قبل ساعات من أول اجتماع للجنة السياسة النقدية، التابعة للبنك المركزي المصري، برئاسة المحافظ الجديد، تلفُّ الضبابية التوجهات المتعلقة برفع سعر الفائدة. في وقتٍ يدرس "المركزي" خطواته بدقّة، للسيطرة على التضخم الذي يزداد سوءاً نتيجة ضغوط خفض قيمة الجنيه.
يتقدّم العوامل المؤثرة بالقرار المزمع، عدم وضوح رؤية المحافظ الجديد حسن عبد الله بما يتعلّق بالسياسة النقدية وكيفية استخدام أدواتها، والثاني احتمال ضعف تأثير رفع الفائدة حالياً على السوق والتضخم في ظلّ معاناة الجنيه المصري من ضغوط حادّة لخفض سعره، فضلاً عن استيعاب الإرهاصات الناجمة عن زيادة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للفائدة بواقع 75 نقطة أساس مساء البارحة الأربعاء، ويُضاف إليها الضغوط العائدة لمفاوضات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
رغم انقسام الاقتصاديين حول خطوة البنك المركزي المصري، مساء اليوم، بشأن سعر الفائدة، إلاّ أن استطلاعاً أجرته بلومبرغ أفاد بأن معظمهم يتوقعون زيادةً بمقدار 50 إلى 100 نقطة أساس.
خلال آخر اجتماع لجنة السياسة النقدية في 18 أغسطس، ثبّت البنك المركزي أسعار الفائدة عند مستويات 11.25% و12.25% للإيداع والإقراض، وهو الاجتماع الذي تزامن مع تعيين حسن عبد الله قائماً بأعمال محافظ البنك المركزي المصري، خلفاً لطارق عامر، ما يجعل اجتماع الغد أول اختبار لسياسات المحافظ الجديد النقدية.
ارتفاعات أسعار المواد الاستهلاكية بأسرع وتيرة منذ 2018، تُرجِّح أن التشديد النقدي سيُستأنف هذا الأسبوع. لكن السوق بحالة ترقُّب لمزيد من التوجيهات من قِبل صانعي السياسة، مع استمرار ضعف الجنيه بعد تخفيضه في وقتٍ سابق من هذا العام.
ما يُضيف تعقيداً إلى المشهد، محادثات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي، الذي يُفضّل سعر صرف أكثر مرونة. إذ لا يزال الضغط يتفاقم على الجنيه حتى بعد تخفيض قيمته بنحو 15% في مارس، حيث يرى الاقتصاديون أن العملة بحاجة إلى مزيد من الانخفاض. ويراهن المتداولون أيضاً على أن الحكومة ستتيح مزيداً من المرونة على صعيد سعر الصرف لدعم الاقتصاد، بعد رحيل طارق عامر، الذي كان يُنظر إليه على مدى 7 سنوات على أنه داعم لاستقرار الجنيه.
كان "المركزي" رفع أسعار الفائدة منذ بداية العام بـ300 نقطة أساس، في مسعى لمواجهة التضخم المتزايد الذي ارتفع إلى 15.3% في نهاية أغسطس، بعد أن سجل 6.5% كتضخم سنوي في نهاية 2021.
يرى زياد داوود، كبير اقتصادييِ الأسواق الناشئة لدى بلومبرغ، أن تخفيض قيمة العملة في مصر ربما يكون وشيكاً، مع اقتراب البلاد من إبرام صفقة مع صندوق النقد الدولي، الذي يطالب بمزيد من المرونة بسعر صرف الجنيه. مُضيفاً أن "استقالة محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر قد تُشير إلى تحوّل في سياسة سعر الصرف. والأهم من ذلك، أن مصر لا تستطيع الحفاظ على المستوى الحالي لسعر الجنيه".
مخاوف التضخم وتحريك الجنيه يرجّحان رفع الفائدة في مصر
بنك "بي إن بي باريبا" عدّل توقعاته بشأن رفع البنك المركزي المصري لسعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس إلى اجتماع لجنة السياسة النقدية في نوفمبر، من اجتماع سبتمبر كما كان متصوراً سابقاً. حيث اعتبر أنه نظراً لمخاطر هبوط سعر صرف الجنيه، فإن رفع سعر الفائدة لن يكون له تأثير كبير لجذب تدفقات المحافظ الأجنبية أو ترويض التضخم المستورد.
البنك أضاف أنه من المحتمل أن يتأخر "المركزي" في اعتماد مزيد من التشديد، حتى يصبح نمو المعروض النقدي محركاً قوياً للتضخم، أو يحدث انخفاض تصحيحي لقيمة الجنيه. لكن "بي إن بي باريبا" أشار إلى أنه مازال يتوقّع ارتفاعاً تراكمياً بمعدل 200 نقطة أساس في الربع الأخير من العام، نتيجة ارتفاع التضخم المُقدّر أن يبلغ 18%، على أساس سنوي، بنهاية 2022.
كما رجّح البنك أن يصل سعر الصرف إلى ما بين 22 أو 23 جنيهاً مقابل الدولار.
وتلعب دوراً جزئياً في تعديل رؤية البنك حالة عدم اليقين، نظراً لتغيير قيادة البنك المركزي في أغسطس، حيث حلّ حسن عبد الله مكان طارق عامر، والذي يُحتمل أن يؤدي إلى تعديلات على صعيد السياسة النقدية.
كارلا سليم، الخبيرة الاقتصادية في بنك "ستاندرد تشارترد"، تُنوّه في مقابلة مع بلومبرغ بأن خفض قيمة الجنيه بنسبة 20% دفعةً واحدة، قد يدفع التضخم إلى مستويات شوهدت آخر مرة بعد تعويم العملة المصرية عام 2016، حيث ارتفعت الأسعار بأكثر من 30% على أساسٍ سنوي.
ومنذ بداية العام الحالي ارتفع سعر صرف الدولار الأميركي أمام الجنيه المصري بأكثر من 23.4% ليصل إلى أكثر من 19.4 جنيه للدولار في معظم البنوك المصرية، ما يأتي وسط مطالب لصندوق النقد الدولي بسياسة أكثر مرونة من قِبل السلطات المصرية لأسعار الصرف.
وترجّح سليم أن يختار صانعو السياسة في البلاد خفضاً تدريجياً للجنيه للحد من تأثير ذلك على التضخم. متوقعةً أن يرفع "المركزي" الفائدة اليوم بمقدار 100 نقطة أساس.
"المركزي المصري" يخفف القيود على الدولار في عمليات الاستيراد
هاني جنينة، الخبير الاقتصادي والمحاضر بالجامعة الأميركية بالقاهرة، اعتبر في مقابلة مع "الشرق" أن رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لسعر الفائدة، مساء الأربعاء، "يمثل ضغطاً إضافياً متزايداً على مصر، لاسيما لناحية استعادة المستثمرين في أذون الخزانة المصرية الذين تخارجوا من السوق بالآونة الأخيرة". متوقعاً أن تبلغ أسعار الفائدة ذروتها في مصر خلال الربع الأول من العام المقبل، مع تقديراته برفعها 2% إلى 3% حتى تاريخه، بالتوازي مع خفض قيمة الجنيه بنسبة 15%.
ووصف جنينة المرحلة الحالية بأنها "صعبة بالنسبة لمصر، وتماثل إلى حدٍّ كبير مرحلة عام 2016"، عندما جرى تعويم الجنيه.