في وقتٍ يستعدّ فيه الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين لعقد اجتماع مرتقب الأسبوع الجاري لتقوية العلاقات الصينية-الروسية، فإنّ جبهة العملة تُعَدّ أحد مجالات العلاقات الاقتصادية القوية بين البلدين.
يثبت اليوان الصيني أنه صمام تنفيس مفيد للشركات الروسية المحاصرة بالعقوبات التي تمنعها من التداول باستخدام عملة الدولار. تستعمل الشركات الروسية اليوان لتسوية مزيد من تجارتها وتوسع الاقتراض بعملة الصين. تزيد روسيا أيضاً حيازاتها من اليوان في احتياطيات النقد الأجنبي الخاصة بها.
اليوان عالمياً
في حين أن إجمالي المبالغ متواضع، وتصف روسيا صعود طلبها على اليوان بأنه مؤقت، فإن التطور يعزز من تنامي استخدام العملة الصينية في الاقتصاد العالمي، إذ يأتي على خلفية انتعاش الصادرات الذي استمرّ لأعوام. قد يشكل استعمال روسيا المتصاعد لليوان نموذجاً للشركاء التجاريين الصينيين الآخرين الذين يطمحون إلى الحد من اعتمادهم تدريجياً على الدولار، الذي يهيمن على التجارة العالمية.
قال هيو فنيغ، كبير محاضرين بجامعة "غريفيث" بكوينزلاند في أستراليا والمؤلف المشارك لكتاب "صعود بنك الشعب الصيني": "لن أكون مفاجَأً بمشاهدة ارتفاع آخر لاستخدام اليوان، إذ إنّ العامل المؤثر حالياً هو بقاء الفائض التجاري للصين عالياً السنة الحالية. بالإضافة إلى ذلك، يوجد عامل مؤثر من روسيا".
صعد حجم التجارة بين روسيا والصين منذ غزو أوكرانيا في فبراير الماضي. تشتري الصين النفط بمستويات غير مسبوقة من روسيا، فيما تنمو صادراتها إلى روسيا بمعدل متضاعف حتى في ظل تباطؤ شحنات التصدير إلى أماكن أخرى عديدة.
جهود منسقة
في أغسطس المنصرم، قال سفير الصين لدى روسيا، تشانغ هانهوي، إنه يتوجب على البلدين تكثيف عمليات التنسيق لحل مصاعب تسوية التجارة المترتبة على العقوبات على روسيا. أوضح تشانغ في أثناء مقابلة مع وسائل الإعلام الروسية أن الصين ستستمر في تدعيم استخدام العملة المحلية بمزيد من عمليات تسوية التجارة الثنائية.
يجري فعلياً تسوية معاملات باليوان بقدر أكبر. قالت شركة الغاز العملاقة "غازبروم" التي تديرها الدولة إنها ستحوّل تعاقدها لإمداد الصين بالغاز إلى الروبل واليوان من اليورو. استحوذت المؤسسات الروسية على 4% من كل مدفوعات اليوان الخارجية التي جرت عبر "سويفت"، نظام المدفوعات العالمية، في يوليو الماضي، مما جعلها تحتلّ المرتبة الثالثة بعد هونغ كونغ والمملكة المتحدة. مع نهاية 2021 لم تكُن روسيا حتى ضمن أفضل 15 دولة من حيث جملة مدفوعات اليوان الخارجية.
باتت سندات العملة الصينية أيضاً مصدراً لتمويل بعض الشركات الروسية. تجهز شركة النفط العملاقة "روسنفت" لأكبر إصدار سندات مقومة باليوان في البلاد. زادت شركة "بولييوس" (Polyus)، أكبر شركة تعدين للذهب بروسيا، حجم سندات اليوان لأجل 5 أعوام التي كانت تبيعها إلى 4.6 مليار يوان (660 مليون دولار) من 3.5 مليار يوان في البداية. باعت شركة "روسال إنترناشيونال" عملاقة قطاع الألمنيوم سندات اليوان في يوليو الماضي.
الاحتياطيات الروسية
تدرس الحكومة الروسية خطة لشراء ما يصل إلى 70 مليار دولار من اليوان وعملات الدول "الصديقة" الأخرى السنة الجارية لإبطاء صعود سعر صرف الروبل قبل التحول إلى استراتيجية طويلة الأجل لبيع حيازاتها من العملة الصينية لتمويل الاستثمار، حسب ما ذكرته "بلومبرغ نيوز" في الأول من سبتمبر الجاري.
حتى قُبيل اندلاع الحرب، صارت روسيا من أكبر حائزي الاحتياطيات النقدية بالعملة الصينية على مستوى العالم.
ما زال أمام اليوان مسار طويل ليقطعه فعلياً لمقارعة نظرائه الكبار. مثلت العملة الصينية 2.2% من المدفوعات العالمية من حيث القيمة في يوليو الماضي، صعوداً من 1.9% قبل سنتين، ومقارنة بـ41% للدولار، و35% لليورو، و6% للجنيه الإسترليني، وفق جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك "سويفت".
عملة دولية
قال إسوار براساد، الأستاذ بجامعة كورنيل والخبير في الشؤون الصينية، إنّ اليوان سيحظى بدفعة من قِبل البلدان التي تطمح إلى تحاشي التعامل بالدولار، رغم أن هيمنة العملة الأميركية ما زالت مؤكدة.
أضاف: "من المرجح أن انتشار التقنيات الحديثة التي تحدّ من خلافات المدفوعات الدولية، علاوة على رغبة بلدان عديدة في التحايل على الاعتماد على الدولار، سيزيد حصة اليوان من المدفوعات العالمية. ورغم ذلك فعلى الأرجح سيكون هذا بمثابة تحوّل محدود بغضون الأعوام القليلة المقبلة، وبالتأكيد لن يقوض بصورة خطيرة منزلة الدولار".
توجد عقبات عدة تحول دون انتقال اليوان إلى عملة عالمية بدرجة أكبر، بما فيها قيود رأس المال وقبضة الحكومة المُحكمة على سُبل تداول اليوان. تنعدم شفافية المنافسين التجاريين الكبار داخل النظام القانوني الصيني، في حين أن حملة الإجراءات التنظيمية الصارمة على قطاع التكنولوجيا والقطاعات الأخرى بثَّت الذعر وسط المستثمرين الأجانب.
أسعار الفائدة
بشكل دوري، تُبعد الارتفاعات القوية في أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المستثمرين عن الأوراق المالية الصينية، إذ سجّلَت التدفقات الخارجة رقماً قياسياً في وقت سابق من السنة الحالية، في حين أن تباطؤ القطاع العقاري والخسائر الاقتصادية المتواصلة جراء فرض قيود للحد من تفشي وباء كوفيد-19 أثرا سلباً بصورة أكبر على جاذبية اليوان. سيكون لتراجع الصادرات انعكاسات عليها.
رغم ذلك فإن العملة تزداد قوة، حتى لو كان ذلك بطريقة بطيئة.
بلغت قيمة التجارة الصينية باستخدام الرنمينبي مستوى قياسياً عند 2.5 تريليون يوان خلال الربع الثاني من العام الجاري، حسب بيانات بنك الشعب الصيني، مما يعكس طفرة صادرات بدأت فقط في التباطؤ مؤخراً.
في غضون ذلك، تُنوِّع بنوك مركزية تدريجياً حيازاتها التي يهيمن الدولار عليها. صعدت حصة اليوان في احتياطيات النقد الأجنبي الرسمية إلى 2.88% خلال الربع الأول من السنة الحالية، ارتفاعاً من 1.2% خلال 2017، حسب بنك الشعب الصيني.
نفوذ دولي
أعطى صندوق النقد الدولي اليوان دفعة قوية أيضاً في مايو الماضي، وزاد وزنه في سلة عملات حقوق السحب الخاصة إلى 12.28% من 10.92%. في سوق سندات هونغ كونغ، وقفزت مبيعات ديون الشركات والحكومة المقومة باليوان، التي يُطلَق عليها سندات "ديم سيم" (DimSum)، إلى مستوى قياسي.
قد يعزز انتعاش التجارة الثنائية مع روسيا أيضاً نظام الدفع باليوان الصيني عبر الحدود بين البنوك، الذي تديره شركة "سي آي بي إس" (CIPS).
في حين أن نظام "سي آي بي إس" يتضمن قدراً محدوداً من أحجام المعاملات مقارنة بنظام "سويفت"، فإنه ينمو بصورة منتظمة. متوسط قيمة المعاملات اليومية التي يجري التعامل معها بواسطة نظام "سي آي بي إس" في النصف الأول من 2022 بلغ الضعف مقارنة بـ2016، وغالبية البنوك الخارجية التي تستخدم اليوان لتسوية المعاملات مرتبطة فعلياً أو ستُربط قريباً بنظام "سي آي بي إس"، حسب الرئيس التنفيذي شو زي يوهيي.
قالت بيكي ليو، رئيسة وحدة استراتيجية الاقتصاد الكلي الصيني بمصرف "ستاندرد تشارترد"، إنّ الثقل الهائل للنفوذ الاقتصادي العالمي للصين، وعلاقاتها الوثيقة بما يطلق عليها دول "بريكس"، وهي البرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا، وتنويع العملات من قِبل البنوك المركزية، سيستمر في تدعيم مكانة اليوان.
أضافت: "نحن نتوقع حدوث تقدم بوتيرة أسرع في تدويل عملة الرنمينبي في غضون الأعوام المقبلة".