بالنسبة للمستثمرين الذين تحرقهم نيران التضخم، يبدو أن العام الجاري السيئ للغاية هو أسوأ مما كان متوقعاً.
فمع تهاوي أسعار الأسهم وتعرّض السندات لأكبر الخسائر منذ عقود، أدى ارتفاع أسعار المستهلكين إلى تحويل بعض زوايا الأسواق المالية إلى ملاجئ مربحة في وقت سابق من هذا العام. حيث ارتفعت أسعار النفط، وكذلك فعلت السلع الأخرى أيضاً. وحتى ارتفاع أسعار المساكن والإيجارات دعم قطاع العقارات. إلا أن أماكن الاختباء والملاجئ تختفي بسرعة.
طالع المزيد: الأسهم الأميركية تسجل أسوأ أداء أسبوعي منذ يونيو
يرجع ذلك إلى أن الزيادة المستمرة في معدلات التضخم الأساسية -التي تُجرّد أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة- تستعد لدفع الاحتياطي الفيدرالي لمواصلة سلسلة زيادات في أسعار الفائدة هي الأكثر قوة منذ عقود. وهذا أمر سيئ بالنسبة للأصول بجميع أنواعها.
التعرض للخسائر
وجدتْ دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة بنسلفانيا وجامعة هونغ كونغ أن الأسهم والسندات والسلع وصناديق الاستثمار العقاري تتعرّض جميعها للخسائر عندما يرتفع التضخم الأساسي بشكل غير متوقع، وفقاً لبيانات من عام 1963 إلى عام 2019.
قال نيكولاي روسانوف، أستاذ المالية في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا الذي شارك في تأليف الدراسة: "خلال النصف الأول من العام عندما كان تضخم الطاقة والغذاء يرتفع بوتيرة أسرع من المعدل الأساسي، كان أداء السلع رائعاً وبدت وكأنها وسيلة تحوط كبيرة ضد التضخم؛ ولكن عندما بدأت أسعار الطاقة في الانخفاض، رأينا أن الارتباط ينعكس وأداء السلع على نطاق واسع ليس جيداً".
اقرأ أيضاً: مستثمرو السندات يتأهبون لمزيد من الاضطرابات وسط رفع أسعار الفائدة
توقعات قاتمة
يضيف هذا التحول إلى التوقعات القاتمة في الأسواق المالية العالمية، والتي تضرّرت بشدة هذا العام مع تشديد البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم للسياسة النقدية، مما يمثّل خروجاً حاداً عن عصر المال السهل الذي ساعد الأسهم والسندات على الارتفاع خلال الجائحة.
تجدر الإشارة إلى أن وزارة العمل الأمريكية ذكرت يوم الثلاثاء أن مؤشر أسعار المستهلك الأساسي ارتفع بنسبة 6.3% في أغسطس عن العام السابق، وهو أول تسارع منذ مارس. وقضت الأرقام على آمال المستثمرين في حدوث تباطؤ، كما عزّزت التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع في 21 سبتمبر سعر الفائدة الرئيسي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية للمرة الثالثة على التوالي.
مثل هذا التضييق العنيف يزيد من مخاطر حدوث تباطؤ حاد في الاقتصاد من شأنه أن يُضرّ بأرباح الشركات والطلب على السلع مثل النفط.
طالع المزيد: أسعار الفائدة الأميركية تتحول إلى أسلحة "دمار اقتصادي شامل"
علاوةً على ذلك، انخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" (S&P 500) بأكثر من 4% يوم الثلاثاء وحده، عقب تقرير التضخم، وأنهى الأسبوع منخفضاً بنسبة 5% تقريباً. كذلك انخفض مؤشر بلومبرغ للسلع بنسبة 3% منذ يوم الثلاثاء. وارتفعت عوائد سندات الخزانة، مما دفع ديون الحكومة الأمريكية إلى خسارة أكثر من 11% هذا العام، وهي الأسوأ إلى حد بعيد منذ بدء مؤشر بلومبرغ في عام 1973. ويُشار إلى أن الدولار الأمريكي كان من بين النقاط المضيئة القليلة، مع ارتفاع العملة بفعل ارتفاع أسعار الفائدة.
تحوّل أسواق السلع
وفقاً لروسانوف وزملائه الباحثين، فإن التحول في أسواق السلع يتوافق مع ما شوهد منذ أوائل الستينيات. في حين تُحقِّق السلع عوائد بنسبة 21% عندما يرتفع تضخم الطاقة بانحراف معياري واحد، فإنها تنخفض في الواقع بنسبة 0.1% عندما يشهد التضخم الأساسي القفزة نفسها.
كما وجدتْ دراسة مماثلة أجراها باحثون من شركة "مان غروب" (Man Group) وجامعة "دوك" لصناديق التحوط أن كلاً من الأسهم والسندات تميل إلى الأداء الضعيف خلال أوقات التضخم بينما السلع هي فئة الأصول الرئيسية التي تتفوق بشكل موثوق عندما يكون التضخم مرتفعاً. لكن التحذير هو أنه بمجرد أن يبدأ التضخم الرئيسي في الانخفاض من ذروته، كان العائد لفئة الأصول يميل إلى الصفر، وفقاً لأحد المؤلفين.
طالع أيضاً: الدولار الملاذ الوحيد للاختباء هذا العام من انهيار الأصول الخطرة
من جانبه، قال مدير محفظة "مان غروب" تيون درايسمة، "إن السوق بأسرها والعالم بأسره يبحران خارج هذه الفترة التي كنا فيها والتي شهدت تضخماً مرتفعاً ومتصاعداً، إلى فترة التضخم فيها ما زال مرتفعاً، ولكن بشكل أقل؛ ونحن على أعتاب هذا التغيير".
يُغذّي هذا التحوّل حركة الخروج من صناديق السلع حيث يستعد المستثمرون لتباطؤ النمو الاقتصادي أو الركود. ومن المقرّر أن تشهد الصناديق السلعية واسعة النطاق المتداولة في البورصة سحب السيولة للشهر الخامس على التوالي في سبتمبر، مع سحب ما يقرب من 17 مليار دولار منذ بداية مايو.
مستوى لعوائد السندات الأميركية لم يظهر منذ 40 عاماً ينذر باقتراب الركود
فضلاً عن ذلك، قال بيتر شاتويل، رئيس استراتيجيات التجارة الكلية العالمية في شركة "ميزوهو إنترناشونال" (Mizuho International): "مع ارتفاع التضخم الأساسي، فإن هذا يعني أنه سيتم تنفيذ تشديد نقدي قوي، وهذا من شأنه أن يُقلِّل الطلب على المدى القريب، ويُخفِّض أسعار معظم الأصول".