترى كيم فورست من "بوكيه كابيتال بارتنرز" أنه من المنطقي الصمود والانتظار لصفقات أكبر مع الاحتياطي الفيدرالي في طريق محاربته للتضخم.
تضيف فورست: "وضع الاحتياطي الفيدرالي تلك الاستراتيجية لقتل التضخم ويبدو أنها ستقتل الاقتصاد أيضاً، وهذا هو سبب إضراب المشترين"، لافتة إلى أن من يبحث عن فرص للشراء يبرز أمامه سؤال كبير هو: هل ستكون الأصول أرخص الشهر المقبل؟ والجواب ربما يمكن ذلك.