تتعرّض مكانة لندن، باعتبارها أكبر مركز مالي أوروبي، إلى هزة جديدة بسبب ارتفاع عدد الشركات الهاربة من سوق الأوراق المالية في المملكة المتحدة، ما يزيد من قتامة تباطؤ حركة الطروحات الأولية.
قالت شركة الاستثمار التقني، "ألايد مايندز" في الولايات المتحدة، أمس الأربعاء، إنها تريد إلغاء إدراجها في بورصة لندن، ملقية باللوم في تخارجها على التكلفة "الباهظة المقيّدة" الخاصة بالاحتفاظ بإدراج مميز. وألغت شركة التعدين العملاقة، "بي اتش بي غروب" في وقت سابق من هذا العام، عرض إدراجها من الفئة الأولى في المملكة المتحدة، لصالح الإدراج في السوق الأولية بأستراليا، متخلية كذلك عن مكانتها في مؤشر "فوتسي 100" البريطاني.
يعيق التخارج الجهود المبذولة لتعزيز مكانة لندن كمركز مالي عالمي ومقر رئيس للإدراج. وتعمل الحكومة جاهدة على استقطاب الشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا من خلال تقديم إعفاءات ضريبية وتيسير الطريق أمام دخول الأسواق العامة، لكن المملكة المتحدة، منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، عانت من تباطؤ نشاط الاكتتابات العامة الأولية والتقلبات البارزة والاضطرابات السياسية.
قالت صوفي لوند-ياتس، محللة الأسهم الرئيسة في "هارغريفز لانسداون" (Hargreaves Lansdown): "لا أحد ينكر أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي زاد من حجم مشكلة الإدراج فيما يتعلق بالشقين الإداري والتكلفة. ترغب المملكة المتحدة في إعادة تسويق نفسها كملاذ لشركات التكنولوجيا سريعة النمو والمحفّزة تحديداً، لكننا بعيدون بعض الشيء عن تحقيق ذلك".
في نوفمبر الماضي، أصبحت شركة الطيران الإيرلندية منخفضة التكاليف، "رايان إير هولدينغز"، أول شركة كبرى تلقي باللوم في تخارجها من بورصة لندن على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كما سعت كل من "هامرسون" لملكية العقارات التجارية و"سيغرو" لتشغيل المستودعات إلى الإدراج في الأسواق الثانوية ببورصات القارة الأوروبية بهدف الحفاظ على الوصول للسوق الأوسع.
إعادة شراء الأسهم
تراجعت الأسهم البريطانية عن مؤشرات الأسهم الرئيسة الأخرى في أوروبا طوال السنوات الست الماضية. وأدت التقييمات الرخيصة إلى فيضان من عمليات إعادة شراء الأسهم من قبل "يو كيه بي إل سي" (UK Plc)، وشجّعت المشترين الأجانب وشركات الأسهم الخاصة على اقتناص الصفقات، ما ساعد مؤشر "فوتسي 100" على التفوق في الأداء على الأسواق المتقدمة الأخرى هذا العام.
إلا أن النتائج لم تأتِ بالمرجو منها ضمن مساعي الحكومة البريطانية لإجراء تغييرات واسعة على قواعد الإدراج في لندن، بما في ذلك التخلص من نظام قائمتي الإدراج الاعتيادي والمميّز لجذب المزيد من المصدِّرين إلى المدينة. وكان عام 2021 ناجحاً بالنسبة للاكتتابات العامة الأولية في لندن، لكن الأداء الكارثي للقادمين الجدد من أمثال "ديلفرو"، و"تي إتش جي"، و"وايز" (Wise) يؤدي إلى إبعاد المستثمرين والمرشحين للإدراج على حد سواء.
تعاني المملكة المتحدة من أجل الوقوف على قدميها في الوقت الذي تزداد فيه صعوبة السوق للغاية. وأظهرت بيانات جمعتها "بلومبرغ" أن عائدات الاكتتابات العامة الأولية بلغت 1.5 مليار دولار فقط حتى الآن من عام 2022، بهبوط قدره 91% عن نفس هذا الوقت من العام الماضي. في مقابل توقف نشاط الإدراج على مستوى العالم، وتتخلف لندن عن أماكن أوروبية أخرى مثل ميلان وزيورخ.
مع ذلك، هناك أمل في أن تؤتي التغييرات المطبقة حالياً ثمارها على المدى الطويل. وتظل المدينة القلب المالي لأوروبا بفضل تمتّعها بأكبر تجمع لرأس المال، والنظام البيئي القوي للبنوك الاستثمارية، وشركات المحاماة، والوسطاء، والاستشاريين.
قال نيك براينز، الشريك في مكتب "بيكر ماكنزي" (Baker McKenzie) للمحاماة بلندن: "مع حجم الغموض المنتشر في العالم، قد نمر بفترة استراحة من الإدراج في لندن، بغض النظر عن التغييرات التي يتم إجراؤها على القواعد. ولكن بمجرد فتح الاكتتابات الأولية العامة مرة أخرى، يمكن أن يساعد وجود نظام إدراج مرن، بميزات يرغبها السوق، مدينة لندن على المنافسة".